أُعيدت الحياة للعلاقات العراقية – السورية في نهاية العام 2004 بعد قطيعة طويلة كانت نتيجة المناحرات بين جناحي حزب البعث العربي الاشتراكي في بغداد ودمشق.
وبعيداً عن الخوض في أسباب تلك الخلافات الطويلة والعميقة فهي بحاجة لدراسات دقيقة ومحايدة، وبالذات ما يتعلق منها بالموقف السوري من قضايا الأمة قبل وبعد احتلال العراق، وهذه، ربما، ستكون عبر سلسلة مقالات على موقع تلفزيون سوريا.
العلاقات العراقية الإيرانية بعد العام 2003 مرت بمرحلتين، وهما:
– مرحلة ما قبل مجيء رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة.
– مرحلة ما بعد الكاظمي.
وقد امتازت المرحلة الأولى بالتناقض والتناحر، فبعد أن أعيدت العلاقات بين البلدين، عادت حكومة نوري المالكي لاتهام نظام الأسد بالوقوف وراء دعم حزب البعث، جناح يونس الأحمد، في التفجيرات التي وقعت منتصف العام 2009، وطالت العديد من المؤسسات الرسمية، ومن بينها وزارتا الداخلية والدفاع!
وهذه المرحلة سنتناولها بسعة في مقالات لاحقة لأنها ليست محور حديثنا الحالي.
أما مرحلة ما بعد مجيء الكاظمي لرئاسة الحكومة، فكانت العلاقة بين الطرفين غامضة، وربما، يمكن الإشارة إلى بعض مميزاتها:
أ. التنسيق العراقي مع الأطراف الفاعلة في سوريا لضبط الحدود ليس فقط مع نظام الأسد، وإنما أيضاً مع قوات (قسد)!
وهذا ما أكده تحسين الخفاجي، المتحدث باسم العمليات المشتركة، الذي أشار إلى “وجود تنسيق بإطارين مع الجانب السوري، الأول عن طريق الحكومة السورية، والثاني عن طريق الجزء الذي تسيطر عليه قوات (قسد) عن طريق التحالف الدولي”.
ب. التطبيل أو التركيز الإعلامي على (السيادة وضبط الحدود المشتركة، رغم أن الطائرات المسيرة هي صاحبة القرار)، وفي أيلول/ سبتمبر 2019 وجه الكاظمي بضرورة ضبط الحدود، عبر آلية “سيتم استخدامها تتضمن الشروع بإقامة أسيجة وكاميرات حرارية”!
ت. هذه السياسات لم تخرج حتى الآن عن السياق الإيراني.
ج. السرّيّة التامّة للتواصل بين الطرفين: حيث لوحظ أن حكومة العراق اتخذت من فالح الفياض زعيم الحشد الشعبي حلقة الوصل بينها وبين دمشق عبر زيارات سرّية وعلنية، وفي الغالب
الفياض اجتمع خلال الزيارة بأطراف روسية في سوريا، ولا أدري هل سوريا محافظة، أو ولاية روسية
تكون بيانات تلك الزيارات العلنية (دبلوماسية وغير واضحة)!
زيارات، أو زيارة الفياض السرّيّة إلى سوريا، التي كشف عنها لاحقاً، كانت في سبتمبر/ أيلول عام 2019، وتمّ خلالها اللقاء برئيس النظام، وكانت في مرحلة استهداف مواقع لفصائل ولائية مسلحة في العراق على الحدود المشتركة من قبل طائرات مسيرة، وقد اتهمت كل من واشنطن وتل أبيب بالوقوف وراءها!
ولا ندري عدد الزيارات السرّيّة التي لم يكشف عنها بين الحكومتين العراقية والسورية؟
ويمكن هنا أن نذكر زيارات الفياض العلنية في مرحلة الكاظمي:
– الزيارة الأولى: كانت في نهاية آب/ أغسطس 2020، حيث أشارت مواقع رسمية سورية وأجنبية إلى “استقبال بشار الأسد لفالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي، التي تضم أكثر من 70 فصيلاً مسلحاً، والتي أصبح بعضها جزءاً من تشكيلة قوات النظام”!
العجيب أن الفياض اجتمع خلال الزيارة بأطراف روسية في سوريا، ولا أدري هل سوريا محافظة، أو ولاية روسية، أم هي (دولة مستقلة)،ولماذا تمت اللقاءات في سوريا وليس في موسكو؟
وهذا الكلام أكده موقع “نيوز ري” الروسي الذي نشر تقريراً ترجمته صحيفة “عربي21″، وأكدت فيه “أن الفياض اجتمع أكثر من مرة بممثلين عن الكتلة الأمنية الروسية لتباحث مسألة تزويد العراق بأسلحة دفاع جوي، ومناقشة الوضع على الحدود السورية العراقية”!
من أهم أهداف هذه الزيارة إلى دمشق هو نقل رسائل أميركية إلى دمشق، ربما فيها رسائل تحذيرية لدمشق بضرورة التخلي عن التلاحم مع المشاريع الإيرانية، وإلا ربما ستكون تداعيات هذه المشاريع خطيرة وبالذات على مستقبل رئيس النظام!
– الزيارة الثانية: كانت في 26 آب/ أغسطس 2020، وهي تأتي بعد يوم واحد فقط من القمة الثلاثية العراقية – الأردنية – المصرية التي عقدت في 25 آب/ أغسطس، التي استمرت ليوم واحد، وشارك فيها العاهل الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي.
فهل يمكن أن يكون الفياض قد حمل رسالة تحذيرية للنظام من أجل تحجيم دور ايران في الساحة السورية، لكنها هذه المرة رسالة عربية، وربما، فيها ترغيب للنظام باحتمالية الدخول ضمن مشروع (الشام الجديد) الذي يضم العراق ومصر والأردن؟
وهنالك من يرى أن الزيارة الثانية تهدف لترطيب العلاقات السعودية – السورية، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن زيارات الفياض السرّيّة والعلنية تهدف لترطيب الأجواء في علاقات الرياض مع دمشق.
وهذا الاحتمال وارد جداً، لكن لا يوجد في الواقع ما يؤكده أو يدعمه.
– الزيارة الثالثة: وفي يوم 11/11/2020 عاد الفياض مرة أخرى في زيارة رسمية لدمشق، والتقى برئيس النظام، وقد تزامنت الزيارة هذه المرة مع محادثات يجريها كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي مع دمشق!
فهل كانت الغاية هي لعقد اجتماعات ثلاثية (عراقية – إيرانية – سورية) على اعتبار أن الفياض هو رئيس الحشد الشعبي، أم أن الفياض حمل رسالة جديدة من الحكومة (غير معلنة) لكل من طهران ودمشق؟
أتصور أن الاحتمال الأول أكثر قوة لأن الحشد الشعبي قوة لا تأتمر في الغالب بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، الكاظمي، ولديهم تنسيق واضح مع طهران!
وأظن أيضاً أن الزيارة تضمنت اللقاء والتنسيق مع خاجي، ذلك لأن ردود الأفعال العراقية الشعبية على اللقاء مع الإيرانيين ستكون كبيرة في حال ذهاب الفياض إلى طهران، أو مجيء خاجي إلى بغداد!
في كل الأحوال يبدو أن العلاقات العراقية – السورية في مرحلة الكاظمي غير واضحة المعالم، وربما، هي تدور في إطار التنسيق الإيراني بين القوى المتناغمة معها، ومن بينها بغداد ودمشق!
العلاقات العراقية – السورية الحالية مركبة، ومَنْ يريد أن يكون حراً من كلا الطرفين في علاقاته الإقليمية والدولية عليه التحرر من المشاريع الإيرانية، وإلا فهو مجرد (بيدق شطرنج)، ومنفذ لسياسات طهران الخارجية في المنطقة لا أكثر ولا أقل!
المصدر: موقع تلفزيون سوريا