تتقاذف السوريين هذه الأيام، وبينما يلجون في ثورتهم / ثورة الحرية والكرامة عامها العاشر، الكثير من المحددات، والأكثر من المنغصات، التي باتت تلف حيواتهم اليومية، وتربط مستقبلات أيامهم وهي لم تعد واضحة، ويغيب عنها ملامح الحلم الوردي الذي كان يلفها، عندما قرر السوريون الانتفاض على الذل والهوان، ورفض كل عوامل الاستبداد والقهر الأسدي، بعد أن ساهم في سواد نهاراتهم ومساءاتهم.
إذ لم تعد قضيتهم اليوم إسقاط النظام المتربع فوق رؤوسهم، وناهب خيراتهم، فسادًا وإفسادًا، بل تتعدى المسألة ذلك الآن إلى جملة عوامل أخرى توازي ما فعله النظام، وتواكبه، وتتماشى معه في قهر السوريين. والتي جاءت بالضرورة كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة، لحالة القصف والقتل والتدمير والاعتقال والتهجير القسري، الممارس من قبل هذا النظام منذ تسع سنوات خلت.
فمن حالة التهجير واللجوء المقيتة، التي تجاوزت كل حد في آليات التعاطي معها من الدول المستقبلة للجوء السوري، ومن تلك التي تتعامل مع اللاجئ السوري كمصلحة نفعية ليس إلا، دون النظر إلى الحالة الإنسانية، ضمن سياق ما يسمى أمميًا بالقانون الدولي الإنساني، الذي لم يعد موجودًا، إلا في الخطابات الأممية الممضة. فقد أضحى اللاجئ السوري عالة على المجتمع الدولي، ومشكلة سياسية وليس إنسانية كما يقولون، وباتت الدول تتقاذف هذه المشكلة، وتتعامل معها دون النظر إلى حالة القهر الإنساني اليومي، حيث يهرب السوري من براميل المجرم، ومن وقف معه من روس وإيرانيين، لا يلوي على شيء، حيث لا خيمة تؤويه، ولا أرضًا تحويه، ولا مساعدات إنسانية تصله، فقد راح العرب وجامعتهم (الميمونة)، إلى مشاكل أخرى، فلم تعد تعنيهم قضية السوريين، كما لم تعد تعنيهم حالة سلب الحرية وسلب الإنسانية التي يعيشها مجمل السوريين. ناهيك عن الدول الأخرى، الإسلامية منها، والدولية التي كانت يومًا ما تدعي صداقة الشعب السوري، وإذ بها تتركه بين السماء والطارئ، لا معونات إنسانية، ولا قدرة على لجم الطاغية، بل يُترك السوري لشذاذ الآفاق على الحدود اليونانية لمنعه من عبور الجغرافيا إلى حيث الأمان والحياة الحرة الكريمة.
ضمن هذه السياقات وبعد ما يقرب السنة من بداية القصف المتواصل والقتل بالمجان، من قبل النظام السوري وروسيا وإيران، وسياسة القضم والتهجير، يأتي البروتوكول الموقع في موسكو وهو الملحق افتراضًا باتفاق سوتشي الخاص بإدلب ، ليُترك السوري يعيش دون أمل، وكي لا يعرف السوري المهجر إلى الشمال بالقرب من حدود تركيا، هل سيعود إلى سكنه في بلدته أو قريته، ومن ثم من سيضمن له عدم التعدي المباشر عليه من قبل نظام لا يعرف الرحمة، ولا يعرف التقيد بكل مواثيق الدنيا، ولا عهودها، ولا من ضامن جدي روسي، لأنه الخصم والحكم، ليعبر هذا البروتوكول المنجز والضبابي عن حالة استمرار القهر السوري، دون أن يكون هناك أي أفق مرصود، لمستقبل سوري، كانت فيه جميع الدول قد أقرت ضرورة الوصول إلى الانتقال السياسي عبر مسار جنيف، لكن الواقع يشير إلى تخلي الجميع، وتَرك السوري يلاقي مصيره بنفسه، ضمن سياق المحاولات التركية المتواصلة لوقف إطلاق النار على الأقل، ومنع موجات جديدة من النزوح أو التهجير، لكن العالم كله يقف أمام ذلك متفرجًا ، وكأن الأمر لم يعد يعنيه.
وكيف يدخل السوري عام ثورته العاشر، وهو لا وضوح لديه في مستقبلات أيامه، ولا جامعة عربية تعتني بقضيته، ولا دول صديقة توقف استمرار محاولات الإلغاء لثورته، ثورة الحرية والكرامة، لأنه وكما يبدو لا أحد في هذا العالم (المعولم) يريدها أن تنجح سوى هذا الشعب السوري المقهور، الذي مازال مصممًا على المضي قدمًا في إسقاط الطاغية، رغمًا عن كل من يدعم الاستبداد من إيرانيين وروس، ومن وازاهم أو وقف معهم، من شذاذ الآفاق المستجلبين من كل بقاع الدنيا ليعيدوا قيامة هذا النظام/ العصابة.
الشعب السوري وهو يلج عامه العاشر في ثورته، ثورة الياسمين، لن يألوَ جهدًا (رغم الخذلان) عن متابعة الطريق، رغم اللجوء والتهجير، ورغم القتل البراميلي الأسدي، ورغم الاتفاقات الموقعة، التي يغيب عنها السوري، ويحضر الآخرون. الثورة باقية ومستمرة ما بقي سوري واحد يقول بملء الفيه: “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد”.
المصدر: المدار نت