عبر تفاعل ملفت عمت الدعوات والمبادرات لإحياء مميز للذكرى العاشرة للثورة السورية، فشكلت غرف على وسائل التواصل الاجتماعي لتحفيز الهمم وتبادل الأفكار وإطلاق المبادرات والهاشتاكات المنوعة، فاجتمعت التنسيقيات فيزيائيًا لتوسيع المشاركة وتحديد النشاطات والمواعيد، لقاءات سياسية، وجاهية نقابية، تحضيرات لوجستية، انتشار لأعلام الثورة، كتابات، رسوم وتزيينات، وقفات، مظاهرات أولية أقيمت في أكثر من نقطة في الشمال السوري والخارج، واهتمام اعلامي واضح، تحرك واسع لنشطاء ووجوه وسياسيين لاستنهاض وتفعيل الحاضنة الشعبية، مطالب وشعارات قديمة جديدة رفعت في هذه المناسبة يمكن تقسيمها الى محاور ثلاثة، أولًا: باتجاه النظام برفض ترشح رئيسه لولاية جديدة وتجريمه بالإبقاء على المعتقلين في السجون، القتل تحت التعذيب، التعديات على المناطق المحررة، التأكيد على محاسبته مع مجرميه. ثانيًا: باتجاه القوى الدولية المؤثرة حيث تركزت النداءات بدعوة تلك الدول للتوقف عن سياسة المماطلة والتفاهمات المطيلة لآلام السوريين وحثها على معالجة أسباب القضية لا التأقلم مع آثارها الكارثية والعمل الجاد لتطبيق القرار ٢٢٥٤ والدخول المباشر بالعملية الانتقالية وتوفير بيئة آمنة بالإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين. ثالثًا: باتجاه القوى المتصدرة باسم الثورة بمسمياتها المختلفة مدنية عسكرية والطلب منها جميعًا القيام بعمليات إصلاح وتوحيد حقيقية لمصلحة الثورة وأهلها، لتمر الذكرى والتحركات والمطالبات الشعبية في تصاعد متنام تعبيرًا عن رغبة السوريين للخلاص من الواقع المأساوي الذي أوصلهم إليه الطاغية الأسدي وداعميه، ففي الشمال السوري والمهجر مازال السوري يعاني من آثار الحرب التي شنها النظام الطائفي على ثورته وما نتج عنها من ضحايا، أيتام، أرامل، مقعدين مهجرين وتمزق للأسر وما صاحبها من فقر ودمار وضعف في الصحة، التعليم، الخدمات، البطالة، فقدان الأمن، في ظل فشل قوى الثورة والمعارضة من إنتاج مؤسسات تمثيلية ومتخصصة حقيقية فاعلة، أما في الداخل السوري وتحت سيطرة النظام فرغم زهوه “بانتصاراته “وتكرار محاولاته الفاشلة لتعويم رأسه باستعراضات إعلامية تجميلية وقرارات مافيوية لجمع الأموال ولسد العجز، حيث ما فتئت تداعيات حربه تفعل فعلها مع تواجد الاحتلالين الروسي والإيراني وسعيهما لتوسيع سيطرتهما على الدولة والمرافق الرئيسية والنفاذ للنسيج الاجتماعي لكسب ولائه، مع تزايد مقدمات تنذر بانهيار اقتصادي شامل حيث تتراجع قيمة الليرة كل يوم يرافقها قلة للمواد الرئيسية، غلاء فاحش للأسعار، انتشار واسع للفقر، البطالة، العنوسة، السرقات، الجريمة، الدعارة، الانتحار، شلل كبير في التعاملات التجارية والمهن مع بروز مظاهر وصرخات تململ عام، وفي الجزيرة السورية حيث التواجد الأميركي الداعم لقسد واجهة حزب العمال الكردستاني وريثة الداعشية في السيطرة على المدن والقرى وموارد النفط، الغاز، المياه، المحاصيل الاستراتيجية، فبعد التواطؤ الغادر مع النظام الأسدي وضرب قوى الثورة السورية العربية والكردية والآشورية والقيام بالعديد من المجازر والانتهاكات وعمليات هدم لبعض القرى والتطهير العرقي فإنها تتابع سياستها الأحادية الشوفينية في إقصاء المكونات الوطنية عربية كردية وغيرها واللعب بالهوية الثقافية والسياسية والمراوغة بين الأميركان والروس والايرانيين والنظام بغية الاعتراف بسيطرتها النهائية على المنطقة عبر طرح الفدرالية بشروطها كمقدمة لانفصال لاحق.
في هذه الاطلالة السريعة على المشهد السوري تساؤلات عدة تدور بين السوريين تصاحب حراكهم بعد عشر سنوات من الحرب التي شنت على ثورتهم والنتائج الكارثية التي حلت بهم، هل سيبقى النظام ورئيسه كما هو بسياساته القمعية والمافيوية لأمد طويل، هل سيجد منفذًا تعويميًا من قبل إسرائيل وبعض الدول العربية بغض نظر أميركي أوربي مع إصرار كل من روسيا وإيران على بقائه، وإلى أي مدى سيتحمل شعب الداخل، وهل ستستقر مناطق النفوذ للدول الأربعة الرئيسية المتواجدة على الأرض السورية لتصبح واقعًا تقسيميًا لوقت غير معلوم، ما مستقبل ملايين اللاجئين في الشمال السوري والدول المجاورة والعالم، ماذا عن قضية المعتقلين، ما مستقبل الشمال السوري هل سيبقى الحال على ما هو عليه مهددًا بالاجتياح كل حين معتمدًا على المساعدات والبطء في المشاريع الخدمية مع بقاء ائتلاف هزيل يفتقد التمثيل والفاعلية وقوى عسكرية مختلفة منهجيًا ومصلحيًا وغير منضبطة مهنيًا مع تكرارها لانتهاكات بحق المدنيين كرد وعرب وخاصة في مدينة عفرين وما حولها، ضعف قضائي وشرطي واضح، تواجد حكومتين متنافرتين بين إدلب وريف حلب، مجالس محلية غير منتخبة يغلب عليها الانعزال والمناطقية، منظمات غير منضبطة في الأداء والأولويات. وفي المحصلة الدولية هل سيحصل اتفاق أميركي روسي بالتفاهم مع دول الإقليم لرعاية الحل السياسي والعملية الانتقالية، تساؤلات مشروعة بعد كثير التضحيات وتدني الثقة بقوى الداخل والخارج، فقوى الثورة والمعارضة وحاضنتها اليوم هم أمام حقيقة مرة لتآكل قواهم وفقدانهم لقرارهم المستقل، فهم أمام مسارات عدة، إما أن تتحول قضيتهم لمشكلة إنسانية مؤجلة توضع في أدراج النسيان، أو يفرض الحل الدولي بغير ما تشتهي سفنهم على حساب مبادئ وأهداف ثورتهم أو يتواضعوا لبعضهم ويصغوا لحراك ونداءات الشعب الثائر ليتكاتفوا وينظموا أنفسهم ويوحدوا قواهم المختلفة عبر مأسسة لاستعادة الثقة وصلابة الشوكة، لينهضوا من جديد ويفرضوا احترامهم ورؤيتهم الثورية الوطنية لسورية المستقبل.
المصدر: اشراق
