أفاد عدد من القادة في الجيش الوطني السوري بأن جميع فصائل الجيش المتوزعة على مختلف فيالقه، عقدت اجتماعاً في الآونة الأخيرة، لمناقشة الملف الأمني في منطقة شمال وشرقي حلب، بعد تكرار عمليات التفجير، والاغتيال، وخاصة في مدينة الباب، والتي كان آخرها محاولة اغتيال مراسل تلفزيون سوريا بهاء الحلبي الحادثة التي تسببت بحالة سخط واسعة وتنديدات من منظمات محلية ودولية.
وتم عقد الاجتماع بعد أن لوحظ بشكل لافت أن مناطق سيطرة الجيش الوطني مخترقة أمنياً، مع عجز الجهات المحلية المعنية بحماية المدنيين – وعلى رأسها قوى الأمن والشرطة العسكرية والمدنية – عن منع عمليات التفجير داخل الأسواق، أو وقف عمليات الاغتيال.
وقضت الخطة المتفق عليها من قِبل فصائل الجيش الوطني – وفقاً لأحد القادة الذي تحدث لـ موقع تلفزيون سوريا بتشكيل دوريات مشتركة من كل الفصائل، وتسييرها في الطرق الرئيسية داخل وبمحيط المدن، بدءاً من منتصف الليل، وحتى الصباح، في حين ذكر قيادي آخر أن الخطة نصّت على أن يكون كل فصيل مسؤول عن أمن المنطقة التي يوجد بها، بالتنسيق مع بقية القطاعات.
ما تفاصيل الخطة الموضوعة؟
ذكر القيادي في الجيش الوطني السوري النقيب سعد طبية خلال حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا أن القادة العسكريين في الجيش، عقدوا اجتماعاً بحضور الأشخاص المكلفين بالملف الأمني، كلٌ حسب قطاعه، لبحث واقع المنطقة، بعد الحوادث الأخيرة، التي تمثلت بالخطف والقتل والسرقة، وآخرها ما حدث مع الإعلاميين في مدينة الباب شرق حلب، حيث تم اغتيال الإعلامي حسين خطاب، وتبعه بأيام محاولة اغتيال مراسل تلفزيون سوريا بهاء الحلبي.
وبحسب النقيب فإن الفصائل اتفقت على وضع خطة أمنية وإقامة حواجز على الطرقات الرئيسية، ومداخل ومخارج المدن، وسد كل الثغرات التي تساعد “العناصر الإرهابية” على تنفيذ عملياتها، وأضاف أن كل فصيل سيكون مسؤولاً عن المنطقة الموجود فيها، مع الربط والتواصل مع باقي المناطق والقطاعات.
من جانبه أفاد القيادي في فرقة المعتصم التابعة للجيش الوطني السوري علاء الدين أيوب الملقب بـ الفاروق أبو بكر لموقع تلفزيون سوريا، بأن الخطة المذكورة وضِعت لضبط أمن المنطقة، وعرقلة أي عملية إرهابية.
وذكر “أيوب” أن الجهود التي ستبذلها فصائل الجيش الوطني، ستكون رديفة لجهود المؤسسات الأمنية المحلية، ومهمتها البحث عن المجرمين والمطلوبين، والمتورطين بأعمال الخطف وزرع العبوات الناسفة، والاغتيالات.
وأضاف “سيتم تقسيم المنطقة لعدة قطاعات، وتسيير دوريات ليلية دائمة فيها، وفي البداية سيطبق الأمر في قطاع اعزاز وريفها، وتعميم التجربة في وقت لاحق على جميع المناطق”.
ولم يعرف حتى الآن مدى فعالية الخطة، أو نسبة النجاح في تطبيقها، أو تطبيقها أصلاً، كونها ما زالت مجرد تطور نظري، ومن المرجح أن تواجه جملة من الصعوبات والتحديات، على رأسها حالة الفصائلية وتشتت الجهود.
وبالفعل أكدت مصادر متطابقة في الجيش الوطني لموقع تلفزيون سوريا وجود معوقات من هذا القبيل، إذ أشارت إلى أن أحد فصائل الجيش الوطني – فضلت عدم تحديده بالاسم – رفض دخول دوريات أو أفراد من الفصائل الأخرى إلى المناطق التي يعتبرها نفوذاً له.
وعند معاودة الحديث مع النقيب سعد طبية -بعد مرور يوم على تصريحه أعلاه- للاستفسار عن صحة المعلومات التي تفيد بوجود خلاف حول آلية تطبيق الخطة، وتسيير الدوريات، اكتفى بالقول “هناك بعض السلبيات التي تبينت لنا، وتم تأجيل تطبيق الخطة فقط، لكن العمل جارٍ عليها ولم تفشل”.
ويأتي تحرك الجيش الوطني بعد مناشدات وحملات أطلقها ناشطون، آخرها كانت بعد محاولة اغتيال مراسل تلفزيون سوريا بهاء الحلبي في مدينة الباب، حيث أصدر ناشطون إعلاميون بياناً طالبوا فيه جميع القوى بالوقوف على مسؤولياتها، والعمل بشكل جاد على سد الثغرات الأمنية، وكشف الجهات التي تقف خلف عمليات التفجير والاغتيال ومحاسبتها.
وكان قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري أبو أحمد نور قد ذكر في 12 كانون الأول الماضي أن عدم قدرة أجهزة الشرطة والأمن على حماية الناس وضبط الأمن في المدن، قد توجب على الجيش الوطني العودة من جديد لإدارة الملف الأمني وضبط المنطقة، وخاصة مدينة الباب التي “أصبحت مسرحاً للتفجيرات والاغتيالات من قبل الخونة والعملاء”.
هل تنجح الدوريات وحدها في ضبط الأمن؟
ربما ستسهم الدوريات في ضبط الآمن نسبياً في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، لكن السؤال الأبرز، هل هي كفيلة في وقف عمليات التفجير والاغتيالات، وردع الفاعلين؟ سيكون هذا محل شك بالتأكيد، لكون موعد تسيير الدوريات سيكون في الفترة الليلية، وإذا ما راجعنا سجل التفجيرات في ريف حلب، يُلحظ أن معظمها وقع في وضح النهار، وهو ما يحتم على المعنيين اتخاذ إجراءات مكمّلة للدوريات، لمنع حدوث خروق أمنية.
ويرى العقيد خالد القطيني أن المتطلبات الحالية لضبط الأمن بريف حلب، تكمن في دمج القوى التنفيذية بالأجهزة الأمنية في سياق عملية إصلاحها، بحيث لا يعود هناك أي جهاز تابع لفصيل أو مسؤول ما، مضيفاً أن الفوضى الأمنية ستستمر ما لم يُتخذ مثل هذا الإجراء.
وقال “القطيني” خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا: إن “منهجية الإصلاح في المنظومة الأمنية لا تعني تطوير المعدات الأمنية وزيادة أجور الأمنيين وتعزيز المؤسسة الأمنية بالانتدابات، وإنما تكون في إعادة صياغة القوانين الأساسية للمؤسسة بما يتماشى مع المبادئ وأساسيات الأمن الداخلي، وإرساء منظومة أمنية وفق معايير قانونية حقيقية، وتشكيل لجان طوارئ، تتوفر لديها جاهزية لمواجهة التحدّيات الأمنية، ووضع حلول عملية تجاه أي مخاطر، بالإضافة للإجراءات الامنية المعتادة من تقسيمات ومربعات أمنية ودوريات ليلية وعناصر جوالة على مدار 24 ساعة”.
وتابع “إن عدم اتخاذ خطوات رادعة، وعدم معاقبة المسؤولين عن الجرائم وعمليات الخطف، والخروقات والثغرات الأمنية، ومن يوفر الغطاء لهم، وبدون نزع الشرعية عن المجموعات الفصائلية والعائلية التي تقيم كل منها سلطة خاصة بها، وتخرج عن النظام الداخلي والقانون، وبدون تخلي الحكومة وقيادة الجيش الوطني والأركان، ووزارة الدفاع عن التحليل للأحداث ولعب دور الترضية والوساطة، لا يمكن تحسين الوضع الأمني بصورة ملموسة”، وأكمل بالقول “بدون أن يشعر المواطن بالأمن والأمان، وبسط سيادة القانون والنظام العام، لا يمكن أن تنجح الحكومة، ولا السلطة في تحقيق أبسط الواجبات الواقعة على عاتقها، في كل الأصعدة”.
وفي وقت سابق انتقد العقيد عبد الجبار عكيدي حالة الفلتان الفصائلي في الشمال السوري، وهي حالة أضحت تنعكس سلباً على الواقع الأمني في المنطقة، إذ قال خلال مشاركته في برنامج “سوريا اليوم” على شاشة تلفزيون سوريا: إن الحكومة السورية المؤقتة ووزارتي الدفاع والداخلية التابعتين لها، ليست لها سلطة على المجموعات وفصائل الجيش الوطني أو الشرطة والمجالس المحلية.
وشدد “عكيدي” على أن كثرة الأمنيين وكثرة الفصائل وتعدد الأجهزة والقوى هي أسُّ المشكلة، داعياً إلى تشكيل قوة أمنية واحدة تتبع للجيش الوطني ووزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة بصلاحيات مطلقة، وإغلاق كل منافذ التهريب بين مناطق سيطرة الجيش الوطني، ومدينة الباب بالتحديد، وبين مناطق سيطرة نظام الأسد وقوات سوريا الديمقراطية، مشيراً إلى أن تلك المعابر تسهّل دخول المجرمين والمتفجرات.
وكانت منظمة “مراسلون بلا حدود”، دانت محاولة الاغتيال التي تعرض لها مراسل تلفزيون سوريا بهاء الحلبي في مدينة الباب بريف حلب الشرقي،
وشهدت مناطق شمال غربي سوريا خلال العام الماضي، والأشهر الأخيرة على وجه الخصوص، عمليات تفجير واختراقات أمنية متكررة، ، وكانت منظمة الدفاع المدني السوري قد أعلنت عن استجابتها لـ 219 هجوماً (تفجيرات – عبوات ناسفة) خلال العام الماضي، أدت إلى مقتل 160 شخصاً، وإصابة 208 آخرين، في حين رصد موقع تلفزيون سوريا 43 عملية تفجير بعبوّات ناسفة، من بينها 7 عمليات ومحاولات اغتيال، في مدينة الباب وحدها، خلال 2020.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا