الذكرى الثالثة المشؤومة

عمر حلمي الغول

حلت يوم الأحد الموافق 6/12/2020 ذكرى الصفقة المشؤومة الثالثة، يوم وقع الرئيس دونالد ترامب على مرسوم رئاسي اميركي باعتراف إدارته بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية المارقة، واتبعها في ايار / مايو 2018 بنقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس. فضلا عن سلسلة طويلة من الإجراءات والانتهاكات وحروب التصفية للقضية الفلسطينية من خلال تبديد ملفات الحل النهائي: القدس، اللاجئين، الحدود، المستعمرات، والأمن، حتى دعم موازنات السلطة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين … إلخ  التي دشنت نقلة دراماتيكيه خطيرة في مسيرة التسوية السياسية، هددت خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وأشعلت الضوء الأخضر امام حكومتي نتنياهو الفاسدتين الرابعة والخامسة لمزيد من التغول الاستعماري الاستيطاني على ارض الدولة الفلسطينية، ليس هذا فحسب، بل قامت بتكريس التمييز العنصري، والنفي الكلي لحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني في ارض وطنه الأم، مع إقرار الكنيست ما سمي ب”قانون القومية الأساس للدولة اليهودية” في 19 تموز / يوليو 2018، وهو ما كرس الشراكة الأميركية الكاملة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية في الهجوم الوحشي والمجنون على حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني العليا.

ثلاثة اعوام كاملة غير منقوصة قاد فيها الرئيس الجمهوري وإدارته وفريقه الصهيوني والمتصهين حربا على فلسطين وشعبها وقيادتها، وعلى السلام، والشرعية الدولية وقراراتها وقوانينها ومعاهداتها، ضاربا عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية والإنسانية والسياسية والديبلوماسية والقانونية لصالح فرض وتجذير وجود الدولة المارقة والخارجة على القانون، دولة إسرائيل الصهيونية على كل الأرض الفلسطينية التاريخية. بيد ان صمود الشعب وقيادة منظمة التحرير على الأرض، ورفضها الرضوخ للإملاءات الصهيو – أنغليكانية، ومقاومتها للأزمة العاصفة، التي هددت فعلا المشروع الوطني الفلسطيني، امكنها من صد الهجوم الترامبي – النتنياهوي، وأبقت القضية الفلسطينية بفضل دعم الأشقاء والأصدقاء وأنصار السلام عموما وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 متصدرة المشهد الأممي، حيث حصدت العديد من القرارات الأممية الداعمة لها، اضافة للرفض الواضح والصريح والمباشر لصفقة العار، حتى باتت كل من اميركا وإسرائيل في عزلة تامة.

لكن إدارة ترامب المنتهية ولايته أحدثت تحولات كبيرة في جدار الموقف العربي، ودفعت عددا من الدول للتطبيع الاستسلامي على حساب مبادرة السلام العربية، وبالانقلاب عليها، واستطاعت ان تفرض معادلة جديدة غير مسبوقة في الحالة العربية، رغم وجود دول عربية مطبعة مع اسرائيل سابقا، كما مصر والأردن، بيد ان معادلات هاتين الدولتين مغايرة نسبيا لحالة كل من الإمارات والبحرين والسودان، وهذا ليس تبريرا، ولا تغطية على تطبيعهما، الذي شكل المقدمة لحدوث التحولات اللاحقة. مع ذلك ورغم وجود التطبيع الرسمي لم يتم تعميم واشاعة التطبيع، بل هناك رفض شعبي عميق لكل عملية التطبيع مع دولة الاستعماري الإسرائيلية من أصلها. ونموذج الفنان المصري، محمد رمضان خير دليل على مناعة الشعب المصري الشقيق ضد التطبيع من جذوره.

وحمل هذا التحول إحداث خلل بَينْ في مركبات الصراع العربي في الإقليم عموما، ومع الدولة الصهيونية خصوصا. إلا ان هذه التحولات غير المبررة، والمفتعلة والمهينة، ورغم تأثيراتها السلبية والسيئة، إلآ انها حسبما اعتقد، آنية ومؤقتة، وليس لها صفة الديمومة لعوامل كثيرة، ليس الآن وقت البحث فيها. ولا يتعلق الأمر بهزيمة الرئيس ترامب، وفوز منافسه الديمقراطي، جو بايدن، وإن كان لها مردود نسبي محدود جدا، بل تعود لأسباب داخلية وعربية وإسرائيلية. لأنهم سيكتشفون بؤس رهانهم على التطبيع المذل مع دولة قامت لتدمير وتمزيق وحدة النسيج الاجتماعي والوطني والثقافي.

نعم حلت الذكرى الثالثة لتدشين صفقة العار الترامبية مع اعترافه بالقدس العاصمة الفلسطينية الأبدية ، عاصمة لدولة اسرائيل الكولونيالية، غير انها حلت مع حلول هزيمة تاجر العقارات، وصاحب المرسوم البلفوري الجديد، وهو ما يشير إلى ان قضية فلسطين، وعاصمتها الأبدية القدس، واهداف الشعب العربي الفلسطيني باقية وراسخة وجميع المتآمرون والمتورطون في الصفقة وتبعاتها زائلون، وراحلون ومندثرون في مزابل التاريخ.

المصدر: البيادر السياسي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى