تتكشف مساعي النظام السوري المرتبطة بكسب الوقت، قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة في حزيران/يونيو المقبل، وإصراره على التفلّت من الالتزامات التي تؤدي إلى تغيير جوهري في محتوى الدستور، لاسيما بعد خمس جولات من المباحثات السياسية الفاشلة، والتي استمرت على مدار أكثر من سنة وثلاثة أشهر، دون إحراز أي تقدم جوهري يذكر. وعلى ضوء ما تقدم، قالت مصادر مقربة من الرئيس المشترك للجنة الدستورية، عن وفد النظام السوري، أحمد الكزبري، إن الجولة السادسة من اللجنة الدستورية لن تعقد قبل إجراء الانتخابات الرئاسية التي يصر النظام السوري على عقدها في موعدها.
حقيقة الموقف الروسي؟
وذكرت المصادر لموقع «روزنة» الإخباري المحلي، أن الكزبري الذي غادر دمشق إلى دولة خليجية الأسبوع الفائت، أكد بأن المماطلة في الاتفاق على جدول أعمال للجولة السادسة سيكون حاصلاً حتى انعقاد الانتخابات الرئاسية لبشار الأسد، وضمان سبع سنوات جديدة للأخير في الحكم. وكشف المتحدث أن الأنباء الأخيرة حول لقاء يجمع رئيسي اللجنة المشتركين، كان مجرد إلهاء تسعى إليه دمشق، للادعاء زيفاً باستعدادها للمضي في خطوات حقيقية وناجعة للاستمرار بأعمال اللجنة الدستورية.
لكن ما يثير التساؤلات، هو تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأخير، الذي يؤكد مساعي موسكو في عقد الجولة السادسة من اللجنة الدستورية «قبل حلول شهر رمضان» وتوقع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن تكون الجولة المقبلة من اللجنة الدستورية السورية «جديدة ونوعية» مقارنة بجولات اللجنة السابقة.
وأضاف لافروف، نهاية شهر آذار الفائت، أنها المرة الأولى التي اُتفق فيها على أن يعقد رئيسا وفدي الحكومة والمعارضة لقاءً مباشرًا بينهما، موضحاً أن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، أبدى ترحيبه بهذا الاتفاق.
تعقيباً، اعتبر الباحث لدى مركز الحوار السوري محمد سالم أن هذه التسريبات تتسق وعقلية النظام السوري، وتدل على فشل الروس في تنفيذ أدنى درجات الضغط على النظام السوري، بعد حديث وزير الخارجية الروسي عن توقعات جيدة للجولة المقبلة، وحديث بعض الأوساط الروسية عن إمكانية تأجيل الانتخابات الرئاسية.
وحول عجز أو عدم رغبة الروس في تحريك العجلة السياسية والضغط على النظام السوري من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية من مسار الإصلاح الدستوري، وبالتالي استمرار انسداد أفق العملية السياسية، يبدو أن النظام السوري وفق رؤية المتحدث لـ«القدس العربي» يتعنت ويرفض الضغوط الروسية، «لأنها ليس ضغوطاً جدية حقيقية».
وأضاف «هناك احتمال أيضاً بأن الروس يحاولون إظهار تمايز موقفهم عن موقف النظام أمام المعارضة والدول الغربية وتركيا، ولكن الحقيقة أنهم موافقون تماماً على مضي النظام في الانتخابات الرئاسية والمماطلة في اللجنة الدستورية ومسارات الحل السياسي عموماً، وسواء كان الروس غير قادرين أو غير راغبين في الضغط على النظام، فالنتيجة واحدة».
وبطبيعة الحال فإن فشل العملية السياسية، يثبت أن مسار اللجنة الدستورية «عبثي لا طائل منه، فلا يمكن التوافق على أبسط القواعد المنهجية مع وفد النظام، فضلاً عن أن التوافق على دستور، واصرار النظام السوري والروس على شرعية الانتخابات يجعل من اللجنة الدستورية مجرد مسرحية تحاول الأطراف الدولية والأمم المتحدة من خلالها التنصل من مسؤوليتهم في إيجاد حل حقيقي للصراع بما يحقق مصلحة الشعب السوري، لأنهم يعلمون عدم استجابة النظام».
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال، في منتصف الشهر الفائت، إن أنقرة تعمل لعقد الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف خلال شهر نيسان. وجاء حديث جاويش أوغلو بعد تصريح مشابه أدلى به لافروف، ضمن مؤتمر صحافي، بشأن عقد محادثات الجولة السادسة من اللجنة الدستورية قبل رمضان.
إعادة تعويم الأسد
المحلل السياسي السوري «مازن موسى» أبدى اعتقاده أن موسكو وطهران ستمضيان في إعادة تعويم نظام الأسد كما هو حالياً من خلال الاستحقاق الانتخابي المقبل وستجعل موسكو مصير الأسد عرضة للتفاهم الأمريكي – الروسي بالدرجة الأولى عندما تحين ساعة الحل وتتوفر الإرادة والرغبة الدولية الجادة لإيقاف المأساة السورية ووضع نهاية للانهيار الذي يحصل والذي من الممكن أن تكون له أبعاد خطيرة على المنطقة بأسرها. وإزاء الموقف الروسي من هذه التسريبات، قال موسى لـ«القدس العربي» حتى الآن لا تزال موسكو تحمي نظام الأسد وتدافع عنه سياسياً وعسكرياً، وتعتمد على المراوغة السياسية لتحييد المعارضة الخارجية ودعم معارضة داخلية تحت أنظار الأسد، والتي تعتبر أقل تشدداً تجاه الموقف من شخص الأسد كمنصة موسكو وهيئة التنسيق وتحالف (جود) الذي ظهر مؤخرًا، حيث تعتبر موسكو أن تلك «المعارضات» أكثر واقعية بالنسبة لها.
يذكر أن موسكو لم تستطع ترجمة الانتصار العسكري الذي حققته مؤخراً إلى نصر سياسي، واصطدمت بالموقف (الأمريكي – الأوروبي) الذي لا يعترف بشرعية أي استحقاقات سياسية قبل البدء بتحقيق انتقال سياسي حقيقي وفق القرار الأممي 2254. وهذا انعكس وفقًا للمتحدث على الموقف الخليجي الذي خيب آمال لافروف بتحقيق أي مساعدة لنظام الأسد قبل تطبيق القرار الدولي 2254 والتوصل إلى حل سياسي عادل، ما جعل لافروف يبدي قلقه من احتمال انهيار الدولة السورية بسبب المقاطعة الدولية للدول الفاعلة والمؤثرة في الساحة السورية.
تزامناً، نشرت «الرئاسة السورية» بياناً عبر معرفاتها الرسمية، حول لقاء رئيس النظام السوري بمبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، وذكرت أن اللقاء ناقش «الشأن السياسي، حيث تم التأكيد على أن أي تقدم على المسار السياسي يتطلب التزاماً بالمبادئ الأساسية والثوابت التي يتمسك بها السوريون بخصوص مكافحة الإرهاب وحماية وحدة وسلامة الأراضي السورية والتي لا يملك أي طرف الحق في التنازل عنها».
الكاتب والإعلامي د. أحمد هواس، اعتبر أن أساس المفاوضات كان لخنق الثورة وإنقاذ نظام الأسد الذي سقط بالشرعية الثورية، وقال هواس «كان لا بدّ من صناعة معارضة تحيي هذا النظام، فكان لهم ذلك، وهذا لا يعود لعبقرية النظام القاتل ولا للتدخل الروسي ولا الإيراني بل للقرار الأمريكي الذي كان ومازال يمنع انتصار الثورة السورية، وعدم السماح بسقوط النظام».
وأضاف د.هواس لـ«القدس العربي»: «ما يجري الحديث عنه هو انتخابات رئاسية ستجري كما جرت مهزلة 2014 ووقتها كان النظام لا يسيطر إلا على 18 بالمئة من سوريا، وكانت طرطوس العاصمة الفعلية لإداراته ووزاراته ، ومع ذلك جرت ولم يتم الاعتراض الدولي عليها بأنّها غير شرعية، ولكن هذه المرّة يتم البحث عن إعادة انتاج النظام بتوافق ما يسمى المعارضة بعد أن كان الهدف هو القضاء على « الثوّار» حتى يتقدم المعارضون».
هذه الانتخابات وفق المتحدث «قد تجري تحت مراقبة الأمم المتحدة وإن حصل وسمح لبشار الأسد بخوضها فهي تؤكد شراكة ما يسمى المجتمع الدولي بالجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري، وهذه الخطوة التي ستخدع الكثيرين هي كلمة السرّ ليس بإعادة انتاج النظام بل بإعادة تأهيله دوليًا، وإسقاط الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وهذه رغبة أمريكا وإسرائيل، فالنظام قاتل ومازال عند أصحاب الشأن الفعليين».
المصدر: «القدس العربي»