دفع النشاط المتزايد لتنظيم “داعش” في البادية السورية، “التحالف الدولي” الذي يتخذ من منطقة التنف على الحدود السورية – العراقية قاعدةً أساسية له، إلى إجراء تدريبات مع فصيل “مغاوير الثورة” التابع للمعارضة السورية والمدعوم من “التحالف”، ما يشير إلى تحسب الأخير من محاولات ربما يقدم عليها “داعش” للاقتراب من منطقة الـ55 المحيطة بالقاعدة العسكرية. ونشر الفصيل على موقع التواصل “تويتر” مقاطع فيديو تظهر جانباً من التدريبات التي يجريها بالمشاركة مع طيران “التحالف”، والذي نفّذ هجمات جوية تدريبية وصفها بـ”الناجحة” بالقرب من قاعدة التنف. وأكد الفصيل في تغريدة له، أن “التدريبات المشتركة بين جيش مغاوير الثورة والقوات الأميركية تهدف إلى حماية المنطقة من أي تهديد”، وفق الفصيل.
في موازاة ذلك، ذكرت مصادر محلية في ريف دير الزور الشرقي أن قوات النظام والمليشيات الإيرانية المتمركزة في المنطقة، رفعت درجة الجاهزية، بالتزامن مع التدريبات التي يجريها فصيل “مغاوير الثورة” مع “التحالف الدولي”، ما يؤكد خشية هذه القوات من محاولة تقدم من قبل الفصيل باتجاه هذا الريف. وتشير المعطيات إلى أن “التحالف” ليس بصدد القيام بأي عمل عسكري في البادية السورية، سواء على خلايا تنظيم “داعش” أو المليشيات الإيرانية في شرقي سورية، ولكنه من الواضح أنه يتحسب من النشاط المتزايد لـ”داعش” على امتداد البادية السورية، والذي يمكن أن يشكل خطراً على قاعدة التنف.
وتقع القاعدة، التي أنشأها “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة في العام 2014، غرب الحدود العراقية بمسافة 22 كيلومتراً، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية – الأردنية، وهي تعد من أهم القواعد العسكرية له في سورية، حيث تضم جنوداً أميركيين وبريطانيين وفرنسيين. واعتبر “التحالف” المنطقة المحيطة بالقاعدة على مسافة 55 كيلومتراً “محرمة” بشكل كامل على قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية التي تساندها، وعلى تنظيم “داعش” الذي اتخذ من البادية السورية مجال نشاط له بعد خسارته معاقله في سورية والتي كان آخرها بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، ليس بعيداً عن الحدود السورية – العراقية. وكانت قوات النظام حاولت خلال العامين الأخيرين التقدم من منطقة الـ55، إلا أنها تلقت رداً نارياً من “التحالف الدولي”.
وتأسس فصيل “مغاوير الثورة” في العام 2015 تحت قيادة العقيد مهند الطلاع المنشق عن قوات النظام، في ذروة الحرب على “داعش”، وذلك من مقاتلين في “الجيش السوري الحر” يتحدرون من البادية أو من شرقي سورية، وخصوصاً من محافظة دير الزور. ويتلقى هذا الفصيل تدريبات وأسلحة وذخيرة من “التحالف” الذي يعتمد عليه في حماية قاعدة “التنف” الاستراتيجية، والتي تحول دون سيطرة إيران على المنطقة وتنفيذ ما تخطط له من إنشاء ممر برّي يبدأ من الأراضي الإيرانية وينتهي على شاطئ البحر الأبيض المتوسط مروراً بالعراق وسورية. وحاول هذا الفصيل مهاجمة مدينة البوكمال على الحدود السورية – العراقية في العام 2017، إبان سيطرة “داعش” عليها، إلا أنه مني بخسائر كبيرة ما دفعه إلى العودة إلى قواعده في البادية السورية، حيث لم يقم بعمل عسكري واسع النطاق منذ ذلك الحين. وإلى جانب “مغاوير الثورة”، يتخذ أكثر من فصيل عسكري تابع للمعارضة السورية من البادية السورية مقراً له، منها فصيل “أسود الشرقية”، و”قوات أحمد العبدو” التي تحمي مخيم الركبان القريب من الحدود السورية الأردنية.
ولم يسبق لـ”داعش” أن حاول الاقتراب من محيط قاعدة التنف أو ما يُعرف بمنطقة الـ55، حيث يقتصر نشاطه على المناطق التي تخضع لسيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية، والممتدة من ريف حمص الشرقي وحتى ريف دير الزور الشرقي الذي تسيطر عليه فعلياً مليشيات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني. وتلقت قوات النظام منذ مطلع العام الحالي العديد من الضربات من خلايا تنظيم “داعش” النشطة في البادية السورية، التي تعادل نحو نصف مساحة سورية. وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن عدداً من عناصر “الفرقة الرابعة” التابعة لقوات النظام، أصيبوا أول من أمس الثلاثاء جرّاء هجوم مسلح استهدف حافلة تقلهم في بلدة القورية بريف دير الزور الشرقي، في أحدث هجوم يشنه التنظيم على وحدات من قوات النظام في شرقي سورية.
ولم تنقطع طيلة شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الهجمات المركزة من قبل “داعش” على وحدات لقوات النظام في ريفي حماة وحمص الشرقيين، وفي ريف دير الزور الشرقي وريف الرقة الجنوبي الغربي، وهو ما يؤدي إلى مقتل عدد من عناصر هذه القوات التي استنزفها التنظيم. وتحاول هذه القوات الحد من هجمات التنظيم المباغتة، وخصوصاً على الطرق الرئيسية في البادية السورية، وأبرزها الطريق الدولي الذي يربط العاصمة السورية دمشق بمحافظة دير الزور، والذي يمر من قلب البادية السورية، والطريق الدولي الذي يربط مدينة حمص بمحافظة الرقة، والذي يمر على التخوم الشمالية لهذه البادية.
المصدر: العربي الجديد