في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 31 يناير /كانون ثاني 2021قال المسؤول الأممي الأميركي السابق جيفري فيلتمان ” أن السياسة الأميركية في سورية لإدارتي أوباما وترامب فشلت في تحقيق نتائج ملموسة إزاء أهداف واشنطن باستثناء هزيمة داعش، داعيًا إلى اختيار مقاربة جديدة تقوم على إجبار نظام الأسد باتخاذ خطوات ملموسة محددة وشفافة لا يمكن العودة عنها في شأن الإصلاح السياسي، لكنه شكك في استجابة النظام لإنجاح ذلك”. وقال ” إن الوضع الاقتصادي الجديد في سورية سيهدد النظام أكثر من الانتفاضة التي قامت ضده منذ عشر سنوات “.
لا شك بأن أهداف أميركا في سورية تختلف جذريًا عن أهداف الشعب السوري منذ بداية اهتمام أميركا في سورية منذ خمسينات القرن الماضي عند طرح مشروع أيزنهاور لملء الفراغ ورفضه من قبل سورية، فلم تكن أميركا في تاريخها كله تعمل لتحقيق مصلحة الشعوب هي دائمًا في صف الأنظمة القمعية ضد شعوبها، وطلب فيلتمان من الإدارة الحالية مقاربة جديدة للملف السوري وهو يعلم أيضًا أن سورية ليست في أولويات هذه الإدارة. هو نوع من استمرار التضليل الأميركي المستمر حيال ما يجري في سورية، خصوصًا وأن روبرت فورد السفير الأميركي السابق في سورية طلع علينا بمقال يقول فيه أن الإدارات الأميركية فشلت في فهم الوضع السوري لذلك فشلت في إيجاد حل له، وهذا أيضًا إمعان في التضليل والتزييف، فليس صحيحًا أن الأميركان لم يفهموا الوضع السوري وهم الذين كانوا مع كل خطوة يخطوها النظام منذ عام 1970بتدخلاته الخارجية وقمعه الداخلي وعلاقاته مع جواره ومع العالم. وللتخلص من هذا الملف لجأت أميركا لتسليم الملف السوري لروسيا وبالتبعية لإيران، ومع نجاحهما عسكريًا تحت نظر راعيهما، فهذا يبدو غير ممكن على الصعيد السياسي ولن يصل بسورية إلى حل أزماتها لحاجتهما بالرجوع إلى الراعي الأساسي /ويبدو أن هذا الراعي الأميركي أصلًا لم يصل إلى الآن للصيغة التي يرضى عنها لحل هذه المعضلة، فتدخله المباشر في شمال وشرق سورية واستيلائه مع حلفائه من الانفصاليين الأكراد على ثلاث محافظات هي المنتجة الأساسية، لم توصله إلى استقرار الأمر له هناك ليفرض الحل الذي سيقوم أساسًا على تمزيق سورية أو على الأقل لتسليم جزء كبير منها لحلفائه الأكراد الذين يمارسون نفس ممارسات النظام من حيث الاستبداد والفساد والتغير الديمغرافي ضد السكان وأصحاب الأرض الحقيقيين، وإذا كان النظام يهرب بأموال البلد وثرواته إلى روسيا وسويسرا ولبنان فالمصيبة أن ما يسمى الإدارة الذاتية تهرب بأموال هذه المناطق المستولى عليها إلى جبال قنديل.
إن قول فيلتمان بأن الوضع الاقتصادي الجديد أخطر على النظام من الانتفاضة هو كما قلنا زيادة في التضليل، فهذه الدول لا يهمها معاناة شعوبها، فأميركا تفرض عقوبات صارمة منذ ستينات القرن الماضي على كثير من الدول مثل كوبا وكوريا الشمالية وبعدها إيران وفنزويلا ولم تحدث فارقًا للنظام رغم المعاناة القاسية لتلك الشعوب التي لا تهتم له أميركا. فالجزء الأكبر من معاناة شعبنا تعود لسوء إدارة وفساد الحكم في سورية لأنه بجانب المعاناة الكبيرة التي يعانيها السوريين، نجد أن حيتان الفساد تكبر وتنمو ولا تلتفت لعقوبات أميركا التي تتبجح بها وتعتبرها السلاح الأمضى ضد النظام، فمن خلالها وبسببها وبسبب الطرق الملتوية للتهرب منها التي أجادها النظام تنمو هذه الحيتان وتكبر على حساب لقمة العيش التي حرم منها الشعب السوري.
إن ما يهم أميركا حاليًا في سورية هو أمن إسرائيل، ولو أن النظام حافظ على هذا الأمن منذ عام 1974، إلاّ أن هذ الكيان يطلب المزيد والمزيد. ورأيه بما يحدث في سورية هو الفيصل عند الإدارة الأميركية، وما لعبة اللجنة الدستورية التي ابتدعها روسيا كما ابتدعت مسارات أستانا وسوتشي لتلغي مسار جنيف الأممي الذي أنتج قرارًا دوليًا يبدأ بعملية سياسية تفضي إلى مرحلة انتقالية تحاول روسيا وبدعم أميركي من تحت الطاولة إلى إلغائها لصالح تعويم النظام.
روسيا تريد بقاء النظام فهو طريقها لولوج عالم جديد طالما عملت له منذ الاتحاد السوفييتي وهو الوصول إلى المياه الدافئة وقد وصلت، وأميركا تريد لعملائها في شرق الفرات الاستمرار والاستقرار بأدوات جبال قنديل الغريبة على سورية وشعبها، ومصلحة الشعب السوري ليس هذا ولا ذاك…فمصلحة شعبنا هي في إقامة دولة وطنية ديمقراطية موحدة وهو قادر على إعادتها أقوى من قبل عندما ترتفع عنه أيادي المحتلين الروس والأميركان والإيرانيين وأذنابهم.
المصدر: اشراق