إندبندنت: حملات التضليل الروسية في سوريا شكّلت العالم وأثّرت على حركات اليمين المتطرف

إبراهيم درويش

هل هناك إمكانية لرسم خط بين الهجمات الكيماوية في سوريا والرعاع الذين هاجموا مبنى الكابيتول هيل في واشنطن؟ نعم، كما يقول الكاتب في صحيفة “إندبندنت” بورزو دارغاهي، حيث يرى أن الجامع بينهما هو “الأخبار المزيفة” وحملات التضليل الإعلامي.

فقبل عشرة أعوام خرج المتظاهرون السوريون إلى الشوارع في تجمعات سلمية مطالبة بالإصلاح والمعاملة الإنسانية من نظام بشار الأسد. ولكنهم دفعوا ثمنا لا يمكن تخيله، وتم تدمير بلدهم ومحو مجتمعاتهم العزيزة عليهم، وفقدوا أحبابهم بأعداد كبيرة، حوالي 594 ألفاً بمن فيهم الأطفال. وتم تشريد نصف السكان منهم ستة ملايين نزحوا إلى الخارج.

ولكن العالم أيضا دفع ثمن الحرب الأهلية السورية؛ لأنه تركها تتكشف أمام ناظريه. فآلة الأكاذيب التي غذت النزاع والورقة البيضاء التي أعطيت لرعاة الأسد الأجانب ومن ساعدوه في الغرب أعادت تشكيل العالم.

وفي الحقيقة يمكن للواحد أن يربط بين الغارات الكيماوية التي ضربت الغوطة الشرقية قرب دمشق في 2013، والأعداد من الأمريكيين الفاشيين الذين اقتحموا الكونغرس في 6 كانون الثاني/ يناير.

ولا يزال السوريون يحنّون للتغيير الديمقراطي الذي دفع بالانتفاضة ضد الأسد. وفي الأسبوع الماضي قام عدد من أبناء درعا في جنوب سوريا بتنظيم تظاهرة سلمية ضد النظام ورفعوا الشعارات المعادية له. وفي درعا عام 2011 قامت مجموعة من الأطفال بكتابة شعارات معادية للأسد حيث تم اختطافهم وتعذيبهم، وحتى طلب من عائلاتهم نسيانهم والتفكير بإنجاب غيرهم، لكن المعاملة الوحشية كانت وراء الاحتجاجات في درعا والتي انتشرت في معظم أنحاء البلاد.

وكان المتظاهرون من كل طبقات المجتمع، الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة والمتعلمين والطبقة العاملة، المسلمين والمسيحيين وأبناء الطائفة العلوية، وكلهم طالبوا النظام بطريقة سلمية بالإصلاح، لكن النظام رد بعنف وفتح النيران على المتظاهرين واعتقلهم وعذبهم وظهرت صور التعذيب والأجساد المنهكة من الجوع لاحقا وتداولتها منظمات حقوق الإنسان التي قامت بتوثيق أبشع جرائم ارتكبت ضد الإنسانية.

وعلى خلاف الثورات في تونس ومصر والبحرين، لم يتهم الغرب بالثورة السورية، بل نظر إليها دعاة المقاومة في الغرب للإمبريالية الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نظرة لامبالاة. وتحول هؤلاء إلى حلفاء راضين وقبلوا أكاذيب الأسد حول طبيعة الثورة وردة فعل أجهزته الأمنية. وانضم إليهم في جهودهم حزب الله وإيران اللذين كانا يريدان نظام الأسد كمعبر للأسلحة إلى منطقة المشرق وتقوية موقفهما.

وحملت المعارضة السلاح في النهاية، وانضم إليهم جهاديون أطلق بعضهم الأسد من سجونه. ومن هنا أعطى الغموض حول الخطأ والصواب في سوريا الأسد حساً بأنه فوق المحاسبة. وزاد من عنفه واستهدف المستشفيات والعمارات السكنية والمدارس وأطلق حمم النيران والبراميل المتفجرة. واجتاز الأسد خط باراك أوباما الأحمر في آب/ أغسطس 2013 بشأن استخدام السلاح الكيماوي ولم تتم معاقبته. وكانت بريطانيا وأمريكا تخططان للتدخل، لكن روسيا راعية الأسد استطاعت تأمين مخرج له.

وتم إغراق العالم في حرب تضليل حول أصول الحرب السورية لمدة عامين، وتم قبول الرواية هذه برضا. ووجدت روسيا بابا مفتوحا ودفعته، وقامت بحملة تضليل فاعلة سمحت للنظام وحلفائه بتجاهل قواعد الحرب وأعطت طائرات الميغ الروسية والميليشيات الشيعية الفرصة لسحق المعارضة. لكن الحرب السورية واحتواءها كانت نذيرا لمرحلة ما بعد الحقيقة التي جاءت لاحقا.

وفي 2014 وبعد عام على الهجمات الكيماوية التي قتل فيها 1729 شخصا، استخدم الكرملين نفس التوليفة من العنف وحملات التضليل على منصات التواصل لغزو وتقطيع أوصال أوكرانيا وضم قطع قطعة كبيرة منها. وتم استخدام الحيلة نفسها، حيث أدى تدخل اليمين المتطرف المستلهم من روسيا وسذاجة اليسار إلى إجبار بريطانيا التي صوتت وبهامش ضيق لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

واستخدمت روسيا وجماعات اليمين المتطرف هروب السوريين من الغارات الجوية وفرق الموت والهجمات الروسية نحو أوروبا وتصوير اللاجئين الذين جرحتهم الحرب بأنهم مثل مصاصي الدم الذين يتدفقون على القارة. وأدت الحملة الدعائية التي نشرها الكرملين وقبلها اليمين المتطرف حول العالم إلى زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين والمسلمين.

ولم يتوقف أثر الدومينو عند هذا الحد، فقد شجع السم الذي خمرته جماعات اليمين المتطرف التي دعمتها روسيا وما تطلق على نفسها الجماعات اليسارية، الناخب الأمريكي على البقاء في البيوت أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستين مما سمح لدونالد ترامب الفوز بالانتخابات.

ولم تتردد روسيا ومن معها من الداعمين عن المحاولة، فقد قالت إدارة الأمن القومي الأمريكية إن موسكو حاولت التدخل في انتخابات 2020.

وفي الحقيقة لو تتبعت ناشري التضليل الإعلامي، فستجد أن الأصوات التي زعمت أن الأسد لم يستخدم السلاح الكيماوي هي نفسها التي عبّرت عن هوسها برسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية وكمبيوتر هانتر بايدن. ومع فوز بايدن في 2020، فقد أصبح عالم ما بعد الحقيقة الذي شكّلته روسيا قائما بذاته، مما سمح للعصاة المهووسين الذين اعتقدوا أن بايدن سرق أكثر انتخابات شفافية في العالم، وأن ترامب هو بطل يخوض معركة ضد حلقة من أكلة لحوم الأطفال الذين يحبون انتهاكهم للهجوم على الكونغرس.

ومع أنه لا يوجد دليل عن سرقة بايدن الانتخابات، أو أن حركة “كيو أنون” ونظرية المؤامرة الحمقاء التي تنشر عن عالم تديره مجموعة من منتهكي الأطفال، وأنها نتاج لحملة تضليل دعمتها روسيا وسمحت للأسد بالإفلات من العقاب وفوز ترامب بنسبة ضئيلة.  لكن ليس هناك شك أن المجانين الذين اقتحموا الكابيتول هيل بداية العام الماضي تشكلوا عبر نفس حملات التضليل التي تجذرت في الحرب السورية.

 

المصدر: “القدس العربي”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى