بعد أيام قليلة من غارات أميركية استهدفت مليشيات إيرانية وعراقية في الشرق السوري، ضرب طيران الاحتلال الإسرائيلي مواقع يُعتقد أنها تابعة للحرس الثوري الإيراني في محيط العاصمة السورية دمشق، مساء أول من أمس الأحد، في سياق استراتيجية إسرائيلية معلنة، تستهدف الوجود الإيراني في سورية. وفي السياق، ذكرت مصادر في دمشق، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن طائرات، يُعتقد أنها إسرائيلية، عاودت قصف أهداف إيرانية في محيط بلدة السيدة زينب جنوبي دمشق، التي تحوّلت إلى معقل بارز للمليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
من جانبها، نقلت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” التابعة للنظام السوري، عن مصدر عسكري قوله، إن الطيران الإسرائيلي “نفّذ، في وقت متأخر من مساء الأحد، عدواناً جوياً من جهة الجولان السوري المحتل، مستهدفاً بعض الأهداف في محيط دمشق”. وقال إن “وسائط دفاعنا الجوي تصدّت لصواريخ العدوان وأسقطت معظمها”، من دون الإشارة إلى الخسائر التي تسبب فيها القصف.
وبات القصف الجوي الإسرائيلي لمواقع عسكرية في سورية شبه اعتيادي في العام الحالي، في إطار حرب معلنة من تل أبيب ضد الوجود الإيراني في سورية، تحديداً جنوبي البلاد وشرقها. ففي 6 شهر يناير/كانون الثاني الماضي، شنّ الطيران الإسرائيلي غارات على مواقع عسكرية في محيط بلدة الكسوة جنوبي دمشق، يُعتقد أنها تابعة للفرقة الأولى في قوات النظام، والتي تحوّلت إلى ما يشبه قاعدة إيرانية. وطاول القصف أيضاً كتيبة الرادار في ريف السويداء في أقصى الجنوب السوري، والتي يُعتقد أنها تحوّلت إلى مقرّ لعناصر حزب الله. كما استهدفت الغارة مواقع أخرى على طريق دمشق – درعا، تنتشر فيها مليشيات موالية لإيران و”حزب الله”، إضافة إلى قوات النظام والمليشيات الموالية لها.
وفي 13 يناير الماضي، شنّت الطائرات الإسرائيلية غارات على مخازن أسلحة ومواقع عسكرية في ريف دير الزور في أقصى الشرق السوري، مخلّفة عشرات القتلى من عناصر المليشيات الموالية لإيران، في حصيلة تُعدّ الأعلى منذ بدء الضربات الإسرائيلية في سورية. ووفق وسائل إعلام النظام السوري، فقد قُتل في 22 يناير الماضي 4 مدنيين، بينهم طفلان، جراء قصف إسرائيلي استهدف محيط مدينة حماة، في وسط البلاد.
وفي شهر فبراير/شباط الماضي، واصل الطيران الإسرائيلي استهداف مواقع عدة، وضرب في 5 فبراير “الفوج 165″ التابع لـ”الفرقة الأولى” في قوات النظام، في محيط ناحية الكسوة جنوبي دمشق. كما هاجم شحنة أسلحة إيرانية في محيط مطار دمشق الدولي، وفق موقع “صوت العاصمة”، المهتم بأنباء دمشق وريفها. ونادراً ما تؤكد حكومة الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ ضربات في سورية ضد مواقع تابعة للنظام أو للجانب الإيراني، لكن الجيش الإسرائيلي ذكر في تقريره السنوي، أواخر العام الماضي، أنه قصف خلال عام 2020 نحو 50 هدفاً في سورية، من دون تقديم تفاصيل عنها.
وعلى الرغم من كثافة الغارات الإسرائيلية وغارات طيران التحالف الدولي، إلا أن الوقائع والمعطيات على الأرض أظهرت عدم تأثر الوجود الإيراني بها. ولم يُسجّل أي انسحاب من قبل المليشيات الموالية لإيران من مواقع استهدفها الطيران الإسرائيلي. وتعزز المليشيات الموالية لإيران وجودها العسكري بشكل دائم في جنوب سورية، تحديداً في محيط العاصمة، بالإضافة إلى شرق البلاد، حيث باتت محافظة دير الزور تحت النفوذ الإيراني.
وفي هذا الصدد، يرى الباحث في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “إذا كان الهدف من الغارات الجوية من قبل الطيران الإسرائيلي، هو منع المليشيات الموالية لإيران من امتلاك أسلحة نوعية تهدد أمن إسرائيل، فيبدو أنها تنجح بذلك نسبياً، لأنها تضايق المليشيات إلى حد ما”. ويستدرك بالقول إن هذه الغارات لا يمكن أن تكون فعالة في منع انتشار المليشيات والنفوذ الإيرانيين في المجتمع السوري بمختلف المجالات.
وجاءت الغارة الإسرائيلية بعد أيام قليلة من غارات أميركية على مواقع لمليشيات تابعة للجانب الإيراني، ومنها مليشيات عراقية في ريف دير الزور الشرقي، رداً على هجمات صاروخية على أهداف أميركية في إقليم كردستان العراق. وذكرت مصادر متقاطعة أن الغارات الأميركية خلفت 17 قتيلاً على الأقل من المليشيات المنتشرة في ريف دير الزور، جنوبي نهر الفرات. وذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الجيش شن غارة جوية استهدفت مليشيات تدعمها إيران في سورية، مؤكدة أن الهجوم أسفر عن تدمير “منشآت عدة عند نقطة حدودية يستخدمها عدد من الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران”.
وتندرج الغارات الإسرائيلية والأميركية ضمن استراتيجية تحجيم الدور الإيراني العسكري في سورية إلى حدوده الدنيا، كي لا يكون مصدر خطر على إسرائيل وعلى أهداف أميركية في سورية والعراق. ويبدي الباحث السياسي رضوان زيادة، اعتقاده بوجود رابط بين الغارات الإسرائيلية والأميركية، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”، أن الغارة الأميركية شجعت إسرائيل على القيام بمزيد من الغارات، لأنها أوصلت رسالة مفادها بأن إدارة بايدن مستعدة للقيام بها. ويرى أن الغارات الإسرائيلية “تندرج في سياق الفعل الإسرائيلي على الوجود الإيراني في سورية”، لافتاً إلى أن المفاجأة ظهرت في عدم اعتراض روسيا على غارات تل أبيب، بحجم الاعتراض نفسه على الغارات الأميركية.
وفي أحدث تعليق على الغارات الأميركية، قال سفير النظام السوري في موسكو، رياض حداد، في تصريحات أول من أمس الأحد، إن نظامه يدرس مع الحلفاء كيفية الرد على الضربات. ووصف الغارات بـ “العدوان”، مشيراً إلى أن الرد “سيجري بما يخدم مصلحة وسيادة سورية، لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، والذي تحاول الولايات المتحدة زعزعته من خلال هذه الاعتداءات”. واعتبر المحلل العسكري أحمد رحال، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن ما قاله حداد “مجرد كذب إعلامي لا أكثر”.
المصدر: العربي الجديد