لا بد من خطة أميركية شاملة لسورية

أيمن عبد النور

دعونا نتخيل سورية ليس كدولة ممزقة بالحرب، لكن كقطار يتدحرج على مسارات مدمرة باتجاه النيران. وبحسب الأمم المتحدة، فإن سائق هذا القطار المعترف به رسمياً لا يزال بشار الأسد، لكن كل عربة تتأرجح خلفه مليئة بمجموعة كبيرة من المشاكل الخاصة بها. وعلى مدى العقد الماضي من الصراع، زادت العربات التي يجرها باطراد مع تقدم عمر الصراع، وكل عربة لها خصوصيتها من قبل الفاعلين والمؤثرين المحليين والإقليميين والدوليين، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية والحساسيات الدينية.

لا يمكن النظر إلى سوريا بعين واحدة واختزالها بأنها فوضى واحدة ضخمة، فكل عربة من هذه العربات تتطلب رؤية خاصة بها لحلها، وبالتالي فالحل الكلي هو مجموعة متعددة من حلول مختلفة كلياً؛ إذ إن الوضع في سوريا شديد العمق. فهي ليست فقط حرباً بالوكالة بين قوى خارجية تتنافس على أجنداتها، بل هي حرب لاعبين محليين وإقليميين يتنافسون على السلطة والمكاسب. ويمكننا أيضاً إضافة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة ووباء «كوفيد – 19» كعربة أخرى يجب مواجهة تحدياتها.

كما هو واضح تتطلب كل عربة – نظراً لاختلاف الظروف التي مرت بها واختلاف المحن والفاعلين – نهجاً مختلفاً واستراتيجية مختلفة وفريقاً منفصلاً لحل المشكلات مرتبطاً بجدول زمني خاص لكل عربة. علاوة على ذلك، تحتاج كل عربة لاعبين وممثلين مختلفين من دول أجنبية للجلوس على طاولة القرار الخاصة بها.

باختصار، لن تؤدي استراتيجية شاملة واحدة لسوريا إلى حل كل مشاكلها. لكن ربما ما لا يخبره المستشارون وصناع السياسة للرئيس جو بايدن بأن هناك عدداً كبيراً من الحراك الشعبي يدعم مشاركة الولايات المتحدة بطريقة إيجابية في كل من المجالات الرئيسية. هؤلاء هم مجموعات من المدنيين لا يحملون السلاح. هم مستقلون في تفكيرهم وليسوا مقتنعين بسردية النظام أو «هيئة تحرير الشام» أو الأكراد أو أي خط متسلط آخر.

كل يوم، أتواصل مع مئات الأفراد في هذه المناطق من المستعدين والراغبين في التعاون مع واشنطن لتقوم باتخاذ خطوات للحل؛ مما سيسهل هذه المهمة إلى حد كبير، ومن أهم ما يريده هؤلاء الأشخاص هو مستقبل مستقر وتعليم أفضل – فهم يريدون مدارس ومعاهد وفق أساليب التدريس الأميركية، وذلك في سعيهم لضمان مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.

ما هي الخطوة الأولى؟

سيستمر القطار في الانزلاق إلى الهاوية إذا لم نغير السائق (بشار الأسد) فكل تلك العربات لن تصل إلى المحطة الصحيحة أبداً. يمكن أن يحدث هذا بسهولة، إذا وافقت عليه الولايات المتحدة وروسيا. إذ يمكن للبلدين التعاون للمساعدة في تشكيل إدارة وهيئة حكم انتقالي، كالنموذج الذي حصل في السودان. طبعاً هذا القرار، لن يغير هذا الاضطراب داخل العربات، لكنه سيقلل السرعة ويضبط المسارات.

ثانياً، تحتاج واشنطن إلى تعيين مبعوث خاص لسوريا كما فعلت مع إيران واليمن. ولديّ ثقة كاملة بالوزير أنتوني بلينكن في قلبه وعقله للقيام بالشيء الصحيح باتجاه سوريا. سيشكل المبعوث فرقاً للتعامل الجزئي مع المناطق المختلفة في سوريا، بموظفين وميزانيات وأهداف مختلفة، ويجب أن تشمل تلك الفرق ممثلين من الحراك الشعبي على الأرض؛ إذ يجب ألا ننسى أصواتهم.

سيعمل فريق آخر على المستوى الكلي لدفع الحكومة الانتقالية في سوريا للإعداد لانتخابات حرة ونزيهة، بالإضافة إلى المهمة الضخمة لإعادة الإعمار – والتي يمكن وينبغي أن تعود بالفائدة على الشركات الأميركية. كما يجب إلغاء التقييد والعقوبات المتعلقة بقطاع (الطاقة – إعادة الإعمار). ومن أجل تسريع رفعها والالتزام بتصريحات المسؤولين الأميركيين بأن سوريا يجب ألا تتصرف بعدائية تجاه جيرانها، ويجب تسوية المناطق الجنوبية الغربية بمشاركة إسرائيل.

نريد الاستفادة من المشروع الكبير لإعادة الإعمار في سوريا، وحل الصراع السوري – الإسرائيلي بسرعة بإنهاء الاحتلال وتوقيع اتفاق سلام؛ حتى نتمكن من تضمين مرتفعات الجولان في هذا المشروع الضخم لتكون واحة تكنولوجية وخدماتية لجميع دول المنطقة.

ومن الضروري أيضاً تغيير نموذج المحافظات المعتمد حالياً إلى «ولايات»؛ مما يتيح لحكام تلك الولايات المنتخبين صلاحيات كبيرة للعمل على خطط التنمية الاستراتيجية مع أي دولة ستمول وتنفذ الكثير من المشاريع بتلك الولاية، سواء كانت من دول الخليج أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو اليابان أو تركيا. لإيران فرصة للعب دور اقتصادي وليس عسكرياً أو سياسياً بعد إخراج ميليشياتها. كما لروسيا دور إذا دعمت الحل.

هذا النهج المتعدد الأوجه سيمهد الطريق للسوريين من العمالة الماهرة للعودة إلى وطنهم بأمان وضمان تلبية احتياجاتهم للاستقرار. وهذه الخطة هي أيضاً في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة؛ إذ لن يكون لـ«داعش» أي مجتمعات مضيفة مما سيساهم بانحساره – كما سيفقد «حزب الله» أوراق الطرنيب الخاصة به، وسيكون للولايات المتحدة نفوذ إضافي في محادثات إيران المستقبلية، بالنظر إلى تضاؤل وجود طهران في سوريا.

بصفتنا سوريين، ندعو الرئيس بايدن إلى تنفيذ هذه الخطة لإنهاء هذه المعاناة التي استمرت عشر سنوات، التي فقد فيها ما لا يقل عن مليون شخص حياتهم، ومنهم من قتل تحت التعذيب في المعتقلات. هذا لا يجب أن يستمر. وكأعضاء في المغتربات، وخاصة الذين في الولايات المتحدة، نحن هنا لدعمكم. ويمكنني أن أؤكد لكم أن هؤلاء السوريين على الأرض ينتظرون بفارغ الصبر هذه اللحظة. هذه هي سوريا الجديدة – سلمية ومزدهرة – ويمكنك أن تقود الطريق.

 

المصدر: الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى