محاطة بأكوام “الشفلح”، في مخيم “الفقراء لله” في حربنوش بريف إدلب الشمالي، تقضي سناء نهارها في تنقية العيدان والأوراق وفرز الثمار المرة الصالحة، التي تعتبر مكونًا لذيذًا للطعام في واقع آخر.
المرأة الأربعينية “مجبرة”، كما قالت لعنب بلدي، على العمل بـ”الشفلح”، لغياب الفرص البديلة التي تساعدها على تلبية احتياجات زوجها المريض ومستلزمات المعيشة، “نعمل، أنا وأطفالي، من الساعة التاسعة صباحًا حتى الساعة التاسعة مساء، أي حتى يخفت الضوء ولا نتمكن من الرؤية”.
قبل نزوح سناء وعائلتها، منذ بداية العام الحالي، كانت شجيرات “الشفلح” تنمو في الأراضي التابعة لبلدتها، كفروما في ريف إدلب الجنوبي، بشكل بري دون زراعة، حيث اعتاد الأهالي على العمل في جني المحصول ومعالجته وبيعه.
وأوضحت سناء، أن ثمرة “الشفلح” تحمل اسمًا ثانيًا وهو “القبار”، وتخزن بالماء والملح صيفًا قبل البدء بتوزيعها شتاء على العمال لتنظيفها من العيدان الصغيرة.
تستقبل سناء مع أبنائها وأختها عائدة أكياس “الشفلح” التي يوصلها لهم التجار كل صباح للعمل، لقاء مبلغ 1500 ليرة سورية تقريبًا، أي ما يزيد على نصف دولار، “هذا المبلغ ليس كافيًا لكنه يسمح بتأمين حياة كريمة دون انتظار المنظمات الإغاثية”، على حد تعبيرها.
مقابل كل كيلوغرام من الثمار المنتقاة، يحصل عمال “اليومية” على ألف ليرة سورية، ومع تمكن عائدة من تنقية ثلاثة إلى أربعة كيلوغرامات يوميًا فهي لا تعتبر عملها سيئًا، “كنا سابقًا نعمل على قطاف الشفلح بأيدينا ونذهب إلى مناطق بعيدة، ولكن وبعد النزوح، أخبرونا أن بإمكاننا تنقية العيدان في خيامنا”، كما قالت لعنب بلدي.
ما هو “الشفلح”؟
نبتة يختص بها حوض المتوسط بشكل طبيعي، تنمو شجيراتها، التي يصل طولها إلى متر، في المناطق الجبلية الوعرة التي تغطيها أشعة الشمس على الدوام، تغطي الأشواك القاسية حباتها ذات الأزهار البيضاء، التي لا تدوم سوى 16 ساعة، وبإمكان كل شجيرة أن تعيد تقديم الثمار كل عشرة إلى 12 يومًا بعد قطافها.
ويبدأ موسم “الشفلح” سنويًا في أشهر الصيف، مع بداية الشهر السادس وحتى بداية الشهر التاسع، وفي حين تعتمد عوائل متعددة في ريف إدلب الجنوبي على حصاد النبتة كمصدر للرزق إلا أنهم لا يستخدمونها في طعامهم، كما يفعل الأوروبيون الذين يرغبون بإضافة الثمار المخللة إلى أطباقهم، خاصة في المطبخ الإيطالي.
تناول البشر “الشفلح” منذ آلاف السنين، فكان معروفًا في اليونان، وذُكر في ملحمة “جلجامش” السومرية، إلا أنه ليس مستخدمًا في المطبخ السوري، ولم يكن السكان يهتمون بحصاد ثماره المرة، التي تعالَج وتباع بأثمان “مرتفعة” على شكل مخللات، وتنقيتها كما يفعلون اليوم مع ضيق الأحوال المادية.
من إلى المالح
يتاجر محمد السمير بنبات “الشفلح”، فهو يشرف على قطافه ومعالجته ومن ثم تصديره إلى تركيا، التي تصدره بدورها عالميًا، لقاء دولار ونصف أو دولارين مقابل الكيلوغرام، ويعمل 30 عاملًا وأكثر من 150 عاملة مدة ثلاثة أشهر لتخزين ثماره وتنقيتها.
بعد القطف مباشرة تخزن الثمار بماء وملح، تعادل نسبته 27% من كتلتها، قبل أن تُغربل وتُفرز الحبات وتُنقل إلى عملية التنقية، التي تهدف لإزالة العيدان أو الحبات التي تحمل ديدانًا أو شوائب، قبل أن تُغسل من جديد وتخزن بالماء والملح، حسبما قال محمد لعنب بلدي.
استخدامات طبية
لا يضم نبات “الشفلح” سوى نسب منخفضة من الكربوهيدات، مع احتوائه على نسب عالية من الفيتامينات والمعادن، ويُستفاد منه طبيًا في الصناعات الدوائية وصناعة مواد التجميل، مع احتواء ثماره على كلوزيدات وحموض أمينية وكلوبيدات رباعية، وعلى مجموعة من السكريات والزيوت الطيارة التي تشبه رائحتها الثوم، إضافة إلى مواد صابونية وهلامية وحموض عضوية ودهنية.
ويستخدم في علاج التهابات الأذن وأمراض السمع، وتدخل ثمارها في علاج أمراض الإسهال وطرد ديدان وغازات البطن والأمعاء، إضافة إلى فائدتها في أمراض الطحال وتنشيط الكبد وخفض السكر، وتستخدم كمضاد للسرطان.
ويعتبر منشطًا جنسيًا، وفاتحًا للشهية، وهو علاج لعرق النساء، وآلام الفخذ، والبواسير، ويدر البول ويخفض الضغط ويطرد البلغم، ويعالج الأمراض الصدرية وتصلب الشرايين، بالإضافة إلى الحساسية وسيلان الأنف وأمراض المعدة.
ويستفاد من جذوره وأوراقه في علاج آلام النقرص والروماتيزم وآلام الظهر والرقبة، وعلاج الأورام والكدمات، وفي تسكين الألم بشكل عام، أما أزهاره فتستخدم لتطهير المسالك البولية عن طريق عمل منقوع من هذه الأزهار.
المصدر: عنب بلدي