رفع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله السقف عالياً رفضاً للتدويل أو طلب التدخل الدولي في لبنان، معتبراً أن هذا المطلب يؤدي إلى حرب، وقد تكون مواجهتها مقدسة بالنسبة إليه. وبموقفه هذا يظهر أن نصر الله يستشعر فعلاً بأن الوضع اللبناني سائر إلى نوع من التدويل، خصوصاً أن لبنان البلد الذي ينهار في ظل الفراغ الحكومي والانقسام السياسي بين أطراف السلطة وقواها السياسية والطائفية، يقع على مفترق تحولات إقليمية ودولية، وهو يدعو المجتمع الدولي إلى مساعدته مالياً وأيضاً سياسياً لعبور أزمته الأشد في تاريخه والأكثر خطورة، ما يعني أن الحل للمشكلة اللبنانية المتفاقمة مرتبط بتدخل دولي، كانت المبادرة الفرنسية طليعته على رغم أنها فشلت نتيجة تصلّب الرئاسة اللبنانية في تقديم تنازلات وتغريد القوى السياسية برفع شروطها في أي تركيبة حكومية جديدة وايضاً في ما يتعلق بالنظام الذي وصل إلى مرحلة الإنسداد.
المفارقة أن نصر الله وهو يرفع سقف خطابه ضد التدويل، يمارس في المقابل سياسة تربط لبنان بالمحاور الإقليمية، فهو يلتزم قرار مرجعيته الإيرانية ويأخذ لبنان إلى الصراع في سوريا وايضاً يمكن أن تكون له أدوار في العراق واليمن ضمن ما يسميه محور المقاومة، وبتحوله إلى قوة إقليمية لها مصدر قوة في لبنان يساهم أيضاً برهن البلد للخارج ويضعه على فالق الصراع الإقليمي والدولي من دون أن يتمكن أحد من إحداث توازن داخلي يعيد الاعتبار للوطنية اللبنانية، فيسلك أطراف آخرون طريق المطالبة بالتدويل لموازنة القوة التي يمتلكها الحزب، ويبررون ذلك بوجود قوة تمتلك السلاح ولم تعد قوة مقاومة صرفة للاحتلال الإسرائيلي بل لها استهدافات داخلية وإقليمية لحسابات إقليمية.
وإذا كانت للتدخل الدولي مبررات لدى البعض، فإن الأمين العام لـ”حزب الله” استبق محاولة بلورة الطرح الذي رفعه البطريرك الماروني بشار الراعي، بعد أن فشل مطلبه الأول الداعي إلى حياد لبنان، لقطع الطريق على اصطفاف قوى سياسية أخرى تتبنى هذا الطرح، وهو ما يُفقد “حزب الله” الكثير من عناصر قوته والإمساك بمفاصل أساسية في لبنان وفي القرار السياسي والتأثير، خصوصاً حركته بين لبنان وسوريا وسيطرته على جزء من المعابر التي طالبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بإقفالها، خصوصاً وأن نصر الله رفض في أكثر من محطة، شمول الحدود اللبنانية – السورية بالقرار 1701 وأن تكون هذه الحدود في نطاق عمل القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني “اليونيفل”، وهو أمر يؤدي إلى فصل الساحتين عن بعضهما ويقيّد حركة الحزب فيهما.
النقطة الأكثر سخونة هي ما قاله نصر الله من أن طرح التدويل سيقابل بردّ مضاد وسيؤدي إلى حرب، ما يعني أن الحزب يقطع الطريق على أي قوى سياسية بما فيها البطريرك الماروني التقدم إلى أداء دور لبناني برعاية دولية في إطار التدويل، لذا يحاول أن يقدم صورة في الداخل اللبناني أنه الأقوى، وفي المقابل يقدم موقعه أنه يوازن بين القوى الطائفية كلها، خصوصاً الموارنة والسنّة في إطار موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وأنه القادر على حل المشاكل بينهما ومرجعاً لهما، وبذلك يحيّد نفسه أو يبرّئ قوته من أنها أصل المشكلة طالما أن المجتمعين الدولي والعربي لا يحبذان مشاركة “حزب الله” في الحكومة.
والواقع أن القضية لا تقف عند هذا الحد، فالجميع يعرف أن الأزمة في لبنان وارتباطه بالمنطقة ستكون أخطر وأكثر عمقاً. فالحزب في صياغته للموقف في لبنان ورفضه التدخل الدولي، ينطلق من حسابات أيضاً تتعلق بالمنطقة، وكيف ستكون الأمور في أي مفاوضات أو مواجهة بين الأميركيين والإيرانيين، خصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تهتم اليوم بقدر كبير بملفات المنطقة، وهو أمر يقلق كل اللاعبين بما فيهم الإيرانيون أنفسهم المستعجلون للعودة الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات، وهو أمر لن يحدث في وقت قريب وفق المعطيات، ما يعني أن المنطقة كلها ستمر بمرحلة توترات واللعب بالأوراق، وسيكون لأذرع إيران وغيرها دور فيها خصوصاً “حزب الله”. وكذلك إسرائيل التي تواصل استهداف المواقع الإيرانية في سوريا في شكل مكثف، وقد لا يكون لبنان مستثنى من هذا التوتر والمواجهة.
ينعكس ذلك على الوضع اللبناني حيث لـ”حزب الله” دور أساسي يريد الحفاظ عليه من موقع القوة. الأساس أنه في أي مفاوضات محتملة إيرانية – أميركية – أوروبية، تريد إيران التعامل مع الأصيل، أي الولايات المتحدة الأميركية، فإذا ما دخل الوضع اللبناني في هذا البحث من موقع “حزب الله” تقدم إيران تنازلاتها للأميركيين كمقابل لمكاسب تحصل عليها، لذا نفهم لماذا لم تتقدم المبادرة الفرنسية لحل الأزمة اللبنانية، وكذلك لماذا يرفض “حزب الله” أي كلام في التدويل. وإذا كانت الأزمة اللبنانية قد تطول لاتصالها بالملفات الإقليمية فيما ترهن قوى أساسية البلد للخارج، فإن الوضع في المنطقة اليوم يفتح على التلاعب بمصيرها من جهات عدة، فإذا استمر الوضع على ما هو عليه، ومعها الهجمات الإسرائيلية، وغيرها من الكلام التصعيدي والمناورات قد يؤدي ذلك إلى تفجر الأوضاع، ويضع لبنان أمام مرحلة جديدة.
لكن النقطة التي تبقى بارزة أن لا قدرة للاعبين الداخليين على التسوية، فيصبح التدخل الدولي أمراً واقعاً، وهو موجود أصلاً برهن البلد للخارج.
المصدر: النهار العربي