نافالني قلق الكرملين الدائم

بسام مقداد

لم تتوقف احتجاجات نافالني بوجه الكرملين عند تظاهرات السبت المنصرم، بل ستتجدد الأحد في 31 من الشهر الجاري، كما دعت لجنة “احتجاجات روسيا” وحددت مواعيد التجمع وأمكنتها ومسارها في حوالي 100 مدينة روسية. وتتهيأ السلطة لمرحلة طويلة من المواجهة مع المعارضة، إذ أنها تدرك، أن روسيا بعد عودة نافالني من رحلة العلاج من تسميمه، لم تعد كما كانت عليه قبلها. وتعرف أن قرار نافالني بالعودة إلى روسيا، يعني تصميم المعارضة على الإستمرار في زعزعة النظام، من خلال المظاهرات السلمية في كافة المدن الروسية.

المؤرخ الروسي الكبير أندريه زوبوف، صاحب المؤلف التاريخي الفذ “تاريخ روسيا في القرن العشرين”، كتب على موقعه في الفايسبوك، بعد يوم واحد من عودة نافالني، نصاً بعنوان “روسيا غدت مختلفة”. يقول زوبوف، أن يوماً واحداً، بعد عودة ألكسي نافالني إلى الوطن، كان كفيلاً بتغيير روسيا، روحياً وفكرياً حتى الآن، لكن قريباً جداً سوف تترجم في حقل السياسة أيضاً.

لقد اختفى الزعيم، الذي لا بديل له، وظهر بديل أخلاقي له، وليس بديلاً شخصياً فحسب. فقد غدا الآن “مريض برلين” الشجاع معروفاً للعالم أجمع ولسائر روسيا كطامح للمنصب الأعلى في البلاد. وهو سيشارك، بالتأكيد، في انتخابات حرة تنافسية بينه وبين فلاديمير بوتين، نتيجتها محسومة لصالحه.

خلال ساعات معدودة، يقول زوبوف، تحول فلاديمير بوتين من زعيم قومي انتخبه 40% من الروس، إلى مهرج روسيا ألكسندر لوكاشنكو، الذي يمسك بالسلطة في بيلوروسيا بالقوة الغاشمة، والمحتقر والمكروه من شعبه والمجتمع الدولي بأسره.

في خريف العام 2013 قدم بوتين نفسه، واعترف به العالم كزعيم للموجة “اليمينية الجديدة”، ورسخ موقعه هذا، حسب قوله ، باجتياح القرم العام 2014 . لكنه الآن، فقد كل شئ على الساحة الدولية، حتى آيات الله الإيرانيون والشيوعون الصينيون يكادون لا يخفون إبتسامة الإزدراء. أما القادة اليمينيون الأوروبيون، فهم يتجنبون الآن بوتين كما الجذام، ويحرصون على الإبتعاد عن الكرملين، إذا كانوا لا يزالون يأملون بالفوز في الإنتخابات. وهذيان لافروف عن أزمة الليبرالية، التي يريد زعماء العالم الديموقراطي تغطيتها بالدفاع عن نافالني، لا يقتنع به هو نفسه، و”اندهاش” العالم بنظام روسيا التسلطي القوي، يتآكل منذ زمن بعيد، إلا أنه انهار اليوم ، في يوم واحد، برأي الكاتب.

إن عودة ألكسي نافالني إلى موسكو، وإعتقاله الفوري، ومحاكمته السريعة، “صفرت” السلطة الروسية الحالية على نحو نهائي لا رجعة فيه. والسؤال الوحيد المطروح الآن، هو كم سيطول الطريق من الازدراء العام للشعب حتى سقوط الديكتاتور، الذي أفلس أخلاقياً وإقتصادياً.

ويعتبر الكاتب أنه، حتى لو أقدم ديكتاتور الكرملين على خطوة يائسة مجرمة وقتل نافالني في معتقله، فهذا لن يعيد إليه لا الإحترام ولا الدعم، بل على العكس، سوف ينقلب عليه أكثر أنصاره إنتهازية. وسوف يبرز أشخاص شجعان جدد يواصلون قضية نافالني، كما سبق وبرز أشخاص واصلوا قضية بوريس نمتسوف (قائد إحتجاجات  الروس في 2011 ــــــ 2012 رفضاً لعودة بوتين إلى الرئاسة)، الذي اغتيل على جدار الكرملين.

ومن الآن فصاعداً، أصبح ألكسي نافالني رمز روسيا السياسي والأخلاقي بالنسبة للعالم أجمع، وكف فلاديمير بوتين نهائياً أن يكون كذلك، وتحول إلى “الجد في البونكر” (Bunker ــــــــ مقر هتلر المحصن تحت الأرض في الحرب العالمية الثانية) لا أكثر.

الناشط الإجتماعي المعارض ليونيد كوزمان لا يشاطر المؤرخ زوبوف كل هذا التفاؤل والحماس لعودة نافالني، لكنه يتفق معه، بأن نافالني أصبح، بالنسبة للعالم وللروس، البديل الوحيد لبوتين. فقد نقلت صحيفة “News.ru” يوم عودة نافالني عن صفحته في الفايسبوك نصاً بعنوان “قادم إلينا رئيس”، يمتدح فيه شجاعة نافالني في إتخاذ قرار العودة. ويقول، بأن ممارسة سياسة المعارضة في روسيا، يعني أن تكون يومياً على استعداد للسجن والموت، وهذا ليس كافياً، لكنه الشرط الضروري للنجاح، وأثبت نافالني لنفسه وللجميع، أنه يمتلك مثل هذا الإستعداد.

ويقول الكاتب، بأنه لم يشك لحظة في عودة نافالني إلى روسيا، لأنه هو نفسه يدرك، أنه سيتحول سريعاً إلى منشق في الخارج، وأن قيادة الثورة من هناك ممكنة في كتب التاريخ المدرسية السوفياتية فقط. ويقول، بأنه كان واثقاً من عودة نافالني، حتى لو كان متأكداً، من أنه سيتم إعتقاله على سلم الطائرة، لأنه يعرف، أن الطريق إلى كرسي الرئاسة تمر في بعض البلدان عبر الزنزانة. وغطت عودته حتى على الإضطرابات في الولايات المتحدة، وطارت جداول أعمال المسؤولين، وانهمكت الأجهزة الأمنية بالإجتماعات، وكذلك الرئيس، للبحث في ما ينبغي عمله مع هذا العائد من برلين، لكن ليس لدى الكرملين إستراتيجية ناجحة.

يعتبر الكاتب، أن العالم بأسره إعترف بنافالني البديل الوحيد لبوتين، كما كان في حينه نيلسون مانديلا بديل دو كليرك ونظام الأبارتهايد. لكن نافالني لن ينتصر على بوتين في الإنتخابات، فلن تجري مثل هذه الإنتخابات في روسيا، ولن يكرر بوتين غلطة لوكاشنكو في بيلوروسيا. إلا أن بوسعه، أن يصبح رئيس “لجنة الإنقاذ الوطني”، مثلاُ، والتي ستتشكل على أنقاض النظام، وينتخب إثر ذلك رئيساً.

يختتم الكاتب نصه بالتأكيد، أنه ليس من مريدي نافالني، وإذا ما بقي على قيد الحياة حتى زمن رئاسته، فسوف يكون في صفوف معارضيه. لكنه يقول، بأنه يحترم أمرين لدى نافالني: موهبته في إختيار مستشارين أذكياء وإجادته الإستماع إليهم، وبأنه كبديل لبوتين، لن ينتهج سياسة تسلطية، بل سياسة ديموقراطية، تحترم الحرية وتدافع عنها.

تشير التدابير، التي يتخذها الكرملين لمواجهة إحتجاجات نافالني، بأنه يتهيأ لمرحلة طويلة من الصراع مع حركة هذا المعارض، ويدرك بأنه يشكل خطراً جدياً على سلطته، سيما وأنه يحظى بتأييد الغرب، الذي يرى فيه بديلاً جدياً لبوتين. فقد أقر مجلس الدوما في الأيام الأخيرة قانوناً، رفع بموجبه عقوبة المشاركة في الإحتجاجات غير المرخص لها، أربعة اضعاف (من ألف إلى أربعة آلاف روبل)، وفرض غرامة 20 ألف روبل على المشاركة الثانية فيها. واستحدث في المدارس والمؤسسات التربوية الأخرى وظيفة مسؤول عن مادة “التربية الوطنية” المستحدثة أيضاً، وذلك إثر المشاركة الكثيفة للتلامذة والطلبة في الإحتجاجات الأخيرة.

ويجند الكرملين المواقع الإعلامية الدائرة في فلكه، من أجل تشويه صورة نافالني وتقديمه كعميل للغرب، أو ربيب أجهزة المخابرات ومشارك في صراع أجنحتها المختلفة على السلطة.  ويتهمه، بأنه يعمل على اجتذاب غير البالغين للمشاركة في حركة إحتجاجاته غير المرخص لها، ما يعتبر جريمة بحق القاصرين، يعاقب عليها القانون.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى