لم يخالف النظام السوري، كعادته، التوقعات التي راهنت على أنه لن يبدي جدية في نهاية الجولة الخامسة من مشاورات اللجنة الدستورية، وذلك من خلال ورقة قدّمها اعتبرت لا دستورية، ولا تمت للجولة ولا لمهام اللجنة بصلة، في الوقت الذي أخبر به المبعوث الأممي غير بيدرسون الحضور في الجلسة الختامية بأن مسار اللجنة سيواجه صعوبة في الاستمرار في حال بقيت الجلسات دون منهجية وتعامل جدي مع مهامها، مُتهرّباً أكثر من مرة خلال مؤتمره الصحافي من ذكر الطرف المعطّل لمسار الدستورية.
الورقة التي قدّمها وفد النظام ممهورة بتوقيع أحمد الكزبري، تطالب بـ”الرفض التام” للأعمال “الإرهابية” التي تقوم بها “التنظيمات، بما فيها داعش والنصرة والإخوان المسلمون ومن ارتبط بهم أو تحالف معهم”، ورفض “الإرهاب الاقتصادي المتمثل بتدمير البنى التحتية وتفكيك وسرقة المعامل ونهب الثروات الوطنية وبيعها مثل النفط والقمح، هذا إضافة إلى فرض الإجراءات والتدابير القسرية أحادية الجانب على الشعب السوري”.
وطالبت الورقة، التي حصل “العربي الجديد” على نسخة منها، بـ”مناهضة الاحتلال الأجنبي”، و”دعم الجيش العربي السوري بكل السبل”، و”رفض أي عمل سياسي أو عسكري من شأنه المساس بوحدة الأراضي السورية”، وقدمت الورقة شرحًا لـ “تجليات” الهوية الوطنية من خلال “اسم الدولة الجمهورية العربية السورية، واللغة الرسمية للدولة هي اللغة العربية، والانتماء والولاء للوطن والدفاع عنه، والشعور العام للفرد بالانتماء إلى كامل التراب الوطني”، وأيضًا “عدم المساس بالرموز الوطنية كالعلم والنشيد الوطني والشعار الوطني”.
طالبت الورقة التي طرحها النظام بـ”مناهضة الاحتلال الأجنبي”، و”دعم الجيش العربي السوري بكل السبل”، و”رفض أي عمل سياسي أو عسكري من شأنه المساس بوحدة الأراضي السورية”
ودعا النظام الحضور في ورقته إلى “تشجيع اللاجئين السوريين على العودة إلى وطنهم بكل السبل الممكنة وضمان هذا الحق، بما في ذلك عبر رفض ما تقوم به بعض الحكومات والمنظمات والجهات والكيانات من عرقلة ذلك تحت ذرائع واهية”، ودعت أيضًا الورقة إلى “المعالجة العاجلة للملف الإنساني في سورية عدم دعم جهود الدولة السورية في رفع المعاناة الإنسانية عن شعبها”.
وقالت مصادر “العربي الجديد” في جنيف إن “الورقة التي قدّمها النظام كانت بنظر المعارضة أسوأ من كل الأوراق التي قُدّمت سابقًا”، حتى إن توقعات بعض المعارضين بـ”بجدية وعود المبعوث الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتيف بالضغط على النظام ذهبت أدراج الرياح”. وقال رئيس وفد المعارضة في جنيف، والرئيس المشترك للجنة الدستورية، هادي البحرة، للحضور قبل نهاية الجلسة الختامية، إنه “إذا لم تكن هناك منهجية واضحة للعمل، والنقاشات فيها صياغات، فلن نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة”.
ووفق المصادر، فإن المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون عبّر عن استيائه أيضًا، وقال في كلمته الختامية داخل القاعة إن هذه الجولة “لم تحقق شيئاً، ولم يتم حتى الاتفاق فيها على منهجية الجلسات”، وعقّب بأنه “لن نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة إذا استمر العمل على هذا المنوال”، كما أضاف بيدرسون أنه سيذهب إلى دمشق ويحاول إقناع النظام السوري، “لكن لن نستطيع الاستمرار بهذه الطريقة”.
وكان هادي البحرة رفقة عدد من أعضاء وفد المعارضة قد التقى أمس الوفد الروسي برئاسة لافرنتيف، وبحسب مصادر “العربي الجديد” فإن “اللقاء كان بطلب روسي، وليس بطلب من وفد المعارضة، ولافرتيف أكد خلاله أنه سيضغط على النظام من أجل العمل بجديّة، وأن وفد النظام سيُقدم ورقة تلامس مهام الجولة واللجنة”، في الوقت الذي استبعدت فيه المصادر “أن تكون هناك أي فاعلية للتصريحات الروسية، حتى على مستوى المستقبل القريب، روسيا مرّرت رسائلها هي والنظام عبر مداخلات الجولة التي انتهت اليوم، وهذه الرسائل واضحة وتعكس حقيقة رؤيتهم للحل السياسي في سورية”.
وأكّدت المصادر أن كثيراً من الأعضاء المعارضين في الجولة “محبطون جدًا”، ويعتقدون “أن كل المحاولات لفتح نقاشات تتصل بمهمة اللجنة الدستورية كان يواجهها تجاهل من النظام الذي يرفض الحديث عن أي موضوع متصل بالدستور”.
وأعاد بيدرسون ما أخبر به الوفود الثلاثة داخل القاعة، وقال في مؤتمره الصحافي بعد الجلسة إن هذه الجولة “كانت مخيبة للآمال”، وغير معروف كيفية المضي قدماً في هذا المسار، مشيراً إلى أن الجولة بدأت دون تحديد منهجية “لأن النظام رفض مقترح المعارضة والمقترح الذي تقدّمت به”.
وأَضاف أن “هذا الأسبوع أثبت أن هذا النهج غير مجدٍ، ولن نستطيع المواصلة دون تغيير طريقة العمل”، موضحًا أنه ناقش “الرئيسين المشاركين، وأخبرهما بضرورة التعاون معاً أكثر، وآمل الذهاب إلى دمشق قريبا لمناقشة هذه الأمور، وكيفية تنفيذ السلال الأخرى للقرار (2254)”، قائلًا إنه سيجتمع “مع الروس والإيرانيين والأتراك والأصدقاء العرب والأوروبيين، والإرادة الأميركية الجديدة”.
وتابع أنه “في هذه الأيام الخمسة سمعنا مداخلات ممتازة، لكن ما نفتقده هو آلية استخدام هذه المداخلات، والتمكن من الانتقال فيما بعد إلى مرحلة الصياغة”، وحول الجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة، قال بيدرسون إنه “لا يوجد موعد متفق عليه للجولة القادمة، وسأقدم إحاطة إلى مجلس الأمن”. وحول سؤال وُجّه إلى بيدرسون عن الطرف الذي خيّب أمل الأمم المتحدة، تهرّب المسؤول الأممي من الإجابة وتحدّث عن اجتماعاته مع الدول، وقال إنها ستستمر وتتكثّف في الأيام المقبلة.
المصدر: العربي الجديد