الحوار الخليجي الايراني..فرص ومعوقات

حسن فحص

بعد أن حققت الدبلوماسية الايرانية تقدما واضحا في قطع الطريق على ضغوط الترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا) لإعادة النظر في الاتفاق النووي وتوسيعه ليشمل التفاوض حول البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، يبدو ان الاجواء المحيطة بالأزمة الايرانية توحي بان طهران على طريق ان تسقط ايضا ما ألمح له الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن عن ضرورة اشراك بعض الاطراف الاقليمية في التفاوض بما يجعلها عضواً فاعلاً او مستمعا في الاتفاق النووي.
لا شك ان ما حققته دبلوماسية الوزير محمد جواد ظريف، جاءت مدعومة بالسقف العالي الذي تمسك به المرشد الاعلى للنظام ومعه المؤسسة العسكرية، في رفض اي شروط غربية جديدة تضاف الى الاتفاق النووي. الا ان هذه المواقف لم تكن لتصل الى هذه النتيجة المبدئية من دون الدعم الواضح الذي قدمته العاصمة الروسية موسكو التي وقفت بكل وضوح الى جانب المواقف الايرانية في الاجتماع عبر الفضاء الافتراضي الاخير لوزراء خارجية دول مجموعة 4+1 في اطار لجنة متابعة تطبيق الاتفاق النووي، واعتبار موسكو ان اي تعديل في مضمون الاتفاق يتعارض مع نص قرار مجلس الامن الدولي رقم 2231.
وقبل ان يكون هذا التطور بمثابة انتصار للدبلوماسية والتصلب الايراني، يمكن اعتباره نصرا روسيا في معركة الكرملين لاختبار قدرته في التصدي لسياسات ادارة البيت الابيض الجديدة وما يمكن ان تمارسه من ضغوط من خلال اعادة التركيز على الملفات التي تعني موسكو في محيطها الحيوي في شبه جزيرة القرم والقوقاز وآسيا الوسطى وعلاقتها مع الصين، او في مجالها الاستراتيجي الشرق اوسطي ان كان في سوريا او ليبيا.
من هنا، لا تبدو تصريحات وزير خارجية دولة قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني من العاصمة الروسية مستغربة حول الدعوة لفتح حوار خليجي – ايراني بهدف تعزيز امن المنطقة، انها آتية من خارج سياق التراكم الذي اسست له الدوحة في تعاملها مع الازمات الخليجية وسياسة التوازن الدقيق التي اعتمدتها بين سياسة الضغوط الامريكية العربية وضرورات العمل ما امكن لتفكيك مصادر الخطر او ابعاد شبحها بانتظار الحلول الدولية والاقليمية التي تخرج المنطقة وتبعدها عن حافة الانهيار والانفجار.
ودعوة الوزير القطري تأتي منسجمة مع الخطوات التي عادت موسكو لتفعيلها بعد المؤشرات الايجابية التي خرج بها اجتماع وزراء خارجية الاتفاق النووي، في محاولة لاستعادة المبادرة التي اطلقتها قبل نحو سنة وبلورتها بمسودة مشروع تقدمت به الى مجلس الامن الدولي في تموز/ يوليو 2020 حول “الامن الجماعي في الخليج” القائم على اولوية التعاون الاقليمي ومشاركة دول الجوار معا لتحقيق امن المنطقة كبديل عن الاعتماد على قوى خارجية. وهي تصب ايضا في اطار المهمة التي سبق ان بدأتها موسكو عام 2015 بعد التوقيع على الاتفاق النووي لتقريب وجهات النظر بين الدول الخليجية وإيران، والعمل على خفض مستوى الهواجس العربية من الطموحات الايرانية وتفكيك مفردات العداء المتصاعد الذي يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الاوسط. وهي مساع لم يكن الهدف الروسي منها الوقوف الى جانب ايران، بل من أجل فتح قنوات تساعد على توفير الأرضية السياسية التي تساهم في تكريس دور وموقع موسكو في المعادلات السياسية والامنية في المنطقة، في الشرق الأوسط عموما، وفي سوريا وليبيا خصوصا.
عودة موسكو الى احياء المشروع القديم حول الامن الجماعي في الخليج، قد تواجه عقبات لم تكن مطروحة في الفترة التي تقدمت به قبل سنة، فهو لا يأخذ بعين الاعتبار المستجد الذي حصل بين كل من دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جهة واسرائيل من جهة اخرى في ما يعرف بالسلام الابراهيمي والتطبيع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي حصل بشكل متسارع، وما نتج عنه من رفع مستوى القلق الايراني من التحول الاستراتيجي والجيوسياسي وما فيه من تهديد لامن واستقرار النظام، ويفوق تلك الهواجس والمخاوف الخليجية والعربية من تنامي النفوذ الاقليمي لايران الذي شكل الدافع لهذه الدول لاعتماد خيار الانفتاح والاتفاق مع تل أبيب لمواجهته.
وعلى الرغم من هذه التطورات، وفي حال استطاعت طهران تحقيق تقدم ملموس على مسار الاتفاق النووي ووقف العقوبات الاقتصادية وعودة التفاعل السياسي والمالي والاقتصادي بينها وبين المجتمع الدولي، تبدو على استعداد للذهاب الى فتح حوارات جدية مع محيطها الخليجي، والذهاب معهم الى ما يشبه الاتفاق النووي لكن في اطار البحث عن المصالح المشتركة بين الطرفين بناء على رؤية ذات بعدين تقدم بها وزير خارجية ايران ظريف قبل نحو عام ايضا والتي تتحدث عن تشكيل تحالف امني باسم “حلف هرمز” لتأمين طرق نقل الطاقة، ومجلس تعاون اقليمي يلعب دور التقريب بين وجهات النظر في المسائل الخلافية ويؤسس لمرحلة من التعاون الجدي في اطار المصالح المشتركة، لكن من دون الاقتراب من الموضوع النووي او حجم الدور والنفوذ الاقليمي لطهران او المساس بعقيدتها الدفاعية القائمة على تطوير البرنامج الصاروخي الردعي لمواجهة الخطر الاسرائيلي الذي بات على مقربة من حدودها وعمقها الجغرافي ويشكل تهديدا لمصالحها الاستراتيجية في مجالها الحيوي، خاصة في ظل التطورات التي شهدتها منطقة شمال القوقاز، ما يسمح لتل ابيب بتعزيز وجودها ودورها على الحدود الشمالية لايران.
واذا ما كانت السياسات التي اتبعتها الادارة الامريكية في عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب والدور الاسرائيلي، قد عرقلت السير في هذه الطروحات الروسية والايرانية، فهل يمكن ان تساهم الادارة الجديدة مع بايدن بالتأسيس لمرحلة من التعاون الايجابي بين هذه الدول وان تلعب دوراً مساعداً في الدفع من اجل التوصل الى اتفاق بينها تكون في واشنطن وعواصم القرار الدولية شريكا فيه ومراقبا لضمان استقراره وما قد يؤدي له من وضع الملفات الخلافية بين طهران والعواصم الخليجية على طاولة الحل من اليمن مرورا بالعراق وصولا الى سوريا ولبنان وغيرها من الملفات العالقة، وحتى في التأسيس الجدي لانهاء الازمة الخليجية بناء على الايجابية القطرية من هذه الجهود المنسجمة مع رؤيتها لطرق الحل الممكنة في الاقليم التي تقوم على اساس الحوار وتضييق مساحات الاختلاف؟

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى