تجدد الحديث في وسائل الإعلام حول تسوية بين نظام الأسد والكيان الصهيوني، تقوم على أساس “السلام مع إسرائيل مقابل ضمانات بقاء الأسد”.
وكانت الإعلامية راغدة درغام توقفت في مقال نشرته في صحيفة “النهار العربي” اللبنانية عند هذا الملف، وقالت، نقلا عن “مصادر” إن موسكو أكدت خلال محادثات وزير الخارجية سيرغي لافروف، مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد، استعدادها لإبرام صفقة تسوية “تزيل المشاكل بين سوريا وإسرائيل”، وأن “تكون إيران جزءا من الصفقة بصورة أو بأخرى، نظراً لأن موسكو تتفهم مدى النفوذ الإيراني في سوريا، والعلاقة العضوية بين النظامين في دمشق وطهران”.
وفي السياق ذاته أشارت وسائل إعلام إلى معلومات كشف عنها ضابط في هيئة الأركان الإسرائيلية لموقع “إيلاف”، حول رسائل سرية وصلت تل أبيب من رئيس النظام بشار الأسد “عبر روسيا وأطراف أخرى”، يتحدث فيها عن شروطه للتسوية مع إسرائيل، وتتضمن تثبيت نظام حكمه، والحصول على أموال يدفعها للإيرانيين كي يخرجوا من سوريا، فضلا عن مساعدات اقتصادية لنظامه.
بانتظار تأكيد، أو نفي، رسمي من الأطراف المعنية في موسكو أو دمشق أو طهران دقة المعلومات التي نقلتها “النهار” عن “مصادر” حول المساعي الروسية، وحقيقة ما قاله الضابط الإسرائيلي عن “رسائل من الأسد”، يمكن القول إن طرح موسكو خدماتها على دمشق لتوقيع اتفاق سلام مع الإسرائيليين، كما وإرسال النظام رسائل للمسؤولين في تل أبيب بهذا الصدد، ليست من الأمور التي يمكن استبعادها، بل حتى على العكس، هي تبدو أقرب إلى الواقع في الوقت الحالي، لاسيما إذا ما أخذنا بالحسبان طبيعة نظام الأسد واستعداده لأي شيء من أجل البقاء، والأهداف التي لا تزال روسيا تأمل بتحقيقها مستفيدة في ذلك من تدخلها، ومن ثم وجودها الدائم في سوريا، من جانب أول، فضلاً عن التطورات في العلاقة العربية مع الكيان الصهيوني من جانب آخر.
مفتاح التطبيع السحري
ولا يبدو غريباً أن يطفو الحديث عن سلام بين دمشق وتل أبيب في هذه المرحلة، التي تشهد حملة تطبيع عربي واسعة مع الكيان الصهيوني، منحته دوراً جديداً على المستوى الإقليمي.
وبعد أن كان تحسين العلاقات معه بمثابة “مفتاح سحري” لأبواب البيت الأبيض، يسهم في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، فإن التطبيع معه بات اليوم مفتاحاً سحرياً أيضاً لعواصم عربية، وبالتالي يبدو أن النظام يعول على دور تلعبه تل أبيب في إعادة الدول العربية اعترافها به، وأن تسخر علاقتها الاستراتيجية مع واشنطن، لإقناعها بالعدول عن موقفها ضد مسيرة “تطبيع” مع النظام في دمشق أطلقتها دولا عربية، قبل إعلانها التطبيع مع إسرائيل.
وفي سياق متصل وانطلاقا من فهمه العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، قد يسعى النظام إلى تسوية مع إسرائيل، أملاً بأن تسهم على نحو إيجابي في إعادة تأهيله دولياً. ولا توجد عمليا أي عقبات قد تعترض درب النظام نحو توقيع مثل تلك الاتفاقية، إذ لا يشعر بقلق من رد فعل المواطنين في مناطق سيطرته، ولا يخشى من رد فعل المواطنين في المناطق الخارجة عن سيطرته.
في الأولى يدرك أنه قادر على قمع أي صوت يعارضه، وفي الثانية لن يهتم للمواطنين خارج سيطرته لأن رد فعلهم لن يكون في محيط “أركان حكمه”، وبالتالي ربما يعتقد أنهم لن يتمكنوا من التأثير على هذه العملية.
أما رد الفعل العربي على المستويين الشعبي والرسمي، فهو غير موجود للأسف، كما أثبتت الأشهر الماضية، التي شهدت تطبيعاً “فوق طبيعي” بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، دون أي رد فعل على مستوى الرأي العام، ووسط قبول وترحيب على المستوى الرسمي.
أما روسيا التي تقول التقارير إنها أبدت استعدادها إبرام صفقة بين دمشق وتل أبيب، فإن تلك الصفقة، إن تمت، ستكون بمثابة إنجاز “تاريخي” للسياسة الروسية، حققته نتيجة تدخلها العسكري في سوريا، وسيكون له تأثيره المباشر في تعزيز نفوذها وموقعها على المسرح الدولي.
وكانت روسيا أطلقت ما يمكن وصفه حملة تحسين علاقات مع تل أبيب بالتزامن مع بدء تدخلها العسكري في سوريا.
تطبيع الأسد وإسرائيل تعزيز للنفوذ الروسي
وانطلاقاً من إدراكها أهمية “الأمن” بالنسبة للكيان الصهيوني، عملت منذ البداية على توقيع تفاهمات تضمن “أمن إسرائيل” عبر الأراضي السورية، بينما لم تستخدم قدراتها العسكرية، ومنظوماتها الصاروخية “المتطورة” لمنع الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، هذا فضلاً عن “هدايا سورية ثمينة” قدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، منها ساعة الجاسوس كوهين، ودبابة إسرائيلية غنمتها القوات السورية خلال معركة “السلطان يعقوب” عام 1982، ورفات ضابط إسرائيلي قُتل خلال المواجهات في العام ذاته، وهدايا أخرى.
ويدرك أي محلل ومراقب، أن نجاح روسيا في الوساطة لتوقيع اتفاق سلام بين دمشق وتل أبيب، سيعزز نفوذها في الشرق الأوسط، ومعه هيبتها ومكانتها على المستوى الدولي.
إلا أن الأمر مختلف بالنسبة لإيران، التي يُستبعد انخراطها، في ظل نظام الحكم الحالي فيها، على الأقل، في مفاوضات سلام مع الإسرائيليين، تشمل بما في ذلك “ترتيبات طبيعة الوجود الإيراني في سوريا”.
وكما هو معروف، يقوم نظام الحكم الحالي في إيران على فكرة “ادعاء المقاومة وتحرير القدس”. وتحت هذا الشعار يستمر نظام الحكم الإيراني في قمع مواطنيه وتعزيز قدرات مؤسساته العسكرية والأمنية داخليا، كما استغلت إيران الشعار ذاته للتمدد من بغداد حتى بيروت مرورا بدمشق.
وفي حال توقيع أي اتفاقيات مع إسرائيل، منفرداً أو بصورة ثنائية مع نظام الأسد، سيفقد نظام الحكم الإيراني الفكرة التي تبرر وجوده.
هل تحتاج إسرائيل اتفاق سلام مع الأسد؟
السؤال الأهم في هذا كله: هل تحتاج إسرائيل لاتفاق سلام مع الأسد؟ وهل يمكنها توقيع مثل تلك الاتفاقية مع نظام حكم مصيره معلق؟ فضلاً عن ذلك لا شك بأن تل أبيب، ورغم كل جرائمها ضد العرب الفلسطينيين والسوريين في الأراضي المحتلة، إلا أنها، وفي إطار حملاتها لتلميع صورتها، ستفكر ملياً قبل توقيع اتفاقية مع نظام حكم يواجه تهما خطيرة بارتكاب جرائم ضد شعبه.
أما إذا كان الأمر يتعلق بالهاجس الأمني، فإن المناطق على الحدود بين سوريا والأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة، كانت الأكثر أمناً وأماناً طيلة عقود بعد حرب 1973، وفق تصريحات مسؤولين إسرائيليين، ووفق الواقع على الأرض.
وحالياً تقوم روسيا إلى حد ما بتلك المهمة، علماً أن نشاط المسلحين من “حزب الله” ومن مجموعات إيرانية أخرى عبر جنوب سوريا يبقى ضمن الحدود الدنيا، ولا يتوقع أن يقبل النظام بتصعيد تلك العمليات، لأنه، وكما كان لا يريد حرباً مع إسرائيل.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا