حكم «تاريخي» على ضابط سوري متهم بجرائم إنسانية بأربعة أعوام ونصف سجناً في ألمانيا

هبة محمد

أصدرت محكمة مدينة كوبلنز الألمانية، أمس الأربعاء حكماً بالسجن أربع سنوات ونصف على الضابط السوري إياد غريب، الذي كان يعمل في فرع الخطيب في دمشق التابع لإدارة المخابرات العامة، على أن تتابع المحكمة جلساتها في إطار محاكمة رئيس قسم التحقيق السابق في فرع الخطيب المتهم العقيد أنور رسلان.

وكان إياد مساعداً أول في فرع أمن الدولة، انشق عام 2012 ووصل إلى ألمانيا عام 2018 تم اعتقاله في عام 2019 بتهم اعتقال 30 شخصاً واقتيادهم إلى الفرع 40 القسم الداخلي الذي يترأسه حافظ مخلوف ابن خالة بشار الأسد، حيث اعتقل مع الضابط من ذات الفرع أنور رسلان وهو المتهم بتعذيب المعتقلين والمسؤولية عن وفاة عدد منهم.

سابقة

المحامي ورئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية أنور البني، تحدّث لـ»القدس العربي» عن ظروف محاكمة الضابط لدى المحكمة الألمانية وسبب تخفيف الحكم عن المساعد في فرع أمن الدولة، حيث قال «البني» الذي يقاضي ضباط النظام السوري في إطار محاكمة العقيد «أنور رسلان» أن سبب تخفيف الحكم على «الغريب» أنه «تعاون مع المحكمة وأعطاهم المعلومات المطلوبة منه، التي تحتاجها المحكمة، حيث زودها بكل المعلومات التي بحوزته، فاعتبر تعاونه مع المحكمة وخاصة بيانه الأخير الذي دعم فيه العدالة والضحايا أحد الأسباب المخفِفة». وأوضح «البني» أن انشقاق العنصر السابق لدى مخابرات النظام السوري لم يكن أحد الأسباب المخففة بالحكم، عازياً السبب إلى أن الضابط كان «بإمكانه الانشقاق مسبقاً، كما لاحظت المحكمة أنه متطوع لدى الأمن وليس مجنداً بشكل إجباري ولكن ظروف الملف الخاص به، والمعلومات التي تقدم بها من تلقاء نفسه، جعلت المحكمة تقرر تخفيض الحكم».

وأشار البني إلى البيان الصحافي الصادر عن المركز السوري للدراسات والاستشارات القانونية حول الحكم الصادر بحق عنصر المخابرات السورية في كوبلنز، بمناسبة الحكم بالسجن أربع سنوات ونصف على «إياد الغريب» حيث رحب المركز بالقرار واعتبره «تاريخياً ونقطة مضيئة في تاريخ القضاء الألماني وتاريخ العدالة العالمية. باعتباره أول مرة يصدر قرار بحق مجرم ينتمي للنظام السوري وارتكب جرائمه منظومته الأمنية الممنهجة».

وجاء في البيان: «إن تجريم المتهم إياد والحكم عليه لم يكن بسبب قيامه بجريمة منفردة من تلقاء نفسه بل بسبب كونه جزءاً من آلة جهنمية منظمة وممنهجة وبأوامر عليا لاعتقال المدنيين السلميين وإخفائهم قسراً وتعذيبهم وقتلهم تحت التعذيب وإخفاء جثثهم في مقابر جماعية وبطريقة مهينة جدا، وهذا المنهجية تخضع لسلسلة أوامر وقيادة تصل لرأس هرم الجريمة الممنهجة في سوريا مع كل أركانه. لذا فالحكم على إياد يعني الحكم على وإدانة كل هرم تلك الجريمة وبما فيه رأسه وأركانه».

رسالة لكل المجرمين

وأكد البيان: أن «الحكم على إياد هو رسالة لكل المجرمين الذين مازالوا يرتكبون أفظع الجرائم في سوريا لتذكيرهم بأن زمن الإفلات من العقاب قد ولّى، ولا مكان آمناً للفرار إليه، كما هو رسالة لكل المتواطئين الذين سهّلوا وساعدوا المجرمين على ارتكاب جرائمهم بأنكم لستم في مأمن من العقاب، ولن تجدوا عذراً يبرئكم من تبعات الجرائم التي سهلتم أو دعمتم أو حرضتم على ارتكابها».

وأشاد البيان «بالجهود الكبيرة والمستمرة التي بذلتها وتبذلها وحدات البوليس ووحدات الادعاء العام الألماني في متابعة هذه الجرائم وملاحقة المجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب، وندعو لدعمهم بمزيد من المصادر البشرية والمالية. ونأمل أن نستمر جهودهم من أجل العدالة بإصدار المزيد من مذكرات التوقيف بحق كبار المجرمين بمن فيهم رأس الهرم الإجرامي الذين مازالوا ينكلون بالسوريين في سوريا اعتقالا وتعذيبا وقتلا بكل وسائل القتل والتنكيل. كما نقدر ونحترم بشدة الجهد والوقت الذي صرفته وتصرفه هيئة المحكمة الموقرة بالنظر في هذه القضية، ونؤكد أننا نحن كضحايا وسوريون ندين لها بإيصال جزء من العدالة لنا، ونأمل أن تستمر بجهودها حتى يصل كل الضحايا المدعين أمامهم للعدالة».

كما توجه المركز بالشكر إلى كل الذين ساهموا في هذه القضية وفي مقدمهم «الأبطال الضحايا الناجون/الناجيات الذين تقدموا بكل شجاعة ليقدموا شهادتهم أمام القضاء ويطلبون العدالة لأنفسهم ولبقية الضحايا الذين لم يتمكنوا من النجاة وللشهود والخبراء ذكوراً وإناثاً الذين أضاءوا على كل جوانب الجرائم التي ارتكبت».

وختم المركز بيانه بدعوة الدول الأوروبية التي تؤمن بمبادئ العدالة وحقوق الإنسان أن تقرر بشكل حازم وضع هؤلاء المجرمين ومنظومة إجرامهم خارج إي إطار سياسي أو تفاوضي أو تعامل مستقبلي. كما دعا جهات الادعاء في النمسا والسويد والنروج وفرنسا وسويسرا واسبانيا لتسريع النظر بملفات الجرائم ضد الإنسانية المفتوحة لديها وإصدار مذكرات توقيف بحق المجرمين.

شماس: لا فرار من العقاب

من جهته، تحدث الحقوقي والمحامي‏ لدى ‏هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا ميشال شماس، عن سبب صدور حكم مخفف بحق الغريب، وقال شماس عبر صفحته الشخصية «خلافاً لمحاكمة الضابط أنور رسلان إن قضية الغريب افتقرت إلى الشهود والمدعين هذا أولاً، وثانياً إن قيام المتهم إياد الغريب نفسه وقبل توقيفه أول مرة بإبلاغ السلطات الألمانية وتزويدها بالمعلومات عن طبيعة عمله في فرع الخطيب قد ساهم بشكل كبير في تخفيف العقوبة عنه. إن الاعتراف في القضايا الجنائية يعتبر سبباً من أسباب التخفيف خاصة إذا صدر هذا الاعتراف من المتهم قبل صدور قرار بالملاحقة والتوقيف».

ومع ذلك اعتبر المحامي أن هذا الحكم خطوة مهمة وتاريخية على طريق تحقيق العدالة للسوريات والسوريين، ويشكل صدوره رسالة مهمة لكل «المجرمين الذين مازالوا يرتكبون أفظع الجرائم في سوريا بأن زمن الإفلات من العقاب قد ولىّ، فلن يجدوا بعد اليوم مكاناً آمناً يلوذون به، كما نعتبره رسالة لكل المتواطئين الذين سهّلوا وساعدوا المجرمين في ارتكاب جرائمهم بأنهم ليسوا بمأمن من العقاب، ولن يجدوا عذراً يبرئهم من تبعات الجرائم التي شاركوا في ارتكابها بأية طريقة كانت».

وحول ظروف المحكمة كتب شماس على صفحته الشخصية، أن محامي المتهم إياد الغريب قدم مرافعته الأخيرة قبيل صدور الحكم وصف خلالها «المحاكمة بأنها الأولى من نوعها في العالم بشأن حالة تعذيب ارتكبها عنصر أمن قادم من سوريا، وركز على قيام المتهم نفسه من تلقاء ذاته بالإدلاء بالمعلومات حول عمله في فرع الخطيب كأساس يجب أن تلاحظه المحكمة عند صدور الحكم ضد موكله لناحية تخفيف الحكم عنه».

وقال محامي الغريب «أنّ الحكم المطالب به هو أكثر بكثير من المدة التي يجب على موكله أن يقضيها في السجن، وأضاف أنّه لو كان هو من يلقي خطاباً للمطالبة بحكم ضد موكله لكان طالب بمدة لا تتجاوز السنتين، وهي المدة التي قضاها المتهم حتى الآن في السجن على ذمة التحقيق، بيد أنّه لن يطالب بهذا بل سيطالب، نظراً لكل ما تقدم، بإخلاء سبيل موكله المتهم إياد الغريب ورفع الأمر بالحبس الاحتياطي».

 

المصدر: «القدس العربي»

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى