تشير معطيات عدة إلى أن النشاط المتصاعد لخلايا تنظيم “داعش” في البادية السورية مترامية الأطراف، بات مصدر قلق للجانب الروسي، الذي عاد لاستخدام مقاتلاته الجوية في قصف هذه الخلايا التي تتحرك في طول البادية وعرضها، وتستنزف قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لها، والتي تحاول الحدّ من نشاط التنظيم، ولكن بلا تحقيق نتائج.
وأفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأن الطيران الروسي نفذ أول من أمس الأحد، أكثر من 70 غارة على فلول “داعش” في البادية السورية، وخصوصاً في المثلث الذي يفصل إدارياً بين أرياف حلب وحماة والرقة، مؤكداً اندلاع اشتباكات وصفها بـ”العنيفة” تشهدها محاور في المنطقة بين عناصر التنظيم، وقوات النظام والمليشيات الموالية لها. ووثق “المرصد” مقتل عدد من قوات النظام والمليشيات التابعة لها، ومن “داعش”، بسبب القصف المكثف والمعارك العنيفة الأحد، متحدثاً عن مقتل 15 عنصرا من التنظيم، بينما قتل 7 عناصر في قوات النظام والمليشيات الموالية لها. ولفت “المرصد” إلى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع، لوجود جرحى، بعضهم في حالات خطرة.
وعاود “داعش” نشاطه في عموم البادية السورية خلال العام الحالي، بعد مرور نحو عام على إعلان الانتصار عليه في شرقي سورية، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من عناصر قوات النظام والمليشيات المساندة لها. ويستفيد التنظيم من الاتساع الجغرافي للبادية السورية التي تشكل نحو نصف مساحة سورية، في نصب كمائن لأرتال قوات النظام العابرة في هذه البادية، متجهة إلى محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري. وحاولت قوات النظام خلال العام الحالي تمشيط البادية للقضاء على خلايا التنظيم، ولكنها في كلّ مرة كانت تتعرض لخسائر جسيمة، ما يدفعها إلى التوقف. وقتل التنظيم خلال هجمات متلاحقة نفّذها على قوات النظام في بادية دير الزور خلال الشهرين الأخيرين، عدداً من الضباط الذين يقودون هذه القوات، لعل أبرزهم اللواء بشير سليم إسماعيل، قائد الفوج 137، والذي لقي مصرعه مع عدد من مرافقيه في كمين للتنظيم منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت منتصف العام الحالي، عن تنفيذها عملية عسكرية في البادية السورية حملت اسم “الصحراء البيضاء”، ضد فلول وخلايا “داعش”، غير أن استمرار هجمات التنظيم يؤكد أن الأخير لم يتأثر جرّاء هذه العملية.
وتتوزع البادية السورية التي تبلغ مساحتها نحو 80 ألف كيلومتر مربع، إدارياً، على محافظات: دير الزور، الرقة، حلب، حماة، حمص، ريف دمشق، والسويداء. ولا توجد معلومات مؤكدة عن عدد عناصر “داعش” في البادية، لكن الوقائع والمعطيات تشير إلى أن عديدهم ربما يصل إلى عدة آلاف، يتخذون من جبال وهضاب في البادية أماكن تمركز وانطلاق لتنفيذ عمليات تمتد من ريف حماة غرباً، مروراً بريف الرقة، وصولاً إلى ريف دير الزور شرقاً. ولم يحاول التنظيم السيطرة على منطقة جغرافية معينة، لكنه يعتمد أسلوب الهجمات السريعة والكمائن. وتؤكد مصادر محلية أن خلايا التنظيم تتحرك على درّاجات نارية في البادية، لتجنب القصف الجوي من قبل الطيران الروسي.
كما تؤكد الوقائع أن هناك خطوط إمداد مفتوحة بين سورية والعراق، يعتمد عليها التنظيم في نقل تعزيزات وذخيرة بين البلدين، مشيرة إلى أن النشاط الأكبر يكمن في محيط مدينة تدمر، الواقعة في قلب البادية، والتي تحولت إلى منطقة نفوذ روسي بسبب قربها من مناجم الفوسفات. وكانت شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية قد وضعت يدها في العام 2018 على أغلب هذه المناجم، بعد اتفاق مع النظام يتيح للجانب الروسي استثمار هذه الثروة لمدة 50 عاماً. وكانت سورية تحتل المرتبة الخامسة عالمياً على قائمة الدول المصدِّرة للفوسفات حتى 2011. وتعتبر مناجم السلسلة التدمرية للفوسفات، وخصوصاً خنيفيس الواقعة إلى الجنوب من تدمر بنحو 75 كيلومتراً، هي الخزان الأكثر أهمية وجدوى اقتصادية. كما تضمّ البادية السورية ثروة أخرى لا تقل أهمية، وهي حقول وآبار الغاز، منها حقل الشاعر وهو الأكبر في ريف حمص الشرقي، إضافة إلى حقول: جحار والمهر وجزل، والتي سيطرت عليها القوات الروسية في مارس/آذار 2017، بعد انسحاب “داعش” منها.
وبحسب “المرصد السوري”، أدت الاشتباكات في البادية السورية إلى مقتل أكثر من ألف عنصر من قوات النظام وحلفائه منذ مارس/آذار 2019 وحتى اليوم، من بينهم اثنان من الروس على الأقل، و144 من المليشيات الموالية لإيران من جنسيات غير سورية، قتلوا خلال هجمات وتفجيرات وكمائن لـ”داعش” في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء. كما وثّق “المرصد” خلال الفترة ذاتها مقتل 4 مدنيين عاملين في حقول الغاز و11 من الرعاة، وامرأة في هجمات التنظيم، فيما قتل 601 من التنظيم في الفترة ذاتها خلال الهجمات والقصف.
على صعيد ذي صلة، تحدثت شبكة “عين الفرات” الإخبارية المحلية عن تعاون بين تنظيم “داعش” وبين عدد من مليشيات “الحشد الشعبي” العراقي والمسيطرة على مدينة البوكمال السورية في أقصى الشرق، لتسهيل دخول عناصر من التنظيم إلى سورية لجلب أموال كانوا دفنوها في المنطقة قبيل انسحابهم منها أواخر 2018، وأوائل 2019، مشيرة إلى أن هذه المليشيات تُدخل العناصر بعرباتها، مقابل مبالغ مالية تصل إلى ألفي دولار أميركي، على ألا يبقى عنصر التنظيم في شرقي سورية أكثر من ثلاثة أيام. وتسيطر فصائل من “الحشد الشعبي” العراقي مع مليشيات أخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني على جانب كبير من ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات.
المصدر: العربي الجديد