قراءة في رواية: عاشقان من بلاد الرافدين

أحمد العربي

الرواية مهمة، تطال مرحلة حرجة من تاريخ العرب الحديث في الأربعينات من القرن الماضي، تتحدث عن العراق وإيران والمنطقة كلها، من مرحلة الحرب العالمية الثانية ، وصولا الى تشكيل دولة (إسرائيل) على أرض فلسطين.
الرواية تعتمد أسلوب الرسائل بين شاب وفتاة عراقيين ويهوديين ايضا، البنت “راشيل” عراقيه هاجرت مع أهلها إلى إيران بعد أحداث الفرهود، التي طالت يهود عراقيين قتلا وسرقة وإساءة، وحبيبها “كرجي” اليهودي المستمر بالعيش في العراق مع أسرته في العراق، الرواية تكاد تكون سجل اجتماعي سياسي للعراق ومحيطه، ينصب التركيز على اليهود لكون ابطال الروايه يهود عراقيين، راشيل هربت مع عائلتها الى عبدان ومن ثم الى طهران ، والدها انهى كل اعماله التجاريه في العراق وكذلك عمها، وذهبوا لإيران ، والدها مسكون بهاجس انه يهودي ومستهدف كيهودي حيث يعيش، وأن الحل ان يذهب لاي مكان يحمي نفسه به، كانت فلسطين في باله ، وسرعان ما أصبحت هدفه ، انتسب للماسونية ثم للحركه الصهيونيه، واستمر يحاول الذهاب إلى فلسطين، حتى استقر أخيرا في عكا في (إسرائيل)، راشيل عملت مع عمها وعمتها في فريق عمل متكامل مع الانكليز والامريكان دبلوماسيين او تجار ومسؤولين، العم كان من اكبر تجار العراق، غادر لايران وصار شريكا لاخت الشاه الايراني في كل تجارتها الداخلية والخارجية، راشيل تتعرف على واقع إيران الذي يمر بمتغيرات عدة ، فالشاه أخذ جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وصار هناك موطئ قدم للسوفييت والبريطانيين والأمريكيين، الشارع الإيراني يعاني من الفقر واستحواذ العائلة المالكة وحاشيتها على كل شيء ، هناك وجود للحركة الوطنيه الايرانيه ، ومنها الحزب الشيوعي الايراني الذي حاول اغتيال الشاه، واستمرت الحركه الوطنيه حراكها ضد الشاه شعبيا ، وكان في واجهتها محمد مصدق الذي سيصل للحكم ويسقطه الامريكان ويعيدون الشاه، سنكتشف في الرواية ان راشيل وطبقة الدبلماسيين الاجانب خاصة الانكليز والامريكان حاضرين في كل السياسات، ويسيّرون ايران والعراق واماكن اخرى ايضا، ستكون راشيل مصاحبة لاحد رجال المخابرات الامريكان ومطله على الوضع اول باول ، في المقابل سنتابع عبر كرجي الشاب اليهودي المنتمي للعراق ارضا ووطنا ، والذي يؤمن ان لا وطن له غير العراق ، والده شيوعي وفي موقع متقدم في الحزب الشيوعي العراقي ، يعمل مع رفاقه ضد الحكومه العراقية، ويفكروا ببناء دولة شيوعية في العراق ، لذلك كانوا مستهدفين ومطاردين، هم يناصرون حلف السوفييت مع بريطانيا والحلفاء ضد المحور المانيا وحلفاءها في الحرب العالمية الثانية، اليهود في العراق حاضرين في كل شيئ، في الدولة والمجتمع والاقتصاد وخاصة التجارة ، فكلهم أثرياء ولهم باع بالتجارة ، ويدهم حاضرة في سياسة الدولة العراقية ، بالرشوة أو عبر الانكليز الذين يعتبرونهم حصانهم الرابح، واحد أدواتهم في العراق، لكن المجتمع العراق لن يصمت عنهم ، فبعد وعد بلفور والاحتلال الإنجليزي سيتحرك الشارع العراقي ضد اليهود، وتبدأ عملية طردهم اول باول ، وذلك بفعل العصابات الصهيونية ،التي تريدهم ان يذهبوا الى فلسطين لتشكيل دولتهم (اسرائيل) ، وهذا ما سيحصل فعلا. سيكتشف اليهود العراقيين ان كل الظروف تدفعهم للهجرة ، فهناك أحزاب عراقية تراهم كلهم صهاينة وتسبيحهم ، ونوري السعيد الحاكم القوي للعراق وقتها يقترح ترحيل اليهود العرب لفلسطين تخلصا منهم، ولا نعلم من يخدم بهذا الاقتراح، أنه يخدم الصهيونية، سيغادر ما يزيد عن المئة ألف يهودي عراقي العراق دون رجعه، عائلة كرجي تهاجر الى هولندا بعد ان اعتقل اغلب اعضاء الحزب الشيوعي، وأصبح والده وهو مطلوبان لكونهما شيوعيان و يهوديان ايضا، هرب اليهود بما خف حمله وغلى ثمنه، تركوا املاكهم او باعوها باسعار زهيده. راشيل وعمها وعمتها قرروا الرحيل من طهران الى بريطانيا، وخاصة بعد أن قويت الحركة الوطنية ضد الشاه وأصبح اليهود مستهدفين بصفتهم ادوات الشاه والانجليز والامريكان في السيطرة على الاقتصاد الإيراني.
تنتهي الرواية وراشيل تنتظر حبيبها كرجي ليخرج من العراق وترافقه إلى أي مكان يريد.
في الرواية شفافية كبيرة تكشف حال قاع المجتمع العراقي، الموغل في الفقر والتخلف والفساد، الجنس السوقي بصفته بيئة اجتماعية حاضرة بقوة، ويظهر ان اليهودي واليهودية لا يقفوا كثيرا عند موضوع الجنس وخصوصيته، كعلاقة زوجية وحرام وحلال، وبعضهم يستغله لمآربه، وخاصة النساء ، وسنجد ايضا العراقيات الأخريات ممن اكلتهم ظروف الحياة ، ووجدن أن وسيلتهم للعيش ان يبعن اجسادهن.
الرواية تجيب عن سؤال مرحلة تاريخية طالت العراق وايران والدول العربية الاخرى ، واقع اليهود في العراق، و لماذا هاجروا ؟، وكيف ؟ وتوضح أن اليهود كانوا ضحية سياسة خاطئة او خائنة وعميلة للمستعمر، اخذتهم مع مجتمعاتهم لهذا الاصطفاف الذي لم يكن أمامهم غيره، فإما الهجرة او السجن او القتل، وعمل المستعمر والحكام وبعض الشعب على هذه الخلفية ، وهم لم يكونوا انبياء ، بل كانوا من بنية المجتمعات العربية ، وكانوا فاعلين اقتصاديا وقريبين من السلطات، وأخذوا اخيرا خيارهم بالتوجه (لاسرائيل) ، فلسطيننا التاريخية، او الى اوربا وامريكا.
انتهت الرواية تاركة لنا مجالا للتفكير بالواقع اليهودي القائم و القادم ، اليهود الصهاينة في فلسطين ودورهم في تاريخنا العربي المعاصر، الذين يكادوا يهيمنون و يغطون على اللوحة السياسية في المنطقة العربية كلها.
وهذا حديث آخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى