بايدن يريد لأميركا أن تقود العالم.. لا ينبغي أن تفعل

بيتر بينارت*     ترجمة: علاء الدين أبو زينة

“القيادة” الأميركية هي التصور المفضل لمؤسسة السياسة الخارجية. لكنه خطير وعفا عليه الزمن. ثمة الكثير الذي لا نعرفه الآن عن كيفية تعامل الرئيس المنتخب جو بايدن وفريقه للسياسة الخارجية مع العالم. لكن هذا الأمر واضح للغاية مع ذلك: إنهم يؤمنون بـ”القيادة” الأميركية.

في خطاب ألقاه في العام 2015، استخدم أنطوني بلينكين، خيار السيد بايدن لمنصب وزير الخارجية، نسخة من هذه الكلمة 21 مرة. وفي ربيع هذا العام، كتب السيد بايدن مقالاً في مجلة الشؤون الخارجية “فورين أفيرز” بعنوان “لماذا يجب أن تقود أميركا مرة أخرى”. وفي الأسبوع الماضي، عندما قدم مرشحيه للأمن القومي، قال إن “أميركا عادت، مستعدة لقيادة العالم”.

ولكن، دعونا نأمل بأن لا تفعل. ففي عصر ما بعد ترامب، أصبحت “القيادة” رؤية مضلَّلة، بل خطيرة، لعلاقة أميركا مع بقية العالم.

على مدى الأعوام الأربعة الماضية، بشّرت نخب السياسة الخارجية بـ”القيادة” الأميركية باعتبارها البديل الآمن والمقبول للحزبين والحميد لقومية “أميركا أولاً” العدائية التي تتبناها إدارة ترامب. ولكن، ابحث عن كلمة “يقود” في القاموس وستجد تعريفات مثل “المكان الأول أو المتقدم قبل الجميع”، و”على رأس.. كذا” و”التحكم في مجموعة من الأشخاص”. إن القيادة لا تعني الأمومة وفطيرة التفاح. إنها تعني أن تكون مسؤولاً.

قدم السيد بايدن مبررين لاستحقاق أميركا هذا الدور المميز. الأول وراثي: كتب في مجلة فورين أفيرز: “على مدى 70 عامًا، لعبت الولايات المتحدة، تحت رئاسة ديمقراطيين وجمهوريين على حد سواء، دورًا رائدًا في كتابة القواعد” التي “تعزز الأمن والازدهار الجماعيين”. وبعبارة أخرى، يجب على أميركا أن تقود العالم الآن لأنها فعلت ذلك بفعالية في الماضي.

في الفترة ما بين العامين 1945 و1989، وفقًا لكتاب دوف إتش ليفين “التدخل في صندوق الاقتراع”، تدخلت الولايات المتحدة في انتخابات الدول الأخرى 63 مرة. ولذلك، فإن تاريخ السيد بايدن المبهِج في قيادة الحرب الباردة الأميركية يترك الكثير من الأمور بعيداً عن الملاحظة. ولكن، حتى لو أنك قمت بإضفاء الطابع الرومانسي على حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها ولت منذ زمن طويل.

قبل سبعين عامًا من الآن، كما أشار جيمس غولدفير وبروس دبليو جينتلسون مؤخرًا، كانت الولايات المتحدة تمثل نصف الناتج المحلي الإجمالي للعالم تقريبًا. وهي تمثل الآن ما يزيد قليلاً على سُبعه. وبشكل جماعي، يبلغ معدل الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، بمعادلة القوة الشرائية، حجم نظيره في الولايات المتحدة تقريباً. ومساهمة الناتج المحلي الإجمالي الصيني أكبر مسبقاً، ومن المرجح أن تؤدي جائحة فيروس كورونا إلى توسيع الفجوة. وتفترض عبارة “القيادة” تسلسلًا هرميًا للقوة، والذي لم موجوداً، اقتصادياً على الأقل.

أما التبرير الثاني الذي أورده السيد بايدن للقيادة الأميركية، فأخلاقي. وكتب في العام 2017: “تحذو الدول الأخرى حذونا لأنها تعلم أن أميركا لا تحمي مصالحها فحسب، بل تحاول تعزيز تطلعات الجميع”. لكن من الصعب إجراء مسح لسلوك أميركا في العقود الأخيرة والتوصل إلى وجود نوع من الالتزام الخاص بالرفاهية العالمية. ووفقًا لدراسة أجراها معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة التابع لجامعة براون، أدت الحروب الأميركية بعد 11 أيلول (سبتمبر) إلى نزوح 37 مليون إنسان. وحتى قبل دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، كانت الولايات المتحدة قد رفضت التصديق على المعاهدات الدولية التي تحظر الألغام الأرضية والقنابل العنقودية والتجارب النووية، وتنظيم البيع العالمي للأسلحة، وحماية المحيطات، والتمكن من مقاضاة جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وحماية حقوق النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة. وصادقت معظم دول العالم على جميع هذه الاتفاقيات -أو معظمها- تقريبًا. ولا توجد أي دولة أخرى رفضت كل واحدة من هذه الاتفاقيات بلا استثناء.

ثم أضاف السيد ترامب إلى هذه السلسلة من عدم الامتثال عندما قام بسحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، ومنظمة الصحة العالمية، ومفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادئ، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة التعليمية والعلمية والثقافية، ومعاهدة الأجواء المفتوحة، ومعاهدة القوى النووية متوسطة المدى. وليس هذا سجل لدولة كسبت حق القيادة العالمية. إنه سجل بلد يجب أن يعمل على كسب العضوية العالمية أولاً.

لسوء الحظ، حتى مستشاري بايدن -وهم من أنصار تعددية الأطراف وفقًا للمعايير الأميركية- يجدون صعوبة في تخيل التعاون من دون هيمنة. ويقول السيد بلينكين: “سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن العالم ببساطة لا يقوم بتنظيم نفسه”. لكن الولايات المتحدة اكتشفت ما يحدث “عندما تحاول دولة أخرى أن تحل محلنا، أو ربما أسوأ من ذلك، أن لا يفعل أحد ذلك، وينتهي بك الأمر إلى فراغ تملؤه الأحداث السيئة”.

ولكن، ليس صحيحًا أن التعاون الدولي سينهار من دون أن تكون أميركا موجودة للسيطرة على اتخاذ القرار. بعد أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستنسحب من اتفاقية باريس للمناخ، لم يتبعها أي من الموقّعين الآخرين. على العكس من ذلك، تعهد الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وكوريا الجنوبية مؤخرًا بجعل اقتصاداتها خالية من الكربون بحلول العام 2060 على الأقل. وهذا الصيف، بعد أن هددت إدارة ترامب بمغادرة منظمة الصحة العالمية، وعدت فرنسا وألمانيا بزيادة مساهماتها للمنظمة.

وليست الفكرة أن المشاركة الأميركية في الجهود العالمية المشتركة غير ضرورية. على العكس -إنها شيء حيوي. لكن أميركا تخدم هذه الجهود في معظم الأوقات، من خلال الموافقة على القواعد بدلاً من التصدي لإملائها.

قد يصدم اختيار الشراكة على القيادة البعض باعتباره شيئاً أميركيا. لكن هذا هو ما يريده معظم الأميركيين. على مدار 20 عامًا، كانت استطلاعات “غالوب” تسأل الأميركيين عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تلعب “الدور الرائد”، أو “دورا رئيسيا”، أو “دورا ثانويا”، أو “عدم لعب دور على الإطلاق” في الشؤون العالمية. وبهوامش كبيرة، يأتي “الدور الرئيسي” دائمًا في المقام الأول. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، عندما سأل مجلس شيكاغو للشؤون العالمية الأميركيين عما إذا كانوا يفضلون أن تلعب الولايات المتحدة دورًا قياديًا “مهيمنًا” أو “مشارِكاً”، ساد خيار “مشارك” بما يقرب من نسبة ثلاثة إلى واحد.

ليس الأميركيون العاديون هم الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن “تجلس على رأس الطاولة”، كما قال السيد بايدن الأسبوع الماضي. إن نخب السياسة الخارجية هي التي غالبًا ما تتجاهل المعارضة الشعبية للأولوية الأميركية باعتبارها “انعزالية”. لكنّ هناك تقليداً معارِضاً في السياسة الخارجية، والذي غالبًا ما يؤيده أولئك الذين يقفون في طليعة النضالات الأميركية الداخلية من أجل العدالة.

في خطابه في العام 1967 الذي عارض فيه الحرب في فيتنام، وصف القس الدكتور مارتن لوثر كينغ الابن حكومة الولايات المتحدة بأنها “أكبر ممول للعنف في العالم اليوم”. وأصر على أن مثل هذه الحكومة يجب أن لا تتظاهر “بأن لديها كل شيء لتعلّمه للآخرين وليس لديها ما تتعلمه منهم”. وجادل الدكتور كينع بأنه بدلاً من السعي للسيطرة على العالم، ينبغي على الولايات المتحدة إظهار “التضامن” معه: أولاً، من خلال كبح مساهماتها في البؤس العالمي، وثانيًا، من خلال الانضمام إلى الآخرين لمحاربة “الفقر وانعدام الأمن والظلم”.

يجب على فريق بايدن أن يجعل من التضامن -وليس القيادة- شعاره لمقاربة العالم. ومن خلال قيامها بذلك، فإنها سوف تقر بأنه بينما يمكن للولايات المتحدة أن تفعل الكثير لمساعدة الدول الأخرى، فإن التزامها الأول -خاصة بعد أهوال عهد ترامب- هو التوقف عن إلحاق الضرر بالآخرين.

*Peter Beinart: أستاذ الصحافة والعلوم السياسية في كلية نيومارك للدراسات العليا للصحافة بجامعة مدينة نيويورك. وهو أيضًا محرر كبير في موقع “التيارات اليهودية” ويكتب The Beinart Notebook، وهي نشرة إخبارية أسبوعية.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Biden Wants America to Lead the World. It Shouldn’t.

المصدر: (نيويورك تايمز) / الغد الأردنية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى