قراءة في رواية: القانون الفرنسي

أحمد العربي

صنع الله إبراهيم روائي مصري متميز، كتب الرواية عبر عقود، غطى الواقع المصري بكل شفافية ومصداقية، بعض رواياته تحولت إلى مسلسلات تلفزيونية  كتبنا عن أغلبها.
.تبدأ الرواية من ذهاب الدكتور شكري المصري لفرنسا للمشاركة بمؤتمرين ؛ أولهما عن الحملة الفرنسية على مصر ، والثانية عن القانون الفرنسي المقترح وقتها حول إعادة الاعتبار الى المرحلة الاستعمارية الفرنسية لمصر في أواخر القرن التاسع عشر، كفترة تاريخية وأنها ذات دور ايجابي -تاريخيا- على مصر، ورفع الضرر عن من تضرر من اعتبار تلك الفترة أنها كانت استعمارا، وذلك بحق ابناء الشمال الأفريقي ومنهم في مصر، الذين كانوا مع المستعمر ضد شعوبهم وخرجوا معهم وعاشوا في فرنسا وصاروا جزء من بنيتها الاجتماعية، ومن مشاكلها ايضا.
شكري الدكتور المختص في التاريخ و عن الحملة الفرنسية على مصر، سيصل لفرنسا ليجد الشباب الفرنسي الثائر على الحكومة وتصرفاتها العنصرية، والذي يرد عبر التظاهر واعمال العنف وحرق السيارات في بعض الاحياء في باريس وامتدادها لكثير من المدن الفرنسية، يشارك الدكتور بجلسات المؤتمر، هناك تياران أساسيان في المؤتمر: أولهما يرى أن الحملة الفرنسية كانت بداية تنوير وعلم وتقدم في مصر ومن مصر انتقلت للمشرق العربي، وثانيهما يراه عمل استعماري بامتياز، استخدمت فرنسا تقدمها العلمي والتكنولوجي ليقمع المصريين و ليقتلهم و يسهل عليه السيطرة عليهم ، وكل يحشد أدلته. سيدافع تيار اعتبار الحملة الفرنسية بداية التنوير في مصر والعالم العربي عن دور الاستعمار الحديث أيضا في المشرق والمغرب العربي، وسيدخل في تصنيف عنصري لشرق متخلف وغرب متحضر، ولدور للغرب ريادي، سيؤكد تيار اعتبار الحملة الفرنسية مؤسسة للاستعمار في العصر الحديث ودور الغرب في استعمار الشعوب وخاصة العرب، واستمرار تخلفهم وصناعة دول مستبدة واستنزاف خيرات البلاد والهيمنة على هذه الدول وجعلها تابعة في المباشر والغير مباشر للغرب ومصالحه. سيتحدث شكري بإسهاب عن دولة الاستبداد في مصر. وماذا وكيف جعلت من مصر متخلفة وتابعة والتي ينقصها كل اسباب التقدم والنجاح ، وذلك عبر فعل السلطة التابعة وبرضى الغرب المستفيد الأول من ذلك، كل ذلك بالأرقام  عن البطالة والفساد والأراضي المستباحة والاقتصاد المنهوب..الخ.. ليصلوا الى رأي مفاده:  ان تقدم الغرب يستمد قوته من تخلف الشرق واستنزافه. سننتقل للمؤتمر الثاني الذي سيقرر نصا تشريعيا باعتبار الاستعمار عملا انسانيا ايجابيا قامت به فرنسا لمصلحة شعوب العالم المستعمر، ويختلف الشعب الفرنسي ومفكريه حول ذلك سواء لجهة الحق والباطل، أو لمصادرة حق التاريخ بقول كلمته وحيادية الموقف منه. انه الخوف من سابقة تجريم من يشكّك بالمذابح المدعاة بحق اليهود في الحرب الثانية، والتي أدت لدخول كثير من الباحثين والمفكرين السجن لمجرد اختلافهم بالرأي حول هذه المرحلة أو انهم يريدون عبر القانون تبرير الاستعمار وتطهيره اصلا واعطائه مضمونا يتناقض مع حقيقة الفعل التاريخي للاستعمار، خاصة إذا نظرنا له بشمولية دوره، رأسمالية اوربية ممتده عبر قرون وفي العالم أجمع. ينتهي المؤتمر الثاني طبعا دون حسم، وتبقى المواقف متناقضة و متصارعة، الشغب في فرنسا مستمر على قاعدة أن العنصرية مستمرة وهي أحد توابع الاستعمار، هذا يعني اننا امام معارك اليوم وليس الامس فقط .
في الرواية مستوى إنساني آخر أنه عالم شكري النفسي المحتاج لشراكة جسدية مع الانثى وخاصة أنه أصبح في خريف العمر(عمره ستين عاما)، سيفكر بكل امرأة يتعامل معها، واغلب مشاعره ستموت داخله، مسكون بشهوانية مراهقة متأخرة وحرمان كبير، سيحاول ان يتواصل مع احداهن من المشاركات معه في المؤتمر، لن تستجيب له فهي ساكنة في عالمها الذاتي وامراضها الخاصة الجسدية والنفسية، وتصدّه كأنه مجرد متطفل دون أي مشاركة انسانية. يغادر المؤتمر ويعود دون أن تنتصر رسالته العلمية ودون تحقيق تواصل إنساني. ونصل للنهاية عبر إدراك أن الغرب يعيش مرضه العنصري: بعقدة تفوقه وتبرير أخطائه وتحويلها لإنجازات، وتعامله معنا كعالم ثالث وعرب ومصريين فقط كموضوع لقوته وعظمته وفعاليتها، ونحن الشرق المريض بالدونية والانسحاق أمام الآخر الغرب وأننا مجرد ضحايا، واننا غير مقبولين الا بصفتنا ادوات مصلحة الغرب و متعته ايضا.
تنتهي الرواية  وشكري عائدا لمصر حاملا خيباته، ونحن حاملين انطباعا باننا سنبقى ضحية طالما تقبلنا ذلك، مطلوب منا ان ننتقل لدور الانتصار لانسانيتنا وناسنا، واسترداد حقوقنا بالحرية والكرامة والعدالة والتشاركية السياسيه، هنا على أرضنا وفي بلادنا، قبل وبعد استردادها من اعدائنا الأوروبيين او الغرب عموما، ومن تابعيهم السلطات الاستبدادية المسيطرة على البلاد والشعوب العربية. وإلى أن يتحقق ذلك فالمعركة مفتوحه والسجال مستمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى