بايدن في البيت الأبيض… هل تنتقل إيران كليّاً إلى المعسكر الشّرقي؟

يوسف بدر

لن تبتعد سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن عن سياسة الرئيس الأسبق، الديموقراطي باراك أوباما؛ لجهة “لعبة الشد والجذب” و”سياسة ترويض الوحش”، وهي السياسة التي أربكت دولاً من المعسكر الشرقي مثل روسيا والصين. وكانت إيران ضمن سياسة الترويض هذه، التي عادت بعودة رئيس ديموقراطي مرة أخرى إلى البيت الأبيض. ويبدو أن الإدارة الجديدة لديها رغبة في استكمال “خطوة أوباما” بفك الارتباط بالشرق الأوسط والتوجه نحو آسيا؛ وهو ما قادها للتفاوض مع إيران واجتذاب تركيا وقطر ودعم ثورات الربيع العربي؛ من أجل رسم خريطة جديدة في المنطقة تضمن مصالح الولايات المتحدة، قبل خروجها منها والتوجه نحو منطقة جديدة تضمن للولايات المتحدة الأميركية منحها قرناً جديداً من الريادة والزعامة في العالم.

والتحركات التي تقودها إدارة الرئيس بايدن تجاه إطفاء الحروب في مناطق شرق أوسطية، مثل ليبيا واليمن، وكذلك اعتماد سياسة دبلوماسية للتفاوض مع إيران؛ تُظهر أن الإدارة الجديدة تتجه إلى اعتماد دبلوماسية تخلّصها من مستنقع الشرق الأوسط، وكذلك خطابه الأول حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة في 4 شباط (فبراير) الجاري وتعهد فيه تبني نهج متشدد مع روسيا والصين، وأيضاً التقارب والمشاورات التي تقودها إدارة بايدن مع الحلفاء الأوروبيين؛ كل هذا يُظهر أن بايدن يمضي نحو احتواء الأوروبيين خشية من تقاربهم مع دول معسكر الشرق مثل الصين وروسيا، بعدما دار الحديث عن اتفاق الاستثمار المشترك بين الاتحاد الأوروبي والصين؛ رداً على سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب.

نحو آسيا

تُظهر الهيكلة التي قام بها مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان، لفريق الأمن القومي في الشرق الأوسط وآسيا ـ وقضت بخفض الفريق المخصص لشؤون الشرق الأوسط، وتوسيع دائرة الفريق المعني بالسياسة الأميركية في منطقة المحيط الهندي حتى المحيط الهادئ ـ إعطاء هذه الإدارة الأولوية لمنطقة آسيا والتوجه نحوها؛ بخاصة أن التحركات الصينية باتت تمضي على وتيرة متسارعة تُقلق الولايات المتحدة على مستقبلها في ريادة العالم وقيادته. ومقارنة بالشرق الأوسط، يتأثر الداخل والاقتصاد الأميركيان بالتحولات في آسيا أكثر من نظيرتها القادمة من الشرق الأوسط.

ويأتي في سياق ذلك اختيار بايدن السياسي المخضرم كورت إم. كامبل الذي كان يعمل في إدارة أوباما، ليشغل منصب “قيصر آسيا”، وليكون منسّق البيت الأبيض لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والعلاقات مع الصين في مجلس الأمن القومي، بخاصة أن كامبل يحمل رؤية واضحة تجاه آسيا وأميركا الجديدة، فهو أحد مؤسسي “مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد”. وكتابه “المحور” الذي أصدره عام 2016، يعبّر عن نهجه تجاه آسيا، المبني على ضرورة توثيق العلاقات مع دول آسيوية مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا من أجل مواجهة منافس صاعد هو الصين.

إيران والمعسكر الشرقي

يبدو أن النظام في إيران يدرك خطط الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة ويستثمر فيها، ولذلك نجد هذا النظام يحاول ركوب هذه الخطط واستغلالها، بما يجعله إحدى القوى الرئيسة المساهمة في إعادة تشكيل هذه المنطقة، وهو ما يفسّر الطموحات الإيرانية التي تزامنت مع عهد الرئيس الأميركي أوباما، بدءاً من العراق مروراً بسوريا ولبنان واليمن.

وبالنظر إلى تركيبة إيران السياسية وأجنحتها، وكذلك بالنظر إلى تجربة الاتفاق النووي وإفشاله من جانب المتشددين في إيران، نجد أن معسكر المرشد الأعلى، علي خامنئي، ومعسكر الحرس الثوري والمحافظين من السياسيين ورجال الدين؛ يفضلون التوجه نحو المعسكر الشرقي، مثل دول روسيا والصين، في مواجهة الغرب الذي يحتل مساحة كبيرة في الخطاب الأيديولوجي المعادي الذي تشكل بعد مرحلة ثورة 1979. إلى جانب أن هذا التوجه يمثل نقطة إضعاف وإفشال لمعسكر الإصلاحيين الذي يتشجع للتقرب من الغرب وأوروبا؛ ولذلك نجد الحكومة الإيرانية في عهد الرئيس الإصلاحي حسن روحاني لم تُسرع من عجلة إتمام العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية التي تم إبرام مذكراتها مع كل من روسيا والصين.

ويعبّر إصرار المرشد علي خامنئي على موقفه بشأن الاتفاق النووي – بأن لا عودة الى الاتفاق إلا إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات كاملة وعملياً – عن إصرار من الجانب المتشدد في إيران على إدارة عملية التفاوض مع واشنطن، بما يحافظ على خطط إيران في المنطقة. بخاصة أن الإدارة الأميركية تحشد القوى الأوروبية والخليجية والإقليمية وتتشاور معها؛ بما يساعدها على إعادة تشكيل تصور صحيح لصوغ اتفاق شامل مع إيران.

ويشكل قدوم إسرائيل وتطبيعها مع دول منطقة الخليج العربي المحاذية للحدود الإيرانية، نقطة تغيير فارقة في تغيير التوازنات والتحالفات الإقليمية. ولهذا دعا الإصلاحيون في إيران، ممثلين في حكومة الرئيس روحاني، إلى إبرام معاهدة عدم الاعتداء بين دول المنطقة، وأطلقوا مبادرة هرمز للسلام، بما يضمن السّلم في منطقة هرمز الحيوية بالنسبة الى اقتصاد العالم، بينما شعر المحافظون بالخطر من هذا التغيير على مصالحهم الخارجية وطموحاتهم الإقليمية؛ واتجه المرشد الأعلى إلى كسب الحلفاء الشرقيين، بما يضمن لإيران تحقيق توازن أمام هذه التغييرات في موازين القوى في منطقة الخليج العربي، بخاصة أن دول الخليج استثمرت فترة الرئيس السابق، دونالد ترامب، في تعزيز قدراتها التسليحية.

قاليباف رأس حربة النظام

ينتمي رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، إلى طبقة السياسيين المحافظين وكذلك إلى طبقة العسكريين بتاريخه في الحرس الثوري؛ ولذلك تشير سياسته المعارضة لحكومة الرئيس روحاني، وقفزه المتكرر على صلاحيات الحكومة، وموقفه من الاتفاق النووي والتفاوض مع واشنطن؛ إلى أنه بات يمثل رأس حربة النظام في مواجهة الإصلاحيين وفي قيادة خططه المستقبلية في ظل التحولات الإقليمية. وقد يتطور الأمر بأن يسمح له النظام بالتقدم الى الانتخابات الرئاسية المقبلة والفوز فيها في حزيران (يونيو) المقبل، في ظل فراغ الحياة السياسية من منافسة حقيقية، وفقدان الإصلاحيين شعبيتهم في الشارع الإيراني.

بهذا المشهد الذي يظهر ازدواجية السلطة في إيران، سافر قاليباف إلى موسكو، الأحد 7 شباط (فبراير) في زيارة رسمية تستمر لمدة 3 أيام، حاملاً معه رسالة هامة من المرشد الأعلى إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبرغم أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف زار العاصمة الروسية الأسبوع الماضي، فإن خامنئي فضّل تسليم الرسالة عبر قاليباف، وإرسالها بشكل شفوي وغير مكتوب، نظراً الى أهميتها.

وتؤشر المدة التي تستغرقها هذه الزيارة، وإصرار قاليباف عليها برغم التحذيرات الخاصة ببروتوكول مكافحة كورونا، وطبيعة الوفد المرافق، إلى أهمية هذه الزيارة التي رافقه فيها رئيس لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية النيابية حجة الإسلام ذو النوري والمتحدث باسم اللجنة أبو الفضل عموئي، ورئيس لجنة الطاقة النيابية فريدون عباسي ولجنة الزراعة سيد جواد ساداتي نجاد.

وتشير التقديرات إلى أن الرسالة التي حملها قاليباف ليسلمها الى ممثل خاص للرئيس الروسي، تدور حول انضمام إيران إلى منظمة أوراسيا الاقتصادية (روسيا وكازاخستان، وقرغيزيا وأرمينيا وروسيا البيضاء). وكذلك استعداد طهران لتفعيل الاتفاقية الاستراتيجية مع روسيا، التي تشبه “الاتفاقية الاستراتيجية” بين إيران والصين، والتي تشمل امتيازات واستثمارات اقتصادية وعسكرية وأمنية واسعة وضخمة.

والمحصلة، أنه إذا دخلت اتفاقيات إيران الاستراتيجية مع الصين وروسيا حيّز التنفيذ؛ فهذا يعني أن التقارب مع الولايات المتحدة الأميركية ليس خياراً استراتيجياً بالنسبة الى المحافظين في إيران، ويجب ألا يراهن عليهم بايدن في عقد اتفاق بين واشنطن وطهران، وأن النظام في إيران يحاول سد ثغراته في مواجهة التحولات التي طرأت على المنطقة، بما فيها دخول إسرائيل إلى منطقة الخليج. وأيضاً، خطط واشنطن لفك الارتباط معها. ولذلك تركز طهران على سد ثغراتها العسكرية والاقتصادية أولاً من خلال التقارب مع الحلفاء الشرقيين، وعلى رأسهم روسيا والصين.

المصدر: النهار العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى