روسيا عاجزة عن إنقاذ الأسد.. حتى لو أرادت

طه عبد الواحد

تباينت تقديرات الخبراء والمحللين السياسيين الروس بشأن قدرة موسكو على تقديم دعم لنظام الأسد يساعده على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يواجهها حالياً. وبرزت وجهة نظر، عبّرت عنها غالبية من الخبراء والمراقبين، تقول إن الأزمة السورية بشكل عام، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً باتت عبئاً على روسيا، في ظل تعثر العملية السياسية، وانعدام مصادر تمويل الاقتصاد، ورفض المجتمع الدولي تلبية الرغبة الروسية بتمويل إعادة الإعمار.

بالمقابل عبّرت قلة عن وجهة نظر مغايرة، بالقول إن سوريا لا تشكل من الناحية الاقتصادية عبئاً على روسيا. ومؤخراً نشر موقع “روسيا اليوم، مقال رأي للمحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف، يتحدث فيه عن أزمات الاقتصاد العالمي، التي ستؤدي إلى “تفكك دول وفوضى” في جمهوريات سوفياتية سابقة. ويرى أن روسيا مستعدة لتقليص علاقتها مع تلك الدول، حتى لا تتحمل بسببها المزيد من الأعباء المرهقة، لكن بالنسبة للوضع السوري يعتقد أن الأمر مختلف وأن “المساعدة الاقتصادية الروسية لسوريا محدودة وليست مرهقة، كما أن التعاون الاقتصادي مفيد للطرفين”. ويعبّر عن قناعته بأنه “إذا كانت حمى التفكك في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي لا زالت تسري بالقصور الذاتي، ففي العلاقات الروسية-السورية هناك مسار للتقارب على الجانبين”.

لمعرفة حدود القدرة الروسية، ومدى استعداد موسكو لتقديم دعم لنظام الأسد يساعده على الخروج من أزمته الاقتصادية الحالية على وجه الخصوص، لا بد من مرور سريع على مواقف ومحطات رئيسية ستساعد على توضيح الأمر، ومنها الحملة في الإعلام الروسي ضد النظام السوري، وتشديد موسكو على “جني الثمار الاقتصادية للعملية العسكرية في سوريا”، و أخيراً اقتراب انتخابات مجلس الدوما، وحاجة السلطات للتمويل الاجتماعي، من اقتصاد لم يتعافَ حتى الآن بعد أزمة “هبوط النفط وقيود كورونا”.

في ربيع 2020، أحدثت وسائل إعلام ومواقع إلكترونية، محسوبة على رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، المعروف بلقب “طباخ الكرملين”، صدمة كبيرة في سوريا عبر سلسلة مقالات وتقارير شنت فيها هجوماً لاذعاً على رأس النظام السوري، واتهمته بأنه يخادع مواطنيه في أسباب انقطاع التيار الكهربائي، وأزمة المحروقات، وقالت إنه فقد شعبيته وأن 31 في المئة فقط من المواطنين السوريين قالوا إنهم سيصوتون له، وانتقدت هدره الأموال لشراء لوحة بعشرات ملايين الدولارات بينما يعاني الشعب من نقص المواد الأساسية.

وفي الوقت ذاته نشرت صحف ووسائل إعلام، ومراكز دراسات رصينة، مقالات مشابهة تنتقد نظام الأسد. ورأى مراقبون في تلك الحملة مؤشراً على تململ روسي من النظام السوري، بينما ذهب آخرون إلى القول إن تلك الحملة جاءت على خلفية  استياء موسكو من عدم وفاء الأسد بالتزامته الاقتصادية أمام الشركات الروسية. وأياً كانت الأسباب فإن تلك الحملة الإعلامية توضح بما لا يدع مجالاً للشك أن موسكو لن ترحم حتى حليفاً مثل الأسد حين يتعلق الأمر بمصالحها.

الأهداف الاقتصادية للسياسة الروسية في سوريا، محطة أخرى لا بد من الوقوف عندها. التعبير الأكثر وضوحاً عن تلك المصالح جاء على لسان دميتري روغوزين، حين كان يشغل منصب نائب رئيس الحكومة الروسية المشرف على ملفات حساسة. وخلال زيارة أجراها إلى دمشق نهاية عام 2017، وفي أعقاب محادثات وصفها بال”مطولة جداً مع الرئيس السوري”، قال روغوزين إن روسيا لن تدخل الاقتصاد السوري بصفة “فاعل خير أو دولة مانحة”، وهي لا تنوي التساهل في ما يخص مصالحها وأرباحها حتى إن كان الأمر مع سوريا”، وشدد على أنه “يجب علينا أن نفكر كيف نجني الأموال لميزانيتنا ، لمواطنينا، لقاء العمل الكبير الذي قامت به روسيا الاتحادية على الأراضي السورية”. كانت روسيا تراهن حينها على “إعادة الإعمار” والاتفاق مع الأسد على “العمل بصورة استثنائية مع روسيا في هذا المجال”.

وإذ لا يمكن تجاهل حقيقة أن روسيا أنشأت على الأراضي السورية، بنىً تحتية ذات طابع استراتيجي-اقتصادي، ستجعل منها، إن توفرت لها الظروف لاستخدامها، قوة مهيمنة على مجالات حساسة من الاقتصاد السوري، ولاعباً مهماً في النشاط التجاري والاقتصادي إقليمياً، إلا أنه ورغم ذلك كله، لم تتمكن روسيا حتى الآن، من الحصول على ما تريده من نظام الأسد لشركاتها، ولم تحصد الثمار الاقتصادية لتدخلها العسكري في الأزمة السورية، نظراً لفشل مساعيها في إقناع الغرب ودول عربية بتمويل إعادة الإعمار، قبل التسوية السياسية، بالشكل الذي يرضى به المجتمع الدولي.

وفي الأثناء تواجه روسيا داخلياً تحديات جدية، إذ لم يتعافَ اقتصادها بعد، ولم يعوض خسائر الأزمة المزدوجة الناجمة عن هبوط أسعار النفط، وانتشار كورونا. وفي الأثناء تعمل على تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، الذين تشير التقارير إلى تراجع دخولهم وفقدان عدد كبير منهم العمل بسبب قيود جائحة كورونا.

يصبح الانفاق الاجتماعي مهماً بصورة خاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة خريف 2021، حيث يسعى الكرملين إلى تدابير دعم تسهم في ضمان حصول “حزب روسيا الموحدة”، أو حزب السلطة، على أكبر عدد من الأصوات في انتخابات الدوما. في هذه الظروف، وحتى لو كانت روسيا مستعدة وراغبة في تقديم الدعم لنظام الأسد، فإنها غير قادرة على توفير دعم ينقذ الاقتصاد السوري من أزمته، هذا فضلاً عن أنها حتى في الظروف الجيدة لاقتصادها، لا تملك موارد كافية تنفقها لتمويل استمرار واستقرار النظام السوري.

أصاب نازاروف حين قال إن “المساعدة الاقتصادية الروسية لسوريا محدودة وليست مرهقة”، إلا أنه يصعب حتى الآن الحديث عن تعاون اقتصادي مفيد بين الطرفين، وما يجري هو محاولات روسية لإبقاء نظام الأسد “عائماً”، ولو عبر دعم محدود جداً هو عبارة عن “طوافات” تمنحه تنفساً اصطناعياً. لكن إذا استمر وضع الاقتصاد السوري على حاله، وفي حال لم يكفّ النظام عن وضع العراقيل أمام العملية السياسية، ولم تمارس موسكو الضغط المطلوب وكما يجب عليه في هذا المجال، فإن الوضع يتجه نحو مزيد من التعقيد.

سينعكس هذا الأمر بصورة مباشرة على التواجد الروسي في سوريا، الذي بدأ يتلمس غضباً شعبياً في الأفق، قد يتفجر في أي لحظة، مع استمرار تدهور الوضع المعيشي. وبهذا المعنى تصبح سوريا مصدر عبء على روسيا، بما في ذلك من الناحية الاقتصادية، ناهيك عن مسؤوليتها السياسية من وجهة  نظر المجتمع الدولي، عن بقاء نظام حكم لم يُبقِ شيئاً لم يدمره.

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى