ان يعلن مجلس صيانة الدستور الايراني موافقته على مشروع القانون الذي اقره البرلمان في قراءته الثانية والذي يتضمن مجموعة من البنود التي تلزم الحكومة بإعادة تفعيل النشاطات النووية خصوصا في مجال رفع مستوى تخصيب اليورانيوم الى 20 في المئة وزيادة المخزون الى 120 كيلوغرام منه، اضافة الى تركيب نحو 1000 جهاز طرد مركزي متطور من نوع IR6 وIR8 لايصال التخصيب لمستويات تفوق العشرين في المئة، الى جانب اجهزة من نوع IR2m الاسرع عشرة اضعاف نظيرتها من نوع IR1، واعادة بناء مفاعل اراك للماء الثقيل والغاء التعاون الطوعي في تطبيق بروتوكول التفتيش المباغت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خلال مدة لا تتعدى الشهرين في حال لم تلتزم مجموعة دول 4+1 اي ( فرنسا والمانيا وبريطانيا والصين وروسيا) بتطبيق ما جاء في الاتفاق النووي من تعهدات خاصة الغاء جميع العقوبات التي اقرها قرار مجلس الامن الدولي رقم 2231 وان ترفع العراقيل على عمليات بيع النفط الايراني ومشتقاته والحصول على عائداته المالية، يعني ان النظام الايراني اختار المواجهة مع المجتمع الدولي، خاصة عشية الشروط التي كشف عنها الرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن من اجل عودة بلاده الى الاتفاق النووي، والتي تتضمن اعادة النظر في العديد من بنوده اضافة الى فتح باب التفاوض حول برنامج الصواريخ الباليستية والدور الايراني في منطقة غرب آسيا.
موافقة مجلس صيانة الدستور على مشروع القانون جرت بسرعة غير مسبوقة، فالاعتراض الذي قدمه على المادة السادسة من هذا المشروع تتعلق بالمهلة التي منحت للحكومة لتنفيذه، واوصى بان تكون شهرين عوضا عن شهر واحد، وأعاده للبرلمان ليقره بصيغته النهائية ويرسله الى الحكومة للتنفيذ، ما يعني ان روحاني وحكومته لم يبقى لديهم سوى عشرين يوما من تاريخ التبليغ للبدء بالاجراءات التنفيذية للقانون الجديد. الامر الذي اوصل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية الى نقطة المواجهة والدائرة الحمراء، كانت أحد تجلياتها غياب رئيس الجمهورية عن الجلسة البرلمانية المخصصة لعرض موازنة السنة المقبلة، في حين فضل محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الغياب ايضا عن هذه الجلسة الامر الذي يعتبر سابقة في تاريخ ايران – الثورة.
ان يذهب البرلمان الى نسف الاسس التي قام عليها الاتفاق النووي، ومسارعة صيانة الدستور لاعلان عدم تعارض القانون الجديد مع الشرع والدستور، لا يعني قرار الذهاب الى مواجهة مفتوحة مع الادارة الامريكية والمجتمع الدولي وحتى الحلفاء الدوليين والعودة الى دائرة العقوبات الدولية عبر مجلس الامن الدولي وتفعيل آلية فض النزاعات SNAP BACK، بل يمكن ان يكون مجرد تعبير عن صراع بين اطراف ايرانية حول الاتفاق النووي، وانها خطوة حقق فيها التيار المعارض للاتفاق انتصارا تشريعيا وقانونيا في مواجهة التيار المتمسك بالاتفاق. لان البرلمان الذي اقر الاتفاق عام 2015 خلال عشرين دقيقة من دون ان يكون له الحق بمناقشة تفاصيله، التزاما بالتوجيهات التي صدرت عن مرشد النظام الذي وضع الاتفاق تحت اشرافه مباشرة من خلال تفويضه للمجلس الاعلى للامن القومي، لا يمكن لهذا البرلمان ولا لمجلس صيانة الدستور ان يعتمدا اقرار هذا القانون من دون توجيه وموافقة المرشد الاعلى كون الامر يتعلق بالاستراتيجية العامة للنظام التي تقع ضمن دائرة صلاحيات ولي الفقيه.
والرسالة التي وجهها روحاني الى مجلس صيانة الدستور واكد فيها معارضة الحكومة لهذا القانون، لانه يعني الخروج من الاتفاق النووي ما يفتح الطريق امام عودة العقوبات الدولية، هي من باب “رفع العتب” او الاجراء الروتيني، ومحاولة لابراء ذمته امام القوى السياسية المؤيدة لهذا التوجه وامام الشعب الذي انتظر طويلا للتمتع بنتائج وعائدات هذا الاتفاق، فهو يعرف بوضوح ان المشكلة والاشكالية ليست بينه وبين البرلمان، بل مع الجهة التي تمسك بزمام الامور، وان تراكم التوتر في العلاقة معها وصل الى نقطة اللاعودة والافتراق، وقد ازدادت سوءا بعد اغتيال رأس المشروع النووي محسن فخري زاده.
مجمل هذه التطورات، تحمل على الاعتقاد بان المرشد الاعلى للنظام بات في وضع لا يحسد عليه، خصوصا مع الاستهدافات التي طالت الاذرع الرئيسة في مشروع الاستراتيجي، اذ حرمته العملية العسكرية التي قام بها الجيش الامريكي واغتيال الجنرال قاسم سليماني في مطلع هذه السنة في 3/1/2020 بالقرب من مطار بغداد من الذراع التي يتحكم بها في الاقليم وتمثل رأس المشروع الايراني في منطقة غرب آسيا، وعملية اغتيال محسن فخري زاده بالقرب من طهران في 28/11/2020 طالت رأس مشروع قوة الردع التي يتوكأ عليها المرشد والنظام. اي ان المرشد فقد خلال اشهر ركيزتا مشروعه الاستراتيجي الذي يقوم على تعزيز نفوذه الاقليمي وطموحه في ان يتحول الى قوة اقليمية وذات دور على المسرح الدولي.
انهاء الجدل حول مشروع القانون الذي بدأ البحث حوله بالتزامن مع الانتخابات الامريكية، يعني أن التحدي الذي يواجهه النظام لا يقتصر على عملية الاغتيال ضد فخري زاده، الا انه اعطى مخرجا للوصول الى الهدف الذي يشكل خلفية هذا التوجه، والذي يرتبط بالمرحلة المقبلة والتي حاول الرئيس الامريكي رسمها من خلال التأكيد على نيته العودة الى الاتفاق النووي بعد تعديل بعض بنوده وشرط التزام ايران المسبق بالعودة الى التزاماتها ووقف الخطوات التي قامت بها او تنوي القيام بها في اطار خفض تعهداتها، بالاضافة الى وضع البرنامج الصاروخي على طاولة التفاوض، واشراك بعض الدول العربية وتحديدا السعودية والامارات الى جانب مجموعة 5+1. وهذا يعني بالنسبة للنظام ان الخروج من الاتفاق النووي يبقى الخيار الاسهل امام ما يمكن ان تذهب اليه الامور في حال عدم الانسحاب. خصوصا وان طهران ستجد نفسها الى طاولة التفاوض مع اطراف ودول (السعودية والامارات) لم يكن تدخل في حساباتها الاستراتيجية الا بالقدر الذي تكون قادرة فيه على الحوار من موقع المتفوق، لا ان تكون هذه الدول في موقع فرض الشروط او تحديد السلوك لها. وبالتالي ستكون فاتورة التفاوض اكبر من فاتورة استمرار العقوبات التي لم تسمح لها بالتقاط انفاسها، خصوصا وانها لم تختلف في طبيعتها وقسوتها عما كانت عليه قبل قرار مجلس الامن رقم 2231 حتى لو عاد مجلس الامن الى تفعيل العقوبات التي ألغاها هذا القرار.
ولتحقيق الاهداف الاستراتيجية التي تحكم رؤية قيادة النظام، لا بد من تقديم بعض الخسائر على هذا الطريق، وهو ما أدركه الرئيس روحاني بان المطلوب ان تدفع الحكومة وادارته الدبلوماسية ثمن هذا الموقف، وإن رفعَ الصوت عاليا للتحذير من خطورة الانقسام حول الانسحاب والحفاظ على خطوط الحوار مع المجتمع الدولي، محاولا حصر الازمة مع البرلمان والتيار المحافظ بعيدا عن المرشد، من خلال توجيه رسالته الاعتراضية بالاعتماد على الدستور ومبدأ فصل السلطات على تدخل النواب في العملية التفاوضية والاتفاق النووي الذي يقع في اطار اختصاص المجلس الاعلى للامن القومي الذي يرأسه وينفذ توجيهات المرشد الاعلى، متخوفا من ان يكون الهدف من هذا الموقف التصعيد مجرد توظيف لعملية الاغتيال وتصريحات الرئيس الامريكي في معركة سياسية داخلية يراد ترجمتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة في حزيران 2021.
المصدر: المدن