عمل الأسد وحلفائه وأصدقائه بكل طاقتهم لاحتواء الثورة وتفكيك شيفرتها، وعندما تمكنوا من ذلك كانوا قد عرفوا من هي الشخصيات التي تتحكم بالثورة على المستوى العسكري والحراك السلمي وهنا بدأت الاغتيالات على كافة المستويات فقُتل الكثير من القادة في ظروف غامضة وغير غامضة، لاسيما الذين أفرزتهم الثورة في أيامها الأولى أمثال مشعل تمو والدكتور عدنان وهبه وعبد القادر الصالح وأبو فرات وغيرهم الكثير من القادة الأوائل وكانت أصابع الاتهام تشير إلى نظام الأسد وكأنه يريد أن يبقي نوعاً واحداً من المعارضين، النوع الذي يخشاه العالم ويمكن وسمه بالإرهاب بسهولة، والذي يتمثل في داعش والنصرة وبعض الفصائل الراديكالية وللحقيقة كان تنظيم الإخوان المسلمين الشريك الحقيقي للأسد في هذه المهمة من خلال شراء ذمم الكثير من قادة الفصائل وإبعاد كل من له تأثير حقيقي على الثورة وبكل الطرق المشروعة وغير المشروعة بالإضافة إلى تشكيل فصائل خاصة بهم حرصت أن لا تشارك في أي معركة حقيقية ضد قوات الأسد وحلفائه خاصة ضد الفصائل الإيرانية التي تتحالف وبشكل علني مع قيادات إخوان سورية الطامحة لاستلام الحكم في سورية أو حتى مشاركة الأسد في بضع وزارات حتى لو كانت وزارات غير سيادية وهذا ما أكده نائب المرشد السوري في احدى مقابلاته على أحد التلفزيونات العربية عندما صرح وبوضوح بأن نظام الملالي في طهران موافق على تسليم السلطة للإخوان أو مشاركتهم الأسد الحكم في سورية وإن هناك قواسم مشتركة عقدية تجمع بين الطرفين.
عوامل داخلية عديدة اجتمعت علويون متماسكون وعاصمة بأمان ومعارضة هزيلة لكن ما الذي كان يجري في الخارج ابتداءً من أميركا في عهد أوباما الذي طعن الثورة السورية وأعطى الرخصة ليجتمع كل القتلة على الأرض السورية، كما نسي أوباما خطه الأحمر عندما استخدم الأسد السلاح الكيماوي ضد أهل الغوطة الشرقية قرب دمشق العاصمة، ونجى الأسد من جريمته وكان هذا إعلان انسحاب أميركا من المشهد السوري والسبب أن أوباما لم يرد الاشتراك في أي حرب بعد سحب قواته من العراق، وبهذا قويت شوكت الأسد كما شجع هذا حلفاء الأسد الصادقين معه على التدخل بشكل أكثر فأكثر لصالحه، فالحليفان الرئيسان لبشار لا يستهان بهما، فالمرشد الإيراني أعطى الأوامر بوضع كل الخطط والبرامج لإبقاء الأسد، فتدخل حزب الله اللبناني بأربعين ألف مقاتل، وحضر الحرس الثوري الإيراني بأغلب قادته وقواته إلى أرض المعركة، ناهيك عن أربع وستين فصيلاً طائفياً جندهم الحرس الثوري الإيراني من كافة بلدان العالم تحت شعار الجهاد المقدس، وبالتوازي كان الحليف الروسي يستخدم الفيتو لتعطيل أي قرار أممي يوقف قتل الشعب السوري، ويقدم الدعم العسكري والفني لقوات الأسد، ومن ثم بدأ في زج طيرانه وقواته الجوية بشكل مباشر في المعركة ابتداء من نهاية أيلول عام 2015 ليقلب الموازين بشكل كبير، أدى هذا إلى إعادة سيطرة الأسد على معظم الأراضي التي خسرها طوال سنوات من القتال، وللحقيقة أقول أن القوة العسكرية الجوية الروسية لم تستطع تحقيق كامل أهدافها العسكرية لولا التفاف الروس مع حليفهم الإيراني عبر مؤتمرات أستانا وسوتشي التي قسمت المناطق المحررة إلى أربع مناطق سرعان ما تم تسليمها وفق سيناريوهات متشابهة تقريباً اعتمدت على عاملين أساسيين الأول تخاذل قادة الفصائل العسكرية التابعين للإخوان المسلمين والفصائل الراديكالية الأخرى والتي شاركت في مؤتمرات أستانا، والعامل الثاني سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها الطيران الروسي والتي طالت أغلبها الأحياء السكنية والأسواق الشعبية والمستشفيات والتي كانت سبب رئيس في تهجير ما يقارب خمسة ملايين مواطن سوري من منازلهم وقراهم وبلداتهم.
كانت هناك أيضاً عوامل خارجية كثيرة ساعدت في بقاء الأسد كان من أهمها ضعف حلفاء الشعب السوري خاصة الدول العربية نتيجة تفرقهم وسعيهم لاقتسام الكعكة قبل الحصول عليها، مما زاد في تفرقة صفوف من استولوا على مؤسسات الثورة السياسية والفصائل العسكرية، والتي تطور الخلاف فيما بينها إلى درجة الاقتتال، مما أضعف جميع هذه الفصائل وخسرت الثورة من خلال هذه المعارك الكثير من خيرة شباب سورية.
خلاصة القول إن ما حدث لسورية والسوريين خلال تسع سنوات لم يكن يتوقعه أحد إذ خسرت سورية اقتصادها لمدة لا تقل عن أربعين عاماً، كما خسرت جيشها وخسر السوريون جُل أملاكهم وأبنائهم، وبقي الأسد، أما سورية فباتت أرضاً لكارثة القرن، ويبقى الأسد على رأس جيش تدمر بالكامل، وجغرافيا مقسمة بين القوى العظمى وغير العظمى لا يسيطر فيها إلا على 55% من مساحة البلاد، ويبقى الأسد كأسوأ سمعة لحاكم حي على سطح الأرض، الحاكم الذي دمر جيشه بيده وابتدع أبشع الطرق الإجرامية لقتل شعبه، وضحى بأبناء طائفته بيده، ويبقى الأسد بكرسيه فقط ويبقى معه سؤال مهم جداً على من بالتحديد انتصر بشار الأسد؟!