أيقظت أحداث سنة 2020 الاهتمام الفرنسي الدفين في سوريا ولبنان. إنها العودة المتجددة إلى 1920. وما قبلها حتى، أي في القرن التاسع عشر، عندما كان لفرنسا إرساليات رهبانية وتعليمية في جبل لبنان والذي طمحت منه ان يتسع نفوذها شرقاً وغرباً.
لبنانياً كان الحضور الفرنسي هو الأبرز على الصعيد الدولي، لم يجد البلد الصغير القابع في حصار سياسي وعقوبات مالية واقتصادية، إلاّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يطرق بابه، يزوره، يلتقي بأهله ويعلن عن تقديم مبادرة فرنسية لإنقاذ الوضع المتدهور. لم تكن مبادرة الرئيس الفرنسي تنطلق بدافع الحرص فقط، إنما بدافع الطموح الشخصي والسياسي. وراثة الدور القديم، وصناعته لنفسه، وهو ما يتجاوز حدود لبنان وسوريا والشرق الأوسط، إذ إن الرجل يطمح لأن يقود أوروبا.
كانت المبادرة الفرنسية المتواضعة في سبيل حماية لبنان من الزوال، أو الحفاظ على الصيغة اللبنانية التي أسست في العام 1920، صيغة أسستها فرنسا، ولا يريد ماكرون لها أن تزول إنما يسعى لاستعادة المجد من خلالها، وعندما يتقدم في مبادرة لبنانية فهي لا تعني لبنان حكماً، إنما تطول سوريا في جوانبها، وهو ينظر إلى البحر الأبيض المتوسط، همّه مواجهة تركيا، وإبقاء العلاقة جيدة مع إيران لغايات مصلحية واقتصادية في المستقبل عندما يعود العمل بالاتفاق النووي، خصوصاً أن كبريات الشركات الفرنسية تسعى إلى إعادة فتح السوق الإيرانية أمامها.
من يكون في لبنان لا بد أن يكون طامحاً بالتأثير في سوريا، هذه قاعدة تاريخية اعتمدها الفرنسيون ما قبل الحرب العالمية الأولى
من يكون في لبنان لا بد أن يكون طامحاً بالتأثير في سوريا، هذه قاعدة تاريخية اعتمدها الفرنسيون ما قبل الحرب العالمية الأولى، وهي تعاكس وجهة نظر أخرى تقول إن من يحكم السيطرة على سوريا يصبح لبنان له تلقائياً. ثلاثة عنوانين أساسية يريد ماكرون تكريسها، الأول رعايته للملف اللبناني، الثاني توسيع نفوذ فرنسا في المنطقة، بتعزيز حضورها في البحر الأبيض المتوسط، وفي سوريا انطلاقاً من لبنان والعلاقة مع إيران وحزب الله، والثالث هو أن يصبح صاحب الدور الأوروبي المؤثر.
طموح ماكرون لا يتطابق مع وقائع سياسية ولا اقتصادية ولا جغرافية حتى، أول من يعارض التصرفات الفرنسية هي دول الاتحاد الأوروبي الأخرى وخصوصاً ألمانيا، قاطرة الاتحاد وعصبه المالي وأقوى دولة فيه، ألمانيا التي خرجت من الاتفاق النووي، وتؤيد وجهة النظر الأميركية، وصنفت حزب الله بشقيه السياسي والعسكري إرهابياً، ولا تزال على موقفها الواضح تجاه نظام الأسد، هي أكثر من يعارض خيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لبنانياً اضطلعت ألمانيا بمبادرة أوروبية أوسع من المبادرة الفرنسية، الهدف من ورائها عدم إعطاء حزب الله أي مميزات سياسية كما فعلت فرنسا.
ثانياً والأهم أن الخلاف الفرنسي الألماني يتجلى في سوريا، بداية لا بد من الإشارة إلى جملة مواقف متناقضة لمسؤولين فرنسيين حول الملف السوري، فيما بعد أعلن ماكرون أنه لا يمكن لبشار الأسد أن يبقى، إلا أن المسار العملي الذي سلكته الأمور فيما بعد، أوضح بأن باريس تتحرك على خطّ العلاقة السرية والاستخبارية مع النظام. بحسب المعلومات فإن ثلاث زيارات لمسؤولين فرنسيين قد حصلت إلى سوريا في المرحلة الماضية، آخرها زيارة قبل أسابيع قليلة، أجراها رئيس المخابرات الخارجية برنار إيمييه، وهو كان سفيراً في لبنان في فترة العام 2005، سنة اغتيال رفيق الحريري واتهام النظام السوري بالاغتيال، وهو الذي واكب خروج الجيش السوري من لبنان.
بلا شك أن هذه الزيارة تشكل تطوراً بارزاً على صعيد العلاقات، وتؤكد أن المسار الفرنسي الذي انطلق في لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت لن يقتصر على مبادرة سياسية ترتبط بتشكيل حكومة لبنانية، إنما بمسار فرنسي جديد تسعى باريس من خلاله إلى استعادة دورها في منطقة الشرق الأوسط، لكنها هذه المرة تختار العلاقة السرية مع النظام السوري.
وفي المعلومات أيضاً، فإن التفاوض مع النظام السوري، يحصل على قاعدة، تتعلق بتغيير سلوكه، وقبوله دخول المعارضة إلى الحكم وتخفيف حجم النفوذ الإيراني في سوريا، كما مواجهة تركيا، وتحاول باريس أن تراهن على التوجه الخليجي والعربي وتحديداً المصري في العلاقة مع النظام السوري، على قاعدة إعادة تعويمه مقابل تقديم تنازلات عديدة بعضها يتعلق بإيران والبعض الآخر يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا