” ملاحظات حول فكرة المجلس العسكري السوري”

   د. مخلص الصيادي

طرحت هذه الفكرة من قبل أطراف عدة، باعتبارها السبيل لخروج سورية من أزمتها الراهنة الطاحنة. وتصدى عدد من المهتمين لا تعليق عليها تأييدا أو تحفظا.

ورافق طرح الفكرة والتعليق عليها، وكشف بعض كواليس تداولها، طرح أسماء بعينها، وتصدر اسم العميد مناف طلاس القائمة. وبدأ الحديث عن قوائم للضباط الذين أعلنوا تأييدهم من الجيش السوري النظامي، ومن الضباط المنشقين.

وأعتقد أن طرح فكرة المجلس العسكري، أو أي فكرة أخرى تستهدف إخراج سورية من مأزقها الراهن يحتاج إلى توفر شروط أولية لابد منها حتى يكون هذا الطرح  ذا قيمة:

1-  لا بد أن يكون هناك اتفاق بين الدول والأطراف ذات الشأن والتأثير في الوضع الداخلي على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد الممكن، ويعني هذا أن أي عمل عسكري يريد تغيير الموازين وتحقيق مكاسب على الأرض إنما هو عمل خاطئ لا ينتج عنه إلا مزيد من الضحايا ومزيد من المعاناة،  وبالتالي يجب العمل على منعه و وقفه.

2-  لابد أن يكون لدى الأطراف ذات الشأن اتفاق حاسم بضرورة مغادرة رأس النظام وأعمدته السلطة، وكافة أجهزتها ومرتكزاتها، وإلا فإن أي حديث عن حل سياسي يعني حديثا الهدف منه إضاعة  الوقت، وكسب فرص لفرض وقائع جديدة، وهذا الحديث يتجاوز تساؤل : متى وكيف?، إلى إقرار المبدأ نفسه بعد ذلك يأتي الحديث عن التفاصيل.

 

ليس هناك معنى للحديث عن مجلس عسكري إن لم يكن هذا يعني تجاوز رأس النظام، وأعمدته.وكل الذين تلطخت أيديهم  بالدم السوري.

3-  والدول والجهات ذات الشأن في الوضع السوري هي بالتحديد : روسيا، وإيران،  والولايات المتحدة” مضافا إليها الكيان الصهيوني وحليفاتها العربيات”، وتركيا، أما القوى الداخلية: السلطة وميليشياتها الداخلية والخارجية، ومسلحو الأكراد على اختلاف مسمياتهم، وكذلك قوى المعارضة المسلحة على

اختلاف أوصافها، فإنها جميعها قوى تابعة، لا تملك -ولو أرادت- أن تنشئ موقفا مستقلا لها.

 

والمتبصر في موضوعة “المجلس العسكري”، لن يصعب عليه إدراك أنه  لا يظهر حتى الآن لدى القوى المؤثرة أي بادرة تشير إلى توافق جدي على موضوعة الحل السياسي- الذي تحدثت عنه القرارات الدولية، ولا على تجاوز رأس النظام ومساعديه، بل إن هؤلاء ماضون قدما في التحضير لما سمي بانتخابات الرئاسة، أي أنهم يفكرون على قاعدة “شرعيتهم”، شرعية رئيسهم وشرعية نظامهم.

والمشهد العام لمواقف الدول والأطراف المعنية  يشير إلى أن هذه الجهات-  رغم تباين في التفاصيل- تجد أن في استمرار النظام خير ما يحفظ لها مصالحها، مع تمني محدود لبعضها في تعديلات محدودة على صورة هذا النظام الملطخة بالدم، والمعززة بصور الدمار والتهجير وجرائم الحرب المتنوعة. والتعديلات المطلوبة بسيطة،  تستهدف رفع الحرج عنها في دعمها لاستمرار هذا النظام، ولاعتباره الخيار الأسلم.

 

لذلك فإن الحديث عن المجلس العسكري يفتقد حتى الآن – وحسبما هو متوفر من معلومات – إلى  الحد الأدنى اللازم لاعتباره حديثا تتوفر فيه الجدية اللازمة لوضعه على طاولة البحث. وهنا لا تعود هناك جدوى من بحث تفاصيله، أو الإشارة إلى الشخصيات الرئيسية فيه، أو إلى صلته بشق سياسي ضروري بحيث يمثلان معا سلطة حكم انتقالي.

 

الاستعصاء في الوضع السوري مستمر، وهو يحتاج إلى تغيير درامي في تلك الدول أو تحالفاتها يسمح بولادة ظرف جديد أو معادلات جديدة من شأنها أن  تفتح الباب لتمرير الحل السياسي المطلوب في سوريا، وعندها يصبح الحديث عن المجلس العسكري أو عن أي صيغة أخرى توفر “سلطة حكم انتقالية” حديث مطلوب بل وضروري.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى