تتعقد الأزمة السياسية في لبنان ويتوقع لها أن تطول الى أن تحدث تطورات إقليمية ودولية تجعل قوى السلطة في لبنان تفك أسر الحكومة وتجترح تسوية توقف الانهيار أو تخفف من انحداره الذي يطيح بكل شيء. اللافت أن العهد أو رئاسة الجمهورية، يتصرف على قاعدة أن لا تشكيل حكومياً في المدى القريب برئاسة سعد الحريري، فيعمل الرئيس ميشال عون على تثبيت أعراف وتقاليد تبدأ بمحاولة تفعيل حكومة تصريف الأعمال، ثم تكثيف اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع لاتخاذ قرارات مفصلية في البلاد وكأنه حلقة بديلة عن الحكومة، طالما لم تنجح الضغوط في إخراج الرئيس المكلف ودفعه إلى الاعتذار.
تبدو المسألة الأكثر خطورة في لبنان اليوم متمثلة بغياب معالم الدولة، إذ لا مرجعية تفصل في الأمور الأساسية في البلاد باستثناء تسيير الأعمال، فيما يبحث رئيس الجمهورية عن شخصية بديلة للحريري يسعى إلى تقديمها على أنها تسووية وتلبي الشروط الدولية، وهو لا يخفي أمام زواره رفضه للحريري، فيما ينزلق البلد أكثر نحو الانهيار وتزيد العزلة العربية والدولية للسلطة وللعهد تحديداً بتحالفه مع “حزب الله”، وهما اليوم متهمان بإسقاط المبادرة الفرنسية التي كانت تشكل فسحة أمل لإعادة إطلاق المؤسسات في لبنان وأولها تشكيل حكومة قادرة على السير بالإصلاحات.
وعلى رغم سلسلة اللقاءات التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون مع عدد من السفراء، خصوصاً السفير السعودي والسفيرتين الأميركية والفرنسية، فإن مباحثاته لم تنجح في فك العزلة وتبرئة نفسه من الاستعصاء الذي رفعه في الملف الحكومي، ولا توفير الدعم لحركته السياسية وشروطه التي تقوم على الثلث المعطل وتمنع التقدم في تشكيل حكومة إنقاذ إصلاحية حقيقية تعيد العلاقات مع الدول العربية وتؤمن المساعدات المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار. لذا بقيت التعقيدات ماثلة أمام محاولات فك عزلته من طريق لقاءاته الدبلوماسية، فيما الأمور قد تذهب الى مزيد من الحصار بعد الشروط التي رفعها أيضاً “حزب الله” عبر أمينه العام السيد حسن نصرالله دعماً لعون وهي تتصل في جزء كبير منها بالتشدد الإيراني في عدد من ملفات المنطقة وبينها لبنان واليمن والعراق.
الخطر الذي يواجهه لبنان خلال المرحلة المقبلة، إضافة الى أزماته المالية والاقتصادية، والانقسام السياسي والطائفي، هو استمرار الفراغ في مؤسساته وغياب الدولة كمرجعية اساسية حيث تسود الفوضى وايضاً الفلتان بلا رادع، وتتصرف القوى السياسية والطائفية وكأنها الحكم والإدارة بإخضاع مناطقها وتسيير أمورها بديلاً من الدولة. أما الجانب الذي يتخوف منه الجميع، فهو احتمال صدور عقوبات أوروبية وعربية على عدد من المسؤولين والشخصيات وهو الذي لمّح إليه في وقت سابق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
وعلى وقع الفوضى في غياب الحكومة التي يتحمل مسؤولية تعطيل تشكيلها، العهد بالدرجة الأولى، بدأت قوى سياسية وطائفية بترتيب أوضاعها الذاتية في مناطقها وضمن بيئاتها متوقعه امتداد الأزمة الحكومية والمزيد من العزل والعقوبات، فيعمل “حزب الله” للتكيف مع الأمر الواقع في الوقت الذي يستمر فيه بتدخلاته في سوريا وفي عدد من الدول ملتزماً قرار مرجعيته الإيرانية، فيسعى إلى تعزيز وضع بيئته ومحاولة تأمين مساعدات من الخارج، كانت بوادرها العلنية مع صهاريج المحروقات الإيرانية التي تسلمها في مناطقه التي يسيطر عليها، علماً أن البيئة الحاضنة ليست قواه العسكرية التي تتلقى رواتب بالدولار وهو أمر اعترف به نصرالله أكثر من مرة في خطاباته.
الأزمة لا تقف عند حدود قوى معينة في البلد، فهي تطاول التحالف الممسك اليوم بالقرار وبالسلطة والذي يعزل بالبلد بسياساته، أي رئيس الجمهورية ميشال عون و”تياره الوطني الحر” و”حزب الله”، فهو تعرض أيضاً لنكسات في داره بعد رفض رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب تفعيل حكومته، حين دعاه نصرالله لذلك، ورفضه ينطلق من حسابات لها علاقة ببيئة السنّية السياسية وبموقع رئاسة الحكومة، وذلك على الرغم من أن دياب جاء بوصاية سياسية من محور المقاومة، لكن الأمور تغيرت اليوم وهو لا يريد أيضاً تحمّل مسؤولية الإنهيار. لكن البديل يبدو جاهزاً في ظل الفراغ، عبر إعطاء دور للمجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه ميشال عون في مهمات متعددة، خصوصاً في مجال الأمن والإمساك بالبلد من هذه الزاوية، وذلك بعدما جرى ضرب الانتفاضة وتفكيكها، فيما كل هذه الممارسات والسياسات وفي مقدمها تشكيل الحكومة تعني انقلاباً على الصيغة وعلى اتفاق الطائف وفرض أمر واقع قد يزيد من الإنهيار ولا يؤمن الحد الأدنى من الاستقرار.
المصدر: النهار العربي