برلمان الأطفال البعثي: “أملنا بشار لنكمل المشوار”!

وليد بركسية

“أملنا بشار لنكمل المشوار” ليس شعار الحملة الانتخابية لرئيس النظام السوري بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة بوصفها ضرورة إعلامية ملحة للنظام حالياً، بل هو شعار انتخابات “البرلمان الطفلي” التي تجري حالياً في المدارس السورية بإشراف حزب البعث الحاكم ومنظمة طلائع البعث.

ولا تنفصل المناسبتان عن بعضهما البعض، فالانتخابات البعثية على مستوى الأطفال، ليس حدثاً جديداً بحد ذاتها، بل تعود جذورها للعام 2014 عند انتخاب أول برلمان طفلي بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية السورية حينها، في وقت كانت البلاد تعيش حرباً شرسة فقد فيها النظام السيطرة على مناطق واسعة. وعملت تلك المناسبة على ترويج فكرة أن الدولة السورية بخير رغم الحرب الكونية، ولتطمين الموالين إلى أن “التقاليد الرسمية” مستمرة في التواجد بشكل أو بآخر.

واليوم تعمل الدعاية البعثية – الأسدية على الترويج للديموقراطية المزعومة في البلاد. فالأطفال ينتخبون برلماناً مثلما يجب على السوريين البالغين القيام به بعد أشهر. ويتم الحديث في وسائل الإعلام الرسمية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن النهضة التي تعيشها البلاد وعن أسس الديموقراطية المتوارثة في البلاد منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، والتي استمرت في عهد ابنه بشار الأسد وفشلت القوى الغربية الشريرة في هز جذورها رغم نشر الفوضى والإرهاب طوال عشر سنوات.

على أن النظام السوري هنا، لا يبحث فقط عن الترويج لتلك الأفكار التي تثير ضحك مواليه قبل معارضيه، بل يعمل بشكل مباشر على الترويج لبشار الأسد ورفع شعبيته المهزوزة في الداخل السوري، حتى لو كان ذلك العامل غير مهم في أي انتخابات صورية يجبر فيها المدنيون على المشاركة خوفاً من الملاحقات الأمنية، أو للحصول على بعض المكاسب البسيطة مثل المواد الغذائية التي يتم توزيعها على المنتخبين في وقت يعيش فيه أكثر نحو 80% من السوريين في الداخل السوري تحت خط الفقر بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، علماً أن تقديم صورة جماهيرية للانتخابات أمام الكاميرات تبقى مطلوبة للنظام لتصدير صورة عن الشعبية والاستقرار ونهاية الحرب للعالم، ما يمهد للحديث عن شرعية النظام، لا مسألة بقائه فقط.

ويعمل النظام هنا على جمع مسؤولين بعثيين وإداريين بأهالي الطلاب والأساتذة خلال جلسات مختلفة، يتم الحديث فيها عن الواقع المعيشي والاقتصادي المتردي، وتقديم وعود بتحقيق الإصلاح والرخاء قريباً. ومن المثير للاهتمام أن كثيراً من الجلسات تعقد ويروج لها في مناطق كانت طوال سنوات مراكز للثورة السورية، مثل الغوطة الشرقية والرقة وبعض مناطق إدلب وحمص أيضاً. حيث يتم الترويج فيها إلى عودة الدولة السورية إلى سابق عهدها، وإنهاء كامل مظاهر التمرد، وفرض السيطرة عبر التقاليد البعثية والشعارات واحتلال الفضاء الرمزي.

وكان حضور وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد إحدى جلسات برلمان الأطفال في طرطوس، لافتاً، في وقت تنعم فيه وزارته بصلاحيات واسعة تثير استياء الموالين عموماً، ممن يتهمون الوزير بتحويل سوريا إلى دولة إسلامية ونشر “دواعش الداخل” فيها، حسب تعبيرهم، وخصوصاً في مناطق الساحل السوري. ويعطي وجود شخصيات دينية على هذا المستوى في الجلسات الرسمية لحزب البعث الذي يطرح نفسه كحزب علماني، لمحة عن مدى التناقضات ضمن الأيديولوجيا البعثية الأسدية، التي تعمل على توجيه خطاب مختلف بحسب الجمهور المستهدف منه، ولعل هذه الازدواجية لم تعد غريبة أو مستهجنة، طالما أن بشار الأسد نفسه قدم “فلسفته الخاصة” حول معاني العلمانية من داخل أحد مساجد دمشق، قبل أشهر، أمام حشد من رجال الدين.

والحال أن النظام السوري يخالف اتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها العام 1989، والتي تنص على حق الطفل بالتعلم من دون استغلال، واحترام حرية الطفل وحقه في الحياة والنمو، حيث تظهر مقاطع الفيديو المنتشرة عن “البرلمان الطفلي” بوضوح استغلال الأطفال لأغراض سياسية. كما أن العملية ككل تعتبر عملية غسيل دماغ ممنهجة يقوم به نظام الأسد بحق الأطفال السوريين منذ نعومة اظفارهم، حيث يركز على الأطفال في المرحلة الابتدائية الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات.

ويمكن الاستدلال على القيم التي ينشرها النظام في المدارس بالنظر إلى تصريحات ياسر الشوفي، عضو القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي ورئيس مكتب التربية والطلائع المركزي، مطلع الأسبوع: “راية الطلائع ستبقى راية الطفولة في سوريا” و”راية الوطن ستبقى بأمان من خلال انتماء وهوية أطفال طلائع البعث”، مشيراً إلى قول بشار الأسد: “لا بعث بدون سوريا ولا سوريا بدون بعث”.

يعيد ذلك إلى الأذهان مسرحية إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري، العام 2011، والتي كانت تنص على أن حزب البعث هو الحزب الحاكم للدولة والمجتمع، من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير فعلي على أرض الواقع، حيث بقيت الممارسات الحزبية مستمرة، وتحديداً في تجنيد الأطفال السوريين في المدارس وتنسيبهم قسرياً إلى صفوف الحزب، وليس فقط إلى منظماته الرديفة (طلائع البعث، شبيبة الثورة)، لكن تلك الممارسات طوال السنوات العشر الماضية تراجعت في سلم أولويات التغطية الرسمية، وعادت اليوم إلى صدارة المشهد الإعلامي.

ويمكن القول أن “القيادة الحكيمة” تخلت عن محاولتها خلق انطباع بوجود تغيير في البلاد، وعادت إلى طرح الشعارات وإجبار الناس على ترديدها، مصدقة أن ذلك الترديد الببغائي يكفي لتتحول الكلمات الفارغة من المعنى إلى أيديولوجيا وأسلوب حياة يؤمن به كافة الأفراد عن قناعة، رغم أن السوريين أثبتوا بثورتهم العام 2011 حماقة تلك المعادلة إلى حد كبير. ويبدو النظام هنا وكأنه يحاول تفادي “الأخطاء” التي ارتكبها بعد وصول بشار الأسد إلى السلطة والتي أدت وفق المنطق السلطوي إلى الثورة لاحقاً، أي إعطائه بعض الحريات المدنية مقارنة بحقبة حكم والده الحديدية السابقة، ويتمثل ذلك بالتخفيف من النظام العسكري في المدارس والتقليل من الاهتمام بالجانب الحزبي بعد العام 2000.

لكن هذه الغطرسة في التعامل مع الأفراد تعني أن النظام لم يتعلم شيئاً من تجربته المريرة خلال السنوات العشر الماضية عندما كادت الثورة الشعبية تطيح به من جذوره قبل تدل روسيا وإيران إلى جانبه واستخدام القوة المفرطة وسياسة الأرض المحروقة، ويحول ذلك البلاد إلى مكان ينتظر الانفجار التالي، بعد أشهر أو سنوات أو عقود، لا أكثر.

 

المصدر: المدن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى