أمّاه يا حبق المساكبِ

ابتسام الصمادي

يا من رأى
أمي التي ابتكرت لنا
بيتاً جديداً ‏، ليس من
حجر وطين
بل أخرجت ـ لتلمّنا ـ الرِحم الذي ‏
قد ضمّنا
‏ليصير بيتاً من حنين… ‏
فإذا رأيتم أنني
أصبحتُ قاحلةً كجرف في الرماد ‏
وجزيرةً ملساء يضربها البُعاد
وبأنني ما عُدت أصلحُ للنهارِ ‏، وللطيورِ ‏، وللبلادْ ‏
وإذا عذرتم غربة الأشجار والأزهار والماء الفراتْ ‏
فلتعذروا عشب المعاني واللغاتْ ‏
إذ إنها أمي التي غابتْ ‏
وغار الماء في نسغ الحياةْ.‏

‏***********************

ما عاد يروي شُحَّ قلبي، ذلك النبع المُحيّا ‏
سبحان من أطراه في بال التدفق جاعلاً ‏
من وجهها الرقراقِ سرَّ الماء حيّا ‏

‏**************************

…لملموها يا أُخياتي معي ‏
ساعدوني كي أُرجّعها إلى ذاك الإناء ‏
أو أحتوي طير الهباء ‏

*************

إني كُسرتُ، وانهزمتُ أيها الموت المخيف ‏
كلُّ الفجائع لم تؤثر فيك كي تغدو رئيف؟! ‏
كم عائش فينا وتطويه عن الأبصارِ طيّا؟! ‏
كم ميّتٍ تبقيه فوق الأرض حيّا؟! ‏

************************

أمي ويا مجرى النَفَسْ ‏
من دون حسّكِ كيف أسمعُ أو أشاهدُ أو أُحسّ؟! ‏
ها قد هبطتُ الآن في جوف السديمْ ‏
كانت يداها ‏
تحتويني وسعَ يخضور النعيم ‏
كانت منارة لهفتي ـ يا ناسُ ـ في بحر الرهافة ‏
كلُّ النساء تحبُّ أن تُطرى بما ‏
قال الجمالُ أو الرشاقة واللطافة ‏
إلاكِ يا أمي بما
تهذين من هَوَس النظافة.. ‏

**************************‏

لا بالغذاء و بالمواد وبالنضارة تطبخينْ ‏
بل بالمشاعر و الحنين
منها تغذينا ومن ‏
تلك العناصر كنت دوماً تنهلين ‏
فبقيت يا أمي على مرّ الزمن ‏
قلباً يذوب ولا يئنْ ‏
وتحدّثين الهاتف الغافي ‏
فنسمعُ صوتك الدافي … يرنّْ ‏
وترتّبين الدِمعَ في صمت الغُرفْ ‏
وتخللين العزّ نأكله ترف ‏
وتُتبلين الصدق مع تقوى الألق ‏
لنذوق يا أماه أشهى ما خلق ‏
لم تستطيعِي أن تُقّري ‏
كم قطعنا العمرَ غفله ‏
فلقد كبرنا ‏
نحن والأطفال يا أمي، وأنتِ بقيتِ طفله ‏

‏**************************

يا ليتني صخرٌ وعيني من حجر ‏
مرّي عليّ خلسةً يا عبلُ إني انتظر ‏
هل تسمعين أيا حنونة يا أُخيّه ‏
مُدّي يديك فُوقَ ظلي ‏
إنها
مُدني الشقيّة ‏
أرخي جفونك فوق وجدي ،‏
سيجيني من هجوم الوقت ضدي ‏،
من نضوب الماءِ فيَّ ‏
من قال (أمي) يا هنيئاً كم له ‏
بالعمر أن يبقى فتيّا ‏
من قال (أمي) يا قرير العين يغفو ‏
ضامناً حضناً هنيّا ‏
من قال (أمي) يا طويل العمر لا ينقصه شيّا ‏

‏************************
كم كان يأسرني هدوؤك والسكينة والرويّة ‏
والخلوةُ الروحيَّة العلياءُ في النفس الرضية ‏
فيروزُ ،
والدأب الحنون وأنتِ تنتظرين أن ‏
نأتي سوَيّا ‏

‏*************************

من أينَ جئتِ بأبيض النسرين فوق الدمعتين؟! ‏
والزعتر المزروع في بلد اليدين؟! ‏
والزيزفون يهرّ عزاً من أعالي المرفقين؟! ‏
والأصفر الوزّال أعني حزنك الشفّاف ‏
والزوفى تفوحْ ؟!
و البيلسان على تخوم الذاتِ أو فوق الجروح ‏؟!
أمّاه يا حبق المساكبِ، نسمة الطيّونِ في كل السفوح ‏
يا أرزةً في الثلجِ ، يا حزن القصب ‏
يا كَرمَةَ الأزمات، حارسةَ التعب ‏
كيف انهزمتِ ـ كما البلاد ـ أيا احتياطيَّ الذهب؟! ‏
كيف انهدمتِ وغار في الروح اللجين؟! ‏
يا قلعة من موطنين ‏
ها قد أتاكِ من أقاصي الماسِ دمع المقلتين ‏
ومن المآذن شهقة الفجر الحزين ‏
لبنان طيّر من روائعه السنين
والشامُ حَمّلَتِ الحمائم والتمائم والنسائم ياسمين ‏
روحُ الحريرِ، بياض أنسجة اليقين ‏
جاءت تكفّنُ قطعة الطيفِ الأليف
‏بل زهرةَ القطن الرهيف ‏
بالله أمي أينَ بعد العزِّ هذا تدفنين؟؟! ‏

‏*********************************

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى