في الساعات الأولى، بعد مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن في 13 الجاري إلى الاتصال هاتفياً بالرئيس الروسي بوتين واقتراحه عقد لقاء شخصي بين الزعيمين، عمت “النشوة” المواقع الإعلامية الروسية “وأخيراً، ها هما يلتقيان”. هذا الوصف لكيفية تلقي روسيا مفاجأة بايدن الاتصال بنظيره الروسي، بعد أن كان قد وصفه سابقاً ب”القاتل”، جاء على لسان مدير المركز الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف في مقابلة له مع موقع إعلامي روسي، تمحورت حول هذا الإتصال والموضوعات، التي قد تندرج على جدول أعماله. وانعكس النبأ مباشرة على سوق الأسهم الروسية وسعر صرف الروبل، اللذين سجلا ارتفاعا عند إقفال ذلك اليوم.
لكن “نشوة” الإعلام الروسي بمبادرة بايدن بالدعوة لعقد اللقاء بين الرئيسين، والأثر الإيجابي، الذي تركته على أسواق المال الروسية، لم تلبث أن تبدلت، بعد أيام، إلى توتر جديد في العلاقات بين البلدين، يهدد بنسف المبادرة الأميركية وإلغاء اقتراح عقد لقاء بين الرئيسين. فقد أعلنت الولايات المتحدة الخميس في 15 من الجاري قائمة عقوبات جديدة على روسيا، طاولت دين روسيا السيادي و32 شخصاً ومؤسسة وطرد 10 دبلوماسيين روس. ولم تتأخر موسكو في الرد بقائمة عقوبات جوابية مساء الجمعة في 16 الجاري، إقترحت طرد 10 عاملين في السفارة الأميركية بموسكو، وتقليص عدد التأشيرات الروسية للمنتدبين من الخارجية الأميركية إلى 10 تأشيرات في السنة، ومنع الممثليات الدبلوماسية الأميركية من توظيف عاملين روس وأجانب في روسيا.
قبل حرب العقوبات الجديدة، لم يكن قد تحدد بعد جدول أعمال المؤتمر المقترح من قبل بايدن وموعده ومكانه، وبقي مجالاً خصباً للتكهنات والتخمينات في وسائل الإعلام . واقتصر الإعلان عن إمكانية حدوث اللقاء، بأن عبر الرئيسان عن الإستعداد لمواصلة الحوار “في المجالات الأهم للأمن العالمي”، وإعلان الرئيس الأميركي، بأنه مهتم بتطبيع العلاقات الثنائية وبناء “تعاون مستقر قابل للتنبوء به”.
رئيس مجلس الإتحاد الروسي كونستانتين كوساتشيف قال، بأن الرئيسين قد يبحثان مسألة إحياء عدد من الإتفاقيات في الأمن الإستراتيجي والحد من التسلح، ورأى، أن إقتراح بايدن بعقد اللقاء في بلد ثالث يشير إلى “جدية النوايا”. وأشار موقع “Lenta” الروسي، الذي نقل كلام كوساتش، أن وزير الخارجية لافروف التقى مع الممثل الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المناخ جون كيري خلال زيارته نيودلهي في “لقاء غير مخطط له”.
مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف، وفي مقابلة مع الموقع الروسي “”Fontanka نقلها موقع المجلس قال، بأنه لم يكن يتوقع هذا الإتصال من بايدن، وأنه كان يعتقد، بأن الإتصالات بين الطرفين سوف تكون على مستوى وزراء الخارجية أو وزراء الدفاع. لكن الوقت قد حان، برأيه ، للإتصالات الجدية، حيث تراكمت لدى الطرفين أسئلة كثيرة جداً لبعضهما، والكثير من القضايا الدولية، التي لا حلول لها من دون تعاون روسي أميركي ما. وقال، بأنه، إضافة إلى الحد من الأسلحة الإستراتيجية والإستقرار العالمي، سوف يتضمن جدول أعمال لقاء الرئيسين عدداً من القضايا الإقليمية المتعلقة بأوكرانيا، إيران، سوريا وأفغانستان. وخلافاً لقضية المعارض الروسي السجين ألكسي نافالني، التي “يستحيل الإتفاق” بشأنها، قال، بأن الإتفاق ممكن حول كل من أوكرانيا وسوريا. والمسألة في سوريا، برأيه، هي الآن مسألة المعابر الإنسانية إلى إدلب، التي يتوفر قرار لمجلس الأمن الدولي بشأنها. أما في أوكرانيا فالأمر أكثر تعقيداً، حيث يريد بايدن إنسحاب القوات الروسية (جيشان و3 فرق إنزال جوي) من الحدود مع أوكرانيا، والعودة إلى طاولة المفاوضات.
يعتبر كارتونوف، أن لدى بايدن نظرته الخاصة إلى بوتين، التي لا يمكن تغييرها “مهما فعل بوتين أو قال”. وعلى الرغم من موافقة بايدن على وصف بوتين ب”القاتل”، إلا أنه لا خيار آخر لديه من التحدث إلى “زعيم دولة عظمى”. وبالنسبة لبوتين نفسه، لن يكون هذا الوصف عائقا يحول دون الجلوس مع بايدن والتحدث إليه. ولن يجد أية صعوبة في إسكات حملة بروباغندا أجهزة الإعلام الروسية، التي هبت ضد وصف بايدن ذاك، إذ أن هذه الأجهزة “تضخم حين يقولون ضخمي، وتخرس حين يقولون إخرسي”، ويرى أن الآمال، التي تعقدها هذه البروباغندا على اللقاء “ليست مبررة كليا”.
في تعليقه على فرضية، أن بايدن قام باتصاله مباشرة تقريباً، بعد تصريحات وزير الدفاع سيرغي شويغو عن إشارات إيجابية في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، وسؤاله ما إن كانت وزارة الدفاع ستحل طويلاً محل وزارة الخارجية في روسيا، قال كارتونوف، بأن عملية عسكرة السياسة الخارجية تجري منذ زمن بعيد “وليس عندنا فقط”. وقال، بأن الدبلوماسيين لا يقومون، في الواقع، سوى بتظهير القرارات المهمة، التي يتخذها العسكريون، وهذا ينطبق على سوريا وأوكرانيا، وعلى الكثير من موضوعات العلاقة مع الولايات المتحدة. ففي سوريا، مثلاً، تلعب وزارة الدفاع الدور الرئيسي، التي لها نظرتها وأولوياتها وآفاق مـــــا ترسمه مــــــن خطـــــــط. بالنسبة للعسكريين، قد يكون التعاون مع الجيش السوري هو الأولوية الأرفع، ولذا من المستبعد، أن ينتقدوا الأسد لعدم تطبيقه قرار مجلس الأمن، ويعتبرون موقفه في جنيف أمراً ثانوياً. الأمر يختلف بالنسبة للدبلوماسيين، الذين عليهم أن يروا، ليس ساحة المعركة والوضع على الأرض فحسب، بل والمشهد الدولي أيضاً، والنظر إلى سوريا في السياق الأوسع لعلاقات روسيا بالغرب. ولذا، مهما كان “عسكريونا والرفيق شويغو” رائعين، إلا أن على وزارة الخارجية أن تلعب دوراً أنشط في تلك الحالات، التي تتقدم فيها وزارة الدفاع إلى الواجهة، (سارعت الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا إلى الإعلان، بأن الوزارة قامت بالعمل المطلوب منها في الإعداد للقاء الرئيسين). وحين سئل كارتونوف عما إذا كان الوزير لافروف لا يزال قادراً على القيام بمثل هذا العمل، وهو الذي “يبدو تعباً منذ زمن طويل”، جاء رده حمّال أوجه، حيث قال “من الصعب القول. بالطبع، السنوات العديدة التي أمضاها وزيرا للخارجية تشكل عبئا ثقيلا”، وأطنب من ثم في إمتداح خبرته ومزاياه (لافروف رئيس مجلس أمناء المجلس الروسي المذكور).
وفي إجابته عن السؤال، لماذا لا يتعجل الكرملين في الرد على إقتراح بايدن، وهل هو بحاجة إلى الوقت للتعامل مع “صدمة الإتصال، الذي طال إنتظاره “، أم أنه “لا يجوز إظهار فرحته”، قال كارتونوف، بانه لم يكن ليسعد كثيراً بإقتراح البيت الأبيض، لأن الحديث سيكون طويلاً، متوتراً، وبدون نتائج واضحة كلياً حتى الآن. وأكد، أن بوتين تعامل مع العديد من الرؤساء الأميركيين، بدءاً من بيل كلينتون، لكنه لا ينبغي أبداً الإستهانة بالرئيس بايدن كمفاوض مقابل، سيما أن الحوار “أفضل دائماً من مونولجين متوازيين”.
صحيفة الكرملين “vz” لا ترى ما يراه كارتونوف من أن إقتراح بايدن بعقد لقاء مع بوتين، “هو خطوة جريئة، وليس، بالتأكيد، تنازلاً لموسكو”. في النص، الذي نشرته الصحيفة حول مبادرة بايدن قالت، بأنه ليس بايدن من استمع إلى صوت بوتين وهو يدعوه للقاء وحوار مفتوح خلال رده على وصف بايدن المهين له، بل بوتين هو من استمع إليه وهو يطلب المساعدة في حل النزاع الأوكراني وإحياء الصفقة النووية الإيرانية والمواجهة مع الصين. وترى، أن روسيا بحاجة إلى لقاء يسفر عن نتائج ملموسة، وليس إلى لقاء صورة وتسجيل نقاط شخصية، واستبعدت أن يكون اللقاء بناءاً .
المصدر: المدن