تطوي الثورة السورية عامها التاسع في ظل ضبابية وغموض يكتنفان مستقبلها، ومستقبل الشعب السوري، وسورية ذاتها، أمام المخاطر العديدة التي تهددها، والانقسام الحاد في بنيتها، ومكوناتها، دون القدرة، حتى الآن، على إيجاد بدائل موضوعية تخرج الجميع من عنق الزجاجة، والمأزق الحالي الذي وقعت فيه مختلف الأطراف، والقوى، لحدود الكارثة.! ما يزال تفكير البعض وخطابهم وفق أمانيهم، ومخيلتهم، ورغباتهم، دون التبصر في الواقع وما أفرزه من معطيات صادمة، ومرعبة، تعكس إفلاسهم السياسي، والثقافي، لدرجة الخواء. إن استمرار الثورة، ونبضها، مرهون بإجراء مراجعات حقيقية من قبل مختلف الأطراف، والقوى، والبنى، حتى لا تطوي الثورة بعد عام، من الآن، عقدها الأول وهي في حالة ضياع، وتيه، دون خطاب موحد، ودون موجه وقائد لها، أو يمثلها، ودون استثمار حقيقي، وكامل، لقواها في مختلف المجالات، ودون تحديد ماذا نريد حقا، وماهي نواظم وضوابط مواقفنا، وقواعد تحالفاتنا؟ شكل منذ البداية ازدواجية الخطاب والموقف، نذيرًا مبكرًا عما أحاق بنا من مآل، حين تغاضى معظمنا، بل وبرر ظواهر قاتلة، كان من الممكن محاصرتها ومنعها. في حالنا الراهن، ما يجب التأكيد عليه: ١_ إنها ثورة حق، وواجب، على نظام فاسد مستبد تحول إلى طغيان كوني لا مثيل له في تاريخ الأمم والشعوب الغابرة والمعاصرة.
٢_ إن السوريين قاموا بثورتهم لأجل مطالب واضحة، وبسيطة، تتمثل في الحرية، والكرامة، والديمقراطية، والتعدد واحترام قيم حقوق الانسان، وغير ذلك تزوير للحقائق، ومخالف للحقيقة، وبالتالي كل القوى التي حملت أهدافًا مغايرة لذلك كانت في مواقفها، وسلوكها، في خانة أعداء الثورة، أو مثلوا ثورة مضادة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
٣_ الثورة حملت خطابًا وطنيًا جامعًا في أصلها، ومنطلقاتها، وكل من انزلق لخطاب دون وطني ورفع راية مشاريع خاصة في مضمونها، وحقيقتها، شكل طعنة لآمال السوريين، وأحلامهم، ولا يمكن له أن يكون معبرًا عنهم، أو ممثلًا لهم.
٤_ حملت قيم الثورة، البكر، مفاهيم العدالة، والمساواة، وعدم التمييز، على أي أساس كان ووفق أي منهج أو تصور، لذلك فإن خطاب الكراهية والعنصرية، والحط من كرامات البشر أو أي فئة منهم يشكل مقتلًا ظاهرًا لجميع الأطراف، والمكونات، سيؤدى إلى هلاك الجميع، وهذا لا يعني غض الطرف عما ارتكب من جرائم، أو التنازل عن حقوق الضحايا، بحال من الأحوال. ٥_ الثورة السورية في أحد مضامينها، وأبعادها، عبرت عن روح وطنية خالصة لا تقبل الاحتواء، أو التجاوز، وهي بالتالي ترفض الهيمنة، والتبعية، والإلحاق بأي طرف إقليمي، أو جهة صاحبة مشروع طوته صفحات التاريخ بعد تضحيات جسام لشعب رفض مسخ هويته، وطمس ملامح شخصيته، وكينونته.
٦_ تحتاج الثورة السورية، والفاعلون فيها، والمتطلعون إلى استمرارها، وتحقيق انتصار حاسم لها لفهم العالم من حولهم، ومخاطبته بلغة سياسية وطنية، وفق ذلك، وهو ما يعني تجاوز من تلطوا وتشبثوا باعتراف دولي، غير آبهين بتمثيل شعبهم وقضيته، جل همهم الحفاظ على مكاسبهم الضيقة والصغيرة. ذلك بعض ما يمكن الإشارة إليه في هذه العجالة، وهذا الحيز، وهو قليل، وغيض من فيض، تقتضيه هذه الساعات العصيبة، والمحنة الشديدة، إلا لمن أوتوا العزم والبصيرة، وهم كثر جدًا، لكن ينقصهم روح المبادرة، والتجمع والائتلاف، فليس أمام المؤمنين بعدالة ونبل القضية السورية بد من الاستمرار في طريقهم حتى منتهاه، لأنها قضية وجود ومستقبل، لا تقبل الإلغاء أو المهادنة، أو الحلول الوسط مع نظام وسلطة تجاوزوا في غيهم كل حدود منطق ومعقول. الثورة السورية تدخل عامها العاشر وهي في الوعي الشعبي البسيط أنقى، وأطهر وأصدق، من معظم من تكلم باسمها وحاول جرها إلى خنادقه الأيديولوجية، أو الحزبية، أو الطائفية. الثورة والحاجة لها على كل واقع الاحتلالات، والارتهان، هي ضرورة حياة كما لم تكن يومًا، وهي، بمعنى ما، أكثر ضرورة من يوم انطلاقتها المجيدة في منتصف آذار/ مارس 2011، يغذيها ويقويها ربيع عربي تستمد منه، ويستمد منها، ترياق حياة لتصبح المواجهة عامة وشاملة، مع نظم وكيلة، ومشاريع خبيثة، تحاول الاستمرار في مسك تفاصيل واقعنا ومستقبلنا. روح الثورة مستمرة في شبان وشابات، رجال ونساءً، آمنوا بحقهم، وعدالة قضيتهم، وما زادهم الواقع إلا إيمانًا، وتمسكًا بأهدافهم العليا النبيلة.
ولأن الثورة إرادة، والنصر عمل، والعمل فعل، والفعل فهم وإيمان، فقد جاءت صحيفتنا الغراء إشراق وهي تصدر عددها ال 100 لتكون أصدق تعبير عن مضامين ورؤى ثورة الحرية والكرامة والانسان السوري المتطلع للحرية.
المصدر: صحيفة اشراق