هل يسحب ترامب القوات الأميركية من سورية قبل رحيله؟

عماد كركص

أقرّ الممثل الأميركي الخاص للتواصل بشأن سورية، السفير جيمس جيفري، والذي أعلن عن استقالته قبل أسبوع، بتعمد فريقه إخفاء العدد الحقيقي لعديد القوات الأميركية المتواجدة في سورية عن إدارة الرئيس دونالد ترامب. واعترف جيفري، في حديثٍ مطول لموقع “ديفانس وان”، قبل أيام بأن فريقه قام بشكل روتيني بـ”تضليل القيادات الكبيرة بشأن مستوى القوات الأميركية في سورية”. وأضاف جيفري، في الحديث الذي نشر في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أنه “كنّا دائماً نتحايل ونراوغ، لئلا نكشف لقياداتنا العدد الحقيقي للقوات هناك”، مؤكداً أن هذا العدد “يفوق بكثير” ما هو معلن، أو ما قال ترامب إنه يوافق على بقائه، وهو بحدود مئات قليلة جداً من القوات. وبالتزامن مع هذا الكشف، رصدت “العربي الجديد” يوم السبت الماضي، مغادرة رتلٍ أميركي من سورية باتجاه العراق. وتحرك الرتل الذي يضم 12 عربة – 7 مدرعات عسكرية و5 شاحنات – ويتوقع أنه ضمّ من 50 إلى 60 جندياً أميركياً، من معبر قاعدة مطار الرحيبة قرب مدينة المالكية، شرقي محافظة الحسكة، وعبر معبر الوليد الحدودي متجهاً إلى الأراضي العراقية. وأشارت مصادر لـ”العربي الجديد”، إلى أن وجهة الرتل هي تحديداً نحو القواعد الأميركية العسكرية في إقليم كردستان العراق، في حين لم يكن ممكناً معرفة إذا ما كان هذا التحرك يعد انسحاباً وتقليصاً للقوات، أو تبديلاً اعتيادياً للجنود بين شرقي سورية والعراق.

وتثير هذه التطورات تساؤلات عما إذا كان الرئيس الأميركي بصدد تجاوز “الخديعة” التي تعرض لها بشأن العدد الحقيقي لقوات بلاده، وتحقيق رغبته بسحب هذه القوات من سورية، قبل تسلم الإدارة الأميركية الجديدة لجو بايدن.

وبناء على ذلك، قد تشهد الأيام الـ65 المتبقية من ولاية ترامب، أحداثاً متسارعة حيال الملف السوري، تتعدى سحب القوات، لتذهب نحو إجراءات أكثر صرامة ضد النظام السوري. وكان تلا الإعلان غير الرسمي، عن فوز بايدن، إصدار وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين حزمة خامسة من العقوبات بموجب “قانون قيصر” طاولت 19 كياناً وفرداً من النظام أو المرتبطين به بشكل مباشر، في حين يتوقع أن يتحرك ترامب كذلك ضد الوجود الإيراني في سورية، ضمن إطار إجراءات أكثر صرامة حيال طهران. ويتوقع مراقبون أن يلجأ الرئيس الأميركي الخاسر إلى تصعيب مهمة أي تقارب أميركي – إيراني في عهد خلفه الذي كان أشار سابقاً إلى إمكانية إعادة تفعيل “الاتفاق النووي” مع طهران، مقابل شروط.

وأعقبت تأكيد فوز بايدن أيضاً، إقالة ترامب وزير الدفاع مارك إسبر، وتعيين مدير المركز الوطني لمحاربة الإرهاب كريستوفر ميلر وزيراً للدفاع بالوكالة، فيما نقل موقع “أكسيوس” الأميركي، أن ميلر عيّن الكولونيل المتقاعد دوغلاس ماكغريغور كبيراً للمستشارين في البنتاغون. ويعد الأخير من الموالين لترامب، في حين رأت مصادر مطلعة من داخل الإدارة الأميركية للموقع، أن التغييرات في وزارة الدفاع هي إشارة إلى أن إدارة ترامب تريد تسريع انسحاب القوات الأميركية من منطقة الشرق الأوسط قبل نهاية رئاسته رسمياً في يناير/كانون الثاني المقبل. ولفت الموقع إلى أن الكولونيل ماكغريغور تحدث سابقاً بأنه سينصح ترامب بسحب القوات الأميركية من أفغانستان. وقال أيضاً في مقابلة صحافية إن “الولايات المتحدة بحاجة إلى سحب قواتها من سورية على الفور، وليس لأميركا مصلحة وطنية هناك”.

وكان ترامب توجه لسحب القوات الأميركية من سورية، لكنه لاقى في أوقات سابقة معارضة قوية من قبل إدارته. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن الرئيس الأميركي عن سحب قوات بلاده المنتشرة شرقي سورية، وجاء ذلك بالتزامن مع إطلاق تركيا عمليتها العسكرية المسماة “نبع السلام”، بالمشاركة مع فصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة، ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي يشكل الأكراد معظم قياداتها. وتضمن الإعلان الإبقاء على 200 جندي أميركي شرقي سورية، لحماية آبار النفط هناك. وسبق ذلك بعام، إعلان لترامب، لم يطبق، لسحب القوات الأميركية من سورية، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2018، ما أدى حينها إلى خلافات بين الرئيس ووزير دفاعه الأسبق جيمس ماتيس الذي قدم استقالته لاحقاً.

قرارا ترامب بالانسحاب، واللذان وصفا بالمُربكين من قبل قيادات في إدارته، لم يعجبا المسؤولين العسكريين في البنتاغون، ولا سيما القرار الثاني، إذ تشير المعطيات إلى معاكسته بدل تطبيقه، حيث شهدت الأيام التي تلت توقف العملية العسكرية التركية، أو تعليقها، شرقي سورية، تعزيزاً للوجود العسكري في القواعد الأميركية هناك، بل وإنشاء قواعد جديدة، لا سيما بعد سحب بعض النقاط في ريفي الرقة وحلب إليها. كما شهد الشهران الأخيران، إمداد تلك القواعد بعربات متطورة ومعدات لوجستية، مع استعادة تنظيم “داعش” لنشاطه في البادية السورية، وذلك بهدف الاستعداد لمواجهته، بحسب ما صرّح مسؤولون عسكريون أميركيون ومن ضمن “التحالف الدولي” لهزيمة التنظيم، والذي تقوده واشنطن في سورية والعراق.

ويبقى السؤال مشروعاً حول تكريس موالي ترامب الذين جرى تعيينهم حديثاً في البنتاغون، عملية الانسحاب كأمر واقع، أو نجاحهم بتقليص عدد القوات بشكل حقيقي. أما الإجابة على ذلك، فمرهونة بما ستحمله المعطيات وحركة الأرتال الأميركية على الأرض السورية شرقاً.

وعلى النقيض من التوقعات التي تشير إلى إمكانية سحب ترامب للقوات الأميركية أو تخفيضها في سورية، زار نائب المبعوث الأميركي الجديد إلى سورية ديفيد براونشتاين، أول من أمس الأحد، شرقي سورية، حيث التقى مظلوم عبدي، قائد “قسد” الحليفة لواشنطن، والتي تسيطر على مساحات واسعة من شرقي سورية، وتحكمها عبر “الإدارة الذاتية” الكردية. وقال عبدي في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”، بعد لقائه المسؤول الأميركي: “نتشارك رؤية مشتركة لمستقبل يتمتع فيه جميع السوريين بالسلام والحرية، ونتطلع إلى العمل جنباً إلى جنب مع جميع أشقائنا السوريين للتغلب على التحديات المشتركة وتحقيق هذا الهدف”، ما يعني استمرار العلاقات بين القوات الكردية وواشنطن مستقبلاً.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد سؤال أكثر إلحاحاً لا يزال يفتقر إلى الإجابة، بعد تصريحات جيفري لـ”ديفينس وان”. ويتعلق السؤال بالعدد الحقيقي للجنود الأميركيين المتواجدين في سورية. وقد يساهم الاطلاع على القواعد الأميركية المنتشرة شرقي البلاد، في تقدير عدد هذه القوات. وهي تتوزع على القواعد الأميركية في محافظة الحسكة، والقواعد الأميركية في دير الزور.

قد تجيب حركة الأرتال الأميركية على الأرض السورية عما قد تحمله المعطيات خلال الأسابيع المقبلة

القواعد الأميركية في الحسكة

يبلغ عدد القواعد الأميركية في محافظة الحسكة تسع قواعد، وتتنوع مهامها بين القتال والتدريب والاستشارات. وتضم بالمجمل حوالي 1730 جنديا أميركيا، وفق التوقعات بأقل تقدير. وهذه القواعد هي:

  1. قاعدة الرميلان، تعد أكبر القواعد الأميركية في محافظة الحسكة، وثاني أكبر القواعد الأميركية في سورية، وكانت عبارة عن مطار زراعي وسّعه العسكريون الأميركيون ليكون مناسباً لهبوط المروحيات المتطورة، وحتى طائرات الشحن الخفيفة. وتقع القاعدة جنوب شرق مدينة الرميلان ذات الانتشار الكبير لآبار وحقول النفط الواقعة شمالي محافظة الحسكة. وبداية العام الحالي، زادت القوات الأميركية من تعزيزاتها إلى القاعدة، ويتوقع حالياً أنها تضم 500 جندي أميركي، من بينهم عناصر لفرق محمولة جواً.
  2. قاعدة تل بيدر، تقع غربي محافظة الحسكة، وتعد ثاني أهم قاعدة أميركية في المحافظة، حيث تشرف على الطريق الدولي الحسكة – حلب “أم 4″، ما يُمكّن جنودها من قطع الطريق على القوات الروسية التي تحاول سلوكه بين فترة وأخرى. وتتضمن القاعدة كذلك مدرجاً للطيران، فيما تضم حوالي 150جندياً.
  3. قاعدة المالكية، أو مطار الرحيبة، أو مطار روبار، تقع جنوب مدينة المالكية، وكانت مطاراً زراعياً كذلك، وتم تحويلها إلى مطار مخصص لهبوط الطائرات المروحية والطائرات المسيرة، وتضمّ حوالي 175 جندياً.
  4. قاعدة قسرك، تقع شرق مدينة تل تمر شمال غربي الحسكة، وتشرف أيضاً على طريق “أم 4″، ويتوقع أنها تستقبل 100 عنصر.
  5. قاعدة هيمو، تقع غربي مطار القامشلي شمالي الحسكة، وكانت في السابق كانت تضم حوالي 550 جنديا أميركيا قبل إخلائها تماماً، ومن ثم العودة إليها وإعادة تفعيلها، واتخاذها كمركز تدريب واستشارات. ويتوقع أنها تضمّ حوالي 300 جندي أميركي.
  6. قاعدة “لايف ستون”، تقع على الضفة الشمالية لبحيرة سدّ الباسل، فيها مهبط للطائرات، كما تتحمل مهام إسناد قتالية، وتضم 50 جندياً أميركياً.
  7. قاعدة الشدادي، وتقع داخل معمل الغاز جنوبي شرق مدينة الشدادي النفطية، الواقعة بدورها جنوبي محافظة الحسكة. فيها مهبط طيران مروحي، ومدرج لإقلاع الطيران المسير، ويبلغ عدد الجنود الأميركيين فيها حوالي 350 جندياً.
  8. قاعدة المدينة الرياضية، تقع في محيط حي غويران ضمن مدينة الحسكة، وتمّ تجهيزها بشكل جيد لوجستياً وأمنياً، وهي على مقربة من سجن الحسكة المركزي الذي تحتجز فيه “قسد” آلاف العناصر من تنظيم “داعش”. وتضم القاعدة حوالي 150 جندياً على أقل تقدير.
  9. قاعدة صوامع الخير، تقع جنوبي مدينة الحسكة وعلى سكّة القطار الواصلة بين الحسكة ودير الزور، وتعد مركز تدريب أميركيا لعناصر “قسد”، وفيها 50 جندياً أميركياً، معظمهم من خبراء التدريب العسكري.

القواعد الأميركية في دير الزور

ترتبط القواعد الأميركية الثلاث في دير الزور بحقول النفط الرئيسية في المنطقة، وتعد إحدى هذه القواعد الأكبر للأميركيين في سورية. وتضم القواعد بالمجمل، حوالي 650 جندياً سورياً.

  1. قاعدة حقل العمر النفطي، تقع في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة دير الزور، ويشار إليها على أنها أكبر القواعد الأميركية في سورية، حيث يعد الحقل المكان الأكثر حيوية للوجود الأميركي في البلاد، نظراً لكونه الأكبر مساحة بين حقول النفط في سورية وأكثرها إنتاجاً. وتنشر فيه الولايات المتحدة أكثر من 550 جندياً.
  2. قاعدة حقل التنك، تقع في بادية الشعيطات بالريف الشرقي لدير الزور، حيث ثاني حقول النفط إنتاجاً في سورية، فيها مروحيات قتالية مع مهبط، وتضم حوالي 50 جندياً أميركياً.
  3. قاعدة حقل كونيكو، الذي يعد من أهم حقول الغاز في سورية، شمالي مدينة دير الزور شرقي البلاد. وتضم القاعدة أكثر من 50 جندياً أميركياً.

هذه الإحصائية التقريبية، تشير إلى وجود حوالي 2400 جندي أميركي شرقي سورية، يضاف إليهم الجنود الأميركيون المنتشرون في قاعدة التنف لـ”التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة، والمتمركزة عند مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية إلى جانب قوات فرنسية وبريطانية. وتشير معلومات “العربي الجديد”، إلى أن للولايات المتحدة عددا من النقاط الأمنية واللوجستية غير المعلنة شرقي سورية، لا سيما في محافظة الحسكة، والتي من مهامها تقديم الاستشارة والتدريب، كما حصلت “العربي الجديد” على معلومات تفيد بلجوء القوات الأميركية إلى تدريب 600 عنصر من “قسد”، لتنفيذ مهام الحماية للدوريات الأميركية شرقي سورية.

كل ذلك يجعل من فرضية الانسحاب الأميركي الكامل من سورية، أمراً صعباً، لا سيما مع بقاء مصالح واشنطن، سواء من خلال السيطرة على منابع النفط، أو تثبيت الوجود في مواجهة التمدد الإيراني أو الروسي، وذلك غير مرتبط برغبة إدارة البيت الأبيض، ورفض غيرها، إنما يمثل استراتيجية أميركية عابرة للتوجهات الحزبية.

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى