منذ مطلع شهر مارس الحالي تحاول قوات “الفرقة الرابعة” التابعة لنظام الأسد بسط السيطرة العسكرية والأمنية على الريف الغربي لمدينة درعا جنوبي سوريا، وعلى الرغم من الحشود “غير المسبوقة” التي استقدمتها إلى المنطقة، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق الهدف الذي تسعى إليه حتى الآن.
فشل الانتشار وبسط السيطرة يرتبط بشكل أساسي بالهجمات والكمائن التي تعرضت لها هذه القوات، والتي تعرف داخل الأوساط المحلية السورية بأنها على ارتباط مباشر بالحليف الإيراني لنظام الأسد.
وحسب ما ذكرت مصادر عسكرية من ريف درعا الغربي في تصريحات لموقع “الحرة” فقد بلغ عدد الهجمات والكمائن التي تعرضت لها “الفرقة الرابعة”، منذ مطلع الشهر الحالي أربعة، كان أبرزها في 16 من مارس، حيث تعرض رتل عسكري لكمين مسلح، ما أسفر عن مقتل 24 عنصرا وإصابة آخرين.
تبع الاستهداف المذكور هجومين بالعبوات الناسفة وحادثة اغتيال في منطقتين بريف درعا الغربي، وأسفر عنهما مقتل أكثر من عشرة عناصر من “الفرقة الرابعة”، بيهم ضباط.
وتضيف المصادر أن ما سبق دفع القوات التي تتبع لنظام الأسد إلى استقدام تعزيزات عسكرية، بينها دبابات وآليات مدرعة، في ظل الحديث عن نيتها إطلاق حملة أمنية واسعة في المنطقة، في الأيام المقبلة. للقبض على من تصفهم بـ “المجموعات المسلحة”، والتي ماتزال هويتها غير معروفة.
“هدوء يقابله تصعيد”
يرفض النظام السوري حسب روايته الرسمية أن تكون الأوضاع في محافظة درعا جنوبي سوريا “متوترة وتثير القلق”.
وفي آخر تصريح لمحافظ المدينة، اللواء، مروان شربك، قال إن “الوضع في محافظة درعا هادئ وهو في تحسن، بعد عملية التصعيد التي قامت بها مؤخرا بعض العناصر الإرهابية”.
وأضاف شربك لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية: “هناك لجان مختصة في موضوع المصالحات تتابع عملها في هذا الموضوع، وبشكل متسارع في الريف ودرعا البلد، ولا يمكن الحكم على نتائج عملها حاليا”.
لكن وعلى النقيض مما أعلن النظام السوري في عدة مرات عن الهجمات التي تعرضت لها قوات “الفرقة الرابعة”، وقال إن المنفذين لها هم “مقاتلون لهم أجندات متشددة”.
ومنذ توقيع اتفاق “التسوية” عام 2018 لم تهدأ محافظة درعا، ولم تشهد أي استقرار.
وعلى العكس لم يخل مشهدها من عمليات اقتحام ومداهمات من قوات الأسد بين الفترة والأخرى، وإلى جانب ذلك برز على واجهتها قاتل “خفي” ما تزال هويته مجهولة، وأقدم على سلسلة من حوادث الاغتيال، طالت عسكريين من الطرفين (النظام، المعارضة) ومدنيين ونشطاء إعلاميين ومحليين.
خصوصية الريف الغربي
كان المرجو من اتفاق “التسوية” حين توقيعه فرض حالة من الاستقرار في المحافظة التي كانت أجزاء كبيرة منها خارجة عن سيطرة نظام الأسد، على أن يتبع ذلك تسوية أوضاع المطلوبين أمنيا، وإعادة الخدمات وإصلاح البنى التحتية.
لكن جميعها لم يطبّق على أرض الواقع، على خلفية عدة أسباب، أبرزها عدم التزام النظام السوري بأيٍ من المطالب، وخاصة الإفراج عن المعتقلين ووقف عمليات المداهمة والاقتحام.
اتفاق “التسوية” كان قد أوجد على الأرض وعقب التوقيع عليه قوة موالية لروسيا تسيطر على مساحة مهمة من ريف درعا الشرقي، لا يمكن لنظام الأسد دخولها، وهي مدينة بصرى الشام، الخاضعة لسيطرة اللواء الثامن المنضوي في “الفيلق الخامس”.
وأتاح الاتفاق أيضا لنظام الأسد الدخول بشكل جزئي إلى محيط درعا البلد وبعض المناطق في الريف الغربي، أي أن كلا المنطقتين، وغيرهما، ما زالتا خارج السيطرة المباشرة لقوات النظام عمليا.
والملاحظ منذ الفترة المذكورة التي شهدت توقيع الاتفاق أن مناطق الريف الغربي بات لها خصوصية عسكرية وأمنية مختلفة، ويراها المحلل العسكري، العميد إسماعيل أيوب ترتبط بـ “الاتفاق الموقع بين روسيا وأميركا وإسرائيل”.
ويقول أيوب في تصريحات لموقع “الحرة”: “هناك اتفاق بين الروس والأميركيين وإسرائيل أن تكون الميليشيات الإيرانية بعيدة أكثر من 80 كيلومترا عن حدود إسرائيل، وهو الأمر الذي لم يتم حتى الآن”.
ويرى الخبير العسكري أن إيران تحاول التوغل بلبوس “الفرقة الرابعة” في الريف الغربي لمدينة درعا، لكن من خلال “القوة الناعمة” وليس “الخشنة”، حسب تعبيره، مشيرا إلى أن “قرار السيطرة على المناطق الحدودية مع إسرائيل بيد روسيا أكثر من أي طرف آخر”.
من يقف وراء الاستهدافات؟
رغم توثيق جميع الحوادث التي تطال قوات “الفرقة الرابعة” غربي درعا، من قبل الجهات الحقوقية والمحلية، إلا أن الفاعل ما يزال “مجهولا” و”طليقا”، وتدور الاتهامات حوله في دائرة مغلقة.
فبينما تنسب الحوادث إلى خلايا ذات نفس معارض لنظام الأسد، يراها آخرون أنها ترتبط بخلايا تتبع لتنظيم “داعش”، والذي كان يسيطر على منطقة حوض اليرموك بشكل كامل في وقت سابق”. (حوض اليرموك يقع في أقصى الريف الغربي لدرعا).
وبوجهة نظر الخبير العسكري إسماعيل أيوب: “لا يستطيع أحد ربط الاستهدافات بالمسلحين أو من يسمون بالثوار سابقا”.
ويتابع: “هناك من يقول إن الاستهدافات تقوم بها بقايا الجيش الحر. قد يكون هناك أطرافا أخرى أيضا”.
ويستبعد أيوب أن تشهد محافظة درعا، وبالأخص الريف الغربي لها هدوء في المرحلة المقبلة، استنادا لعدة محددات، في مقدمتها الحالة الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطنون في المنطقة، وعدم التزام النظام السوري ببند الإفراج عن المعتقلين، إلى جانب محاولات الانتشار التي تسعى إليها الميليشيات الإيرانية.
“موقع استراتيجي”
بالعودة إلى الفترة الزمنية التي سبقت عام 2018 فقد تميزت العمليات العسكرية في الريف الغربي لدرعا من قبل قوات الأسد حينها بأنها استهدفت التلال الاستراتيجية الموجودة في المنطقة، والتي من شأن السيطرة عليها الإمساك بمفاصل الجنوب بشكل كامل، ومن أبرزها تل الحارة، تل الجابية، وتل الجموع.
لكن وبحسب الاتفاق المبرم، الذي تحدثت عنه وسائل إعلام إسرائيلية في ذلك الوقت لا توجد أي سيطرة بالمعنى العسكري لقوات الأسد على التلال، بل أدرجت ضمن “الوصاية الروسية” في المنطقة، كخطوة لمراقبة تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار على الحدود الفاصلة بين الجولان المحتل والقنيطرة.
ونص الاتفاق على إنشاء منطقة عازلة ثلاثية الشريط بطول 80 كيلومترا، على أن يكون القطاع الأول بعرض عشرة كيلومترات، وبمساحة 235 كيلومترا مربعا، ويمتد على الجانب السوري من حدود الجولان يعمل فيه مراقبو “أندوف” والشرطة العسكرية الروسية.
أما القطاع الثاني فتحتفظ فيه قوات الأسد بـ 350 دبابة وثلاثة آلاف جندي بسلاح خفيف، والقطاع الثالث بـ 650 دبابة و4500 جندي وسلاح خفيف، إضافة إلى مدافع محدودة العدد وبمدى محدد لا يتجاوز المرحلة الأولى.
المصدر: الحرة. نت