في مؤشر واضح على الهوّة الواسعة بين “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، المسيطر عملياً على الشمال الشرقي من سورية، وبين “المجلس الوطني الكردي” (ائتلاف سياسي كردي في سورية)، جدّد القيادي في “الاتحاد”، آلدار خليل، أخيراً، اتهام “المجلس” بالعمالة لتركيا، ما يزيد الشكوك حول إمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي بين الطرفين الكرديين. وتسود خلافات عميقة بين “الاتحاد” و”المجلس”، يحتاج حلّها إلى جهود مضاعفة من الإدارة الأميركية المشرفة على حوار بينهما، لم يحقق نتيجة حتى اللحظة. في الأثناء، يزور وفد من “الاتحاد الديمقراطي” حالياً دمشق، في إطار جولة جديدة من التفاوض مع النظام، لم تفض سابقاتها إلى أي نتيجة.
واعتبر عضو الهيئة الرئاسية المشتركة لـ”الاتحاد الديمقراطي”، آلدار خليل، في تصريحات صحافية أطلقها أول من أمس الجمعة، أن الاتفاق مع “المجلس الوطني الكردي” في سورية “خيانة لدماء الشهداء”، على حدّ تعبيره. خليل، الذي يرأس وفد الأحزاب الكردية، أو ما يُعرف بـ”أحزاب الوحدة” التي تدور في فلك “الاتحاد الديمقراطي” المنخرطة في حوار مع “المجلس” المنضوي في صفوف المعارضة السورية، اتهم الأخير بـ”العمالة” لتركيا. وقال في هذا الصدد: “عندما نجلس على طاولة المفاوضات مع أعضاء المجلس الوطني، نغلق أعيننا ونفتحها وكأننا نفاوض الأتراك”.
وكان خليل نفسه قد اتهم، في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، في تصريحات صحافية أيضاً، قوات البشمركة السورية بأنها “مرتزقة للدولة التركية، واستخدمتها في شنكال (سنجار) وقنديل”. وتابع: “مثلما استخدم (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان المرتزقة في ليبيا وأذربيجان، يستخدم هؤلاء أيضاً، ولهذا ليس من الممكن قبولهم، فالذين عملوا مرتزقة، ليس من المعقول أن يكون لهم دور أو وظيفة في المجال العسكري”.
وتؤكد تصريحات خليل أن حزب “الاتحاد الديمقراطي” يختلق الذرائع لإفشال الحوار مع “المجلس الوطني الكردي”، الذي يتلقى دعماً كبيراً من قيادة إقليم كردستان العراق. ومن المقرر أن يشرع الطرفان في جولة مفاوضات جديدة تُعد الأولى في عهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، غايتها التوصل إلى اتفاق بينهما ينهي حالة القطيعة، ويؤسس لتشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين تمثلهم في استحقاقات الحلّ السياسي. واصطدم الحوار بين الطرفين، والذي يكاد يرقى إلى مستوى المفاوضات، وبدأ في إبريل/ نيسان الماضي، بعقبات عدة، أبرزها إصرار المجلس على عودة قوات البشمركة السورية والمتمركزة في شمال العراق إلى منطقة شرقي نهر الفرات، وفكّ ارتباط “الاتحاد الديمقراطي” بحزب “العمال الكردستاني”، وإلغاء التجنيد الإجباري، بالإضافة إلى حسم مصير المعتقلين والمختطفين.
وتعليقاً على تصريحات خليل الأخيرة، قال عضو الهيئة الرئاسية لـ”المجلس الوطني الكردي”، المنسق العام في حركة “الإصلاح الكردي”، فيصل يوسف، إن “مسألة وحدة الموقف الكردي، مسألة استراتيجية بحسب قرارات المؤتمر الوطني الكردي الثالث”. وأكد يوسف لـ”العربي الجديد” أن المجلس “يسعى باستمرار إلى إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، ووجود ضامن دولي ومفاوضات تفضي إلى اتفاقية مستدامة بمرتكزات قوية، وتحقق شراكة فعلية”. ودعا أحزاب الوحدة إلى “أن تأخذ بالاعتبار عدم تكرار الأسباب التي أدّت لانهيار الاتفاقيات الثلاث مع حزب الاتحاد الديمقراطي في السنوات السابقة، وكانت آخرها اتفاقية دهوك المعتمدة حالياً كأساس للمفاوضات”. وشدّد عضو الهيئة الرئاسية لـ”المجلس الوطني الكردي” على “تأكيد المجلس أهمية استمرار المفاوضات التي تجرى برعاية الولايات المتحدة”، لافتاً إلى أن قائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي “تعهد بإزالة الآثار السلبية التي حدثت خلال الشهور الماضية بسبب حرق مكاتب المجلس والاعتقالات والتصريحات الإعلامية المسيئة له”.
وبحسب مصادر مطلعة، يعد آلدار خليل المولود في محافظة الحسكة السورية في عام 1970 من “الصقور” في “العمال الكردستاني”، الذي يعد “الاتحاد الديمقراطي” نسخة سورية منه. وأشارت المصادر في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن تصريحات خليل المتكررة المسيئة للمجلس الوطني “تؤكد أن العمال الكردستاني يحاول التملّص من المفاوضات، كي يبقى متفرداً في القرار برمته في منطقة شرقي نهر الفرات”. ويسيطر “الاتحاد الديمقراطي”، تحت غطاء “قسد” وبدعم أميركي مباشر، على نحو ثلث مساحة سورية، إذ يفرض سيطرته على جلّ منطقة شرق الفرات التي يُنظر اليها باعتبارها “سورية المفيدة” بثرواتها المائية والزراعية والنفطية.
من جهته، رأى نائب رئيس “رابطة الكرد السوريين المستقلين”، رديف مصطفى، أن الحوار بين “المجلس الوطني” و”الاتحاد الديمقراطي” لا جدوى منه، معتبراً في حديث لـ”العربي الجديد” أنه “خدمة مجانية للاتحاد الذي يتبع لحزب العمال الكردستاني، الذي لا يقبل أي شراكة فعلية مع الآخر”. وأوضح مصطفى أن “المجلس الوطني الكردي يطالب بشراكة في تقاسم السلطة والثروة، لكن العمال الكردستاني يعمل على إنهاء المجلس عبر الاتهامات والضغوط الداخلية، أو عبر إبعاده عن قوى الثورة والمعارضة السورية”.
على صعيد ذي صلة، وفي الوقت الذي يدفع فيه “الاتحاد الديمقراطي” لإفشال الحوار مع “الوطني الكردي”، أكدت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد” أن وفداً من هذا الحزب يزور العاصمة السورية دمشق حالياً لـ”إجراء مفاوضات جديدة مع النظام السوري”، مشيرة إلى أن هذه المفاوضات “لم تحقق حتى اللحظة أي نتائج”. ومنذ عام 2018، يجري النظام و”الاتحاد الديمقراطي” جولات تفاوض تنتهي بالفشل الذي يعقبه تصعيد إعلامي، خصوصاً من قِبل النظام الذي يعتبر “قسد” أداة أميركية في الشمال الشرقي من سورية. ويبحث أكراد سورية عن مكاسب سياسية وعسكرية وثقافية في منطقة شرقي نهر الفرات، بينما يطالب النظام “قسد” بتسليمه منطقة شرقي نهر الفرات مقابل بعض المكاسب الثقافية، وهو ما ترفضه هذه القوات التي تدرك عجز النظام على استعادة المنطقة عن طريق عمل عسكري في ظل الوجود الأميركي.
المصدر: العربي الجديد