شعار الدبلوماسية الذي ترفعه الإدارة الجديدة ألقى بظلاله على نهجها لحل الأزمة اليمنية لكن ثابت الدفاع عن الحلفاء لم يتزعزع. على الرغم من أن خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الخميس الماضي، أسهم بشكل كبير في الحد من الغموض الذي شاب توجهات سياسته الخارجية، فإنه في الوقت نفسه، أثار تساؤلات عدة حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، وعن الثوابت التي ستحافظ الإدارة الجديدة عليها أثناء المرحلة الانتقالية، التي تأمل من خلالها تعزيز حضور الدبلوماسية باعتبارها عاملاً أساساً للطريقة التي تخط بها أميركا مصيرها.
رهان الدبلوماسية
من الواضح أن بايدن لا يريد زعزعة التحالفات، ومنها التحالف الأميركي – السعودي، فهو يعدّ هذه المكتسبات “أعظم ما تملكه الولايات المتحدة”، لكنه يسعى إلى إعادتها إلى مسار العمل الدبلوماسي المنظم الذي لا يغفل القيم الأميركية. لذلك، اختار الرئيس الديمقراطي مقر وزارة الخارجية، لإلقاء خطابه الأول حول السياسة الخارجية، وذكر فيه كلمة الدبلوماسية أكثر من 20 مرة، معتبراً أن “القيادة بالدبلوماسية تعني الوقوف جنباً إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا الرئيسين مرة أخرى”.
السعودية، كونها أحد حلفاء الولايات المتحدة الرئيسين في منطقة الشرق الأوسط الغارقة في صراع القوى الكبرى، استحوذت في الأسبوعين الماضيين على مساحة كبيرة من تصريحات الإدارة، ولم يكن ذلك مفاجئاً، فدور الرياض يتقاطع في ملفات ذات أولوية قصوى لدى بايدن، هي الأزمة اليمنية وبرنامج إيران النووي، الملفان اللذان بات من الواضح أن واشنطن تريد حلهما سياسياً، لكن هذه الرغبة بإحلال الدبلوماسية قد تصطدم بمنعطفات صعبة في الشرق الأوسط، حيث تتصارع أطراف خارجية في سوريا، وتحرك إيران لاعبيها في العراق ولبنان واليمن، في الوقت الذي تحلم دول الخليج الست، وفي مقدمها السعودية، بمنطقة آمنة تواكب طموحاتها الاقتصادية.
مع هذا لا تقر إيران بأي تدخل في مناطق الصراع المذكورة، فمثلا في سوريا تقول إن دعمها يقتصر على تقديم استشارات إلى حليفتها وكذلك الحال في العراق إذ أكد قائد فيلق قدس إسماعيل قاآني في وقت سابق أن بلاده ترفض أن تزجّ بنفسها في الخلافات بين الميليشيات العراقية وتسعى إلى تقريب وجهات النظر إن طُلب منها.
تبعات يصعب التنبؤ بها
مراجعة إدارة بايدن مواقف الإدارة السابقة تجاه إيران، وإعادة النظر في تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، بالإضافة إلى وقف دعم العمليات العسكرية في اليمن، خطوات قد تجعل بايدن متغيراً في معادلة أحد طرفيها النجاح أو الفشل، فالقرارات التي سترسم ملامح واشنطن الجديدة، وتعيد صياغة العلاقة مع حلفائها، ستكون لها تبعات يصعب التنبؤ بها، وهي إن لم تسرع عملية الوصول لحل سياسي يطوي الأزمات المشتركة، فإنها على الأرجح ستقوض الجهود السابقة، بخاصة في ما يتعلق بكبح جماح طموحات إيران النووية.
المفاوضات مع إيران
الاتفاق النووي يقف على رأس قائمة الملفات التي ستمتحن صلابة العلاقات الأميركية – السعودية، فعلى الرغم من أن الأشهر الماضية، شهدت دعوات سعودية وغربية إلى إشراك دول المنطقة في أي مفاوضات مقبلة مع طهران، فإن الرياض لطالما انتقدت الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة أوباما، كونه مكّن إيران “من التوسع العدواني في المنطقة مدعومة بأيديولوجيتها المتطرفة”، كما يرى نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان.
وبينما يلوح في الأفق توافق نسبي بين واشنطن والرياض على مسألة الدخول في مفاوضات جديدة مع إيران، فإن القرارات الأميركية الأخيرة بتجميد صفقات السلاح، وإنهاء الدعم للعمليات العسكرية في اليمن، وإعادة النظر في تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، بالإضافة إلى التكهنات التي تفيد بأن الإدارة الحالية تدرس تخفيف الضغط على طهران، عوامل قد تؤثر في مسار العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، في حين لم يعد المجال أمام إدارة بايدن متاحاً لتجاهل اللاعبين الإقليميين في تحديد بنود أي اتفاق مقبل، إذ باتت مشاركة دول المنطقة ضرورية للخروج بصيغة تطمئن الأقطاب المتصارعة، بخاصة مع تزايد المخاوف بشأن برنامج إيران الصاروخي، والهجمات المتزايدة التي تتعرض لها السعودية.
وترفض إيران الاتهامات الموجهة إليها بشأن الهجمات الصاروخية التي تتعرضها لها السعودية مع هذا لم يخف المسؤولون الإيرانيون دعمهم للميليشيات المنخرطة في صراعات مسلحة في اليمن والعراق.
بايدن يتعهد والسعودية ترحب
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أنهت دعمها للعمليات العسكرية في اليمن، فإن الرياض لم تتردد في الترحيب بخطاب الرئيس بايدن الذي أقر فيه بتعرض السعودية “لهجمات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيرة وتهديدات أخرى من قبل القوات التي تدعمها إيران في عديد من البلدان”، مؤكداً مواصلة دعم السعودية ومساعدتها للدفاع عن سيادتها وسلامتها الإقليمية.
ويمكن تفسير الموقف السعودي المتسق مع الولايات المتحدة في ما ذكره مستشار الأمن القومي جايك سوليفان، من أن الإدارة بادرت بالتشاور في مسألة إنهاء الدعم للعمليات العسكرية الميدانية في اليمن مع مسؤولين كبار في السعودية والإمارات. بالإضافة إلى تصريحات وزارة الدفاع الأميركية التي أوضحت أن دعمها “المحدود” للعمليات اقتصر على الوسائل غير القتالية، فضلاً عن أن “البنتاغون” لم يتوصل بعد لطريقة تنفيذ قرار الرئيس بايدن.
خطوات متوقعة
من جانبه، يرى الدكتور هشام الغنام، المتخصص في السياسة والعلاقات الدولية، أن “مراجعات” إدارة بايدن كانت متوقعة، ولم تأت مفاجئة للسعودية، فرغبة واشنطن في إنهاء حرب اليمن لم تكن سرا، وتشترك معها الرياض في ذلك. أضاف، “المشكلة اليمنية أو الحوثية هي امتداد للمشكلة الإيرانية، ومن المستحيل فصل الاثنين عن بعضهما في أي مقاربة لحلول سياسية منتظرة وهذا الفهم متضح إلى حد ما في التصريحات والتصرفات الأميركية الأخيرة وإن لم يكن بالقدر المطلوب”.
ويضيف كبير الباحثين بمركز الخليج للأبحاث والمتخصص في استراتيجيات الحرب والعلاقات الدولية، أن الرغبة الأميركية في إمكانية التوصل لتسوية سياسية سريعة، هي واضحة، بخاصة بعد تعيين المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، لكنه يؤكد على ضرورة مراعاة ألا يسهم ذلك بتخفيف الضغط عن الحوثيين والداعم الإيراني، لأن هذا هو ما سيؤخر الحل السياسي، على حد رأيه.
وعلى الرغم من أن إدارة بايدن أوضحت أن إنهاء الصراع اليمني من أولوياتها، فإن الغنام يعتقد بأن الولايات المتحدة لا تمتلك استراتيجية لحل الأزمة بعد، مشيرا إلى أن تعيين ليندركينغ خطوة أولى نحو تشكيل هذه الاستراتيجية، وأن وقف الاشتباكات العسكرية هو هدف أميركي لكن لا يبدو أن هناك خريطة طريق واضحة تتلو هذا الهدف.
تحركات عسكرية
وبينما غيرت إدارة بايدن ملامح السياسة الخارجية بتوجهات تتناقض مع المبادئ التي وضعتها الإدارة السابقة، بدا أمن الحلفاء والتنسيق العسكري المشترك من الثوابت التي لم يمسها التغيير، إذ استمرت التحركات العسكرية بين الرياض وواشنطن، وسعت الولايات المتحدة إلى توسيع انتشار قواتها، وتطوير قواعد إضافية ذات أغراض عسكرية ومدنية في السعودية، لاستخدامها في حال نشوب صراع مع إيران، وفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وبات من المألوف في الآونة الأخيرة، مشاهدة الاستعراضات العسكرية على حساب القيادة المركزية للجيش الأميركي في “تويتر”، الذي نشر في ديسمبر الماضي (كانون الأول)، مقطع فيديو يظهر تحليق قاذفات أميركية من طراز B-52، ترافقها 4 مقاتلات جوية سعودية، من طراز F-15 أميركية الصنع، تحرس القاذفتين المتجهتين نحو منطقة الخليج.
وعلى صعيد التعاون العسكري، انطلق في ديسمبر الماضي، تمرين مخالب الصقر 2 بين القوات البرية السعودية بمشاركة القوات الأميركية في المنطقة الشمالية الغربية. وقالت وكالة الأنباء السعودية “واس”، إن “التدريبات تهدف إلى تعزيز توافق العمل والتعاون العسكري المشترك بين البلدين الصديقين وتبادل الخبرات والمفاهيم ورفع الجاهزية القتالية لمواجهة التحديات”
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، رفعت السعودية جاهزية قواتها البحرية، بمجموعة تمارين بمشاركة القوات البحرية الأميركية، وقانصة الألغام البريطانية، تسعى من خلالها إلى تأمين الممرات المائية في المنطقة. كما شاركت القوات السعودية بمقاتلاتها “إف-15 إس اي”، ونظيرتها الأميركية بالقاذفة الإستراتيجية “بي-52” ومقاتلات “إف-16” في تمرين لرفع أعلى درجات الاستعداد، وتحقيق التوافق والتكامل العملياتي لتوحيد العمل المشترك.
الاقتصاد ورقة سعودية
اقتصادياً، ترى كارين يونغ، الباحثة في معهد “أميركان انتربرايز”، أن على إدارة بايدن أخذ السعودية على محمل الجد، لأن الرياض قادرة بفضل أصولها الاحتياطية واستثماراتها ومعداتها العسكرية على التأثير في الاقتصاديات السياسية للاعبين الإقليميين الآخرين، مثل السودان ومصر وباكستان وإثيوبيا.
وفي الوقت الذي عزز فيه منتجو النفط والغاز في الخليج العربي شراكاتهم الاقتصادية مع بكين، قالت يونغ في مقالة في مجلة “فورين بوليسي”، إنه إذا كانت مواجهة الصين من أولويات الأمن القومي للولايات المتحدة، فإن واشنطن ستحتاج إلى البدء من الشرق الأوسط، وتعزيز العلاقة مع السعودية، كونها “تمتلك بعضاً من أنظف وأرخص مصادر إنتاج النفط على الكوكب، ومؤهلة لتكون منتجاً رئيساً إلى أن يتوقف العالم عن استخدام النفط، وهذا أمر بعيد المنال”.
المصدر: اندبندنت عربية