حددت إيران 21 شباط (فبراير) الجاري موعداً للتحلل من مزيد من التزاماتها المنصوص عنها في الاتفاق النووي مع القوى الغربية. وبنت الحكومة الإيرانية هذا الموعد ربطاً بقرار أصدره مجلس الشورى الإيراني عقب اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في 27 كانون الأول (ديسمبر) الماضي قرب طهران وطلب بموجبه من الحكومة وقف العمل بالبروتوكول الإضافي للاتفاق، الذي يتيح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إجراء عمليات تفتيش مفاجئة للمواقع النووية الإيرانية.
المهلة الإيرانية مرتبطة، من دون أدنى شك، بالجهود الدبلوماسية الحثيثة للاتحاد الأوروبي، لا سيما لفرنسا وبريطانيا وألمانيا (وهي من الدول الموقعة على خطة العمل المشتركة الشاملة). كما أنها مرتبطة حكماً بإبداء الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن رغبة في العودة إلى الاتفاق النووي، لكن شرط أن تعود طهران عن انتهاكاتها له، من مثل رفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.67 في المئة المسموح بها بموجب الاتفاق إلى 20 في المئة، وزيادة أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة فوردو تحت الأرض، وأخيراً البدء بتعدين اليورانيوم، الذي يعتبر خطوة أولى نحو تصنيع السلاح النووي.
الموقف الإيراني لا يزال عند نقطة يشترط فيها عودة واشنطن أولاً إلى الاتفاق، الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب في أيار (مايو) 2018، قبل أن تتراجع طهران عن التزاماتها على نحو تدريجي.
إذاً أميركا تطالب إيران بالعودة عن انتهاكاتها للاتفاق أولاً قبل أن تعود هي بدورها إلى التزام الاتفاق وتخفيف العقوبات عن طهران.
وأمام هذه المعضلة، تلجأ إيران إلى استخدام الوقت عاملاً ضاغطاً على واشنطن والأطراف الآخرين الموقعين على الاتفاق، كي تحصل على تنازلات تفضي إلى تخفيف العقوبات الأميركية عنها.
وخلف لعبة عض الأصابع، تكمن مسائل أخرى ترفض طهران تلبيتها، كأن تكون عودة أميركا إلى الاتفاق، مرتبطة بموافقة إيران على الدخول في مفاوضات تشمل برنامجها الصاروخي ودورها الإقليمي. وهاتان نقطتان يرفض النظام الإيراني التطرق إليهما حتى الآن. وثمة أمر آخر تسعى إيران إلى تجنبه، ألا وهو ضم دول خليجية إلى أي اتفاق مستقبلي، بينما يطرح الإيرانيون إجراء حوار ثنائي مع دول الخليج، منفصل عن الاتفاق النووي، أو عن اي اتفاق محتمل مع القوى الكبرى.
الضغوط التي تمارسها إيران في الوقت الحاضر والتهويل بضيق الوقت قبل أن تتحرر من التزامات جديدة يفرضها الاتفاق النووي الحالي، القصد منها حمل واشنطن على القبول بتخفيف العقوبات الاقتصادية الأميركية، من دون ربطها بشروط أخرى.
ولا يبدو أن إدارة بايدن على رغم اعتزامها العودة إلى الاتفاق النووي والبناء عليه للتفاوض على اتفاق جديد، في وارد التفريط بالرافعة التي تشكلها العقوبات التي عاود ترامب فرضها منذ انسحابه من الاتفاق عام 2018، بينما يتركز الجهد الإيراني المضاد على تجريد أميركا من هذه الرافعة عبر اشتراط رفع العقوبات عنها للتراجع عن انتهاكاتها للاتفاق.
وبين الموقفين الأميركي والإيراني المتضادين، يأتي الموقفان الأوروبي والروسي الساعيان إلى حل وسط ينقذ الاتفاق النووي. وبينما يميل الأوروبيون إلى الموقف الأميركي القائل بضرورة الانطلاق من الاتفاق الحالي إلى اتفاق أكثر شمولية، تقترح روسيا حلاً وسطاً يتضمن خريطة طريق لعودة واشنطن وطهران في وقت واحد إلى الاتفاق.
لكن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن يبدو واضحاً في اشتراطه عودة إيران عن انتهاكاتها أولاً قبل عودة واشنطن إلى الاتفاق. ومن هنا فهو لا يتوقع انفراجاً قريباً في الملف النووي الإيراني، مع تكراره الموقف الأميركي الدائم بأنه يجب عدم السماح لأيران بامتلاك السلاح النووي.
وإنطلاقاً من هذه المعطيات، ثمة خشية من أن تذهب إيران في تصعيد أوسع على صعيد انتهاكاتها بما يقوض الاتفاق بالكامل، وتالياً يضع المنطقة أمام أمر واقع جديد، ينفتح فيه سباق تسلح نووي، أو يزيد من احتمالات أن تعمد إسرائيل إلى توجيه ضربة للمفاعلات النووية الإيرانية، على غرار ما فعلت في العراق عام 1981 وفي سوريا عام 2007. وهذا خيار لوح به رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي قبل أسبوعين، عندما أكد أن إسرائيل تضع في حسبانها خططاً لمهاجمة المفاعلات الإيرانية، إذا ما شعرت باقتراب طهران من القدرة على امتلاك السلاح النووي.
المصدر: النهار العربي