اعتداءات فيينا: أوروبا تتأهب

هلا نصرالدين - صحافية لبنانية

هل أصبحت أوروبا الهدف الأوّل لمتطرفين عبروا عن تماهيهم مع تنظيم الدولة الإسلاميّة وهل نحن أمام موجة عمليات مسلحة جديدة ؟

“ليالي الأنس في فيينا” الجملة التي رددتها أغنيات وأدبيات كثيرة لم تكن كذلك بالأمس، بل كانت ليلة موحشة ومرعبة لسكان المدينة التي اشتهرت بأنها من الأدنى لجهة معدلات الجريمة.

العاصمة النمساوية اهتزت على وقع هجمات أوقعت ثلاث ضحايا، والعدد مرشح للارتفاع مع وجود 7 حالات حرجة بين الجرحى الـ15.

فقد أطلق مسلّحون مجهولون النّار بالقرب من الكنيس اليهودي الرئيسي في فيينا ولكن لم يتمّ التأكّد بعد إن كان الكنيس هو المستهدف. وقُتل أحد المهاجمين وقُبض على آخر ولكن لم تحدّد الشرطة النمساويّة حتّى الآن عدد مرتكبي الجريمة التي وصفها المستشار النمساوي سيباستيان كورتس بأنها “هجوم إرهابي بغيض”. وكان المهاجم القتيل، البالغ من العمر 20 عاماً، مواطناً نمساويّاً من شمالي مقدونيا ولديه إدانة سابقة بالإرهاب.

وإسوة بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وصفت الحكومة النمساويّة الهجوم بـ “اعتداء على الحرية والديمقراطية”. وأعلنت الحداد الوطني لمدّة ثلاثة أيّام ستنكّس فيها الأعلام.

الجدير ذكره أنّ النمسا لم تكن سابقاً عرضة لعمليّات من هذه النوع، فهي دولة منكفئة سياسيّاً، قلّما تتصدّر المشهد السياسي والإعلامي العالمي، ممّا يطرح سؤالاً استراتيجيّاً عن مخطّط التنظيم ،خصوصاً وأنّ الهجوم حصل قبل ساعات قليلة من بدء إجراءات الإقفال لمواجهة الموجة الثانية من كوفيد-19 في النمسا، وبالتالي فمن المتوقّع أنّ العمليّة مدروسة لإصابة أكبر عدد ممكن من المدنيّين الذين كانوا ما زالوا يجولون الشوارع ويمكثون في المقاهي والمطاعم.

 

الدول الأوروبيّة هدف للمتطرّفين

هذه الهجمة هي الخامسة من نوعها في أوروبا خلال حوالي ثلاثة أسابيع بدايةً من عمليّة الطعن التي لم تسفر عن ضحايا أمام مركز مجلّة تشارلي إيبدو في باريس، ومن ثمّ قطع رأس المدرّس الفرنسي صامويل باتي على خلفيّة عرض الأخير لرسوم كاريكاتوريّة للنبي محمّد داخل صفّه، ومن ثمّ عمليّة الطعن بجانب كنيسة نوتردام في مدينة نيس وعمليّة قتل أخرى في مدينة أفيون الفرنسيّة، وصولاً إلى الاعتداء في النمسا.

هذه الموجة الجديدة أثارت  استنفاراً أمنياً أوروبياً، وهو ما  طرح احتمال  إعلان استراتيجيّة أوروبيّة موحّدة للتصدّي للهجمات الإرهابيّة المتكرّرة التي من الواضح أنّها لن تتوقّف قريباً. فعمليّة مواجهة التطرّف، بحسب موقع المفوضيّة الاوروبيّة في الاتحاد الأوروبي، هي مسؤوليّة الدول الأعضاء ولكن الاتّحاد الأوروبي يقدّم دعمه في هذا الشأن، ولكن هذه الهجمات الأخيرة قد تضع موضوع التطرّف العنيف على أولويّات الاتّحاد الأوروبي الذي قد يتعاون لصوغ استراتيجيّة أوروبيّة لمواجهة هذا الخطر.

ومع ارتفاع مؤشرات  الخطر الأمني الراديكالي، تضاعفت الاجراءات الأمنية وأقامت الشرطة النمساوية حواجز في وسط المدينة. وطلبت من الناس الابتعاد عن المنطقة وعدم استخدام وسائل النقل العام وتوقّفت المدارس حتّى إشعارٍ آخر. أمّا جمهورية التشيك المجاورة من النمسا فهي تجري عمليات بحث عشوائية على الحدود في حال فرار المسلّحين في اتجاهها.

بعد أشهر من تراجع ضربات تنظيم الدولة جراء الحملة الدولية ضده، هناك مخاوف من أن تعاود خلايا جديدة النهوض وخلق حالة من الفوضى العارمة والرعب على أرضية صدام إسلامي أوروبي مدعوم بخطابات شعبوية كما تجلى في الأسابيع الأخيرة بعد المواجهة التركية الفرنسية على خلفية أزمة الرسوم الساخرة.

 

لماذا الآن؟

من الواضح أنّ الخلايا النّائمة استيقظت من كبوتها وعادت إلى “العمل” لبثّ الرعب وتذكير الخصوم أنّ “الوحش لم يمت” وأنّ “الحرب على الإرهاب” طويلة ومريرة ومعبّدة بالدمّ. فهل ستقود أوروبا المرحلة الجديدة من “الحرب على الإرهاب”، أم ستحتفظ الولايات المتّحدة لنفسها بهذا الدّور سواء دونالد ترامب او جو بايدن بحسب ما ستؤول اليه نتائج الانتخابات المقررة خلال ساعات من الآن.

هذه الهجمة هي الخامسة من نوعها في أوروبا خلال حوالي ثلاثة أسابيع

بدايةً من عمليّة الطعن التي لم تسفر عن ضحايا أمام مركز مجلّة تشارلي إيبدو في باريس.

من المبكر حسم نتائج سلسلة الهجمات الأخيرة في اوروبا، وتحليل ما يدور في عقل شبان انجذبوا لشعارات واعمال عنفية هو تحدٍّ كبير لأفضل خبراء مواجهة التطرّف حول العالم .

 

أوروبا ليست وحيدة على خطّ المواجهة

رغم تسليط الاهتمام على الهجمات التي حصلت في فرنسا والغرب لكن هجمات التنظيمات المتشددة وتحديداً تنظيم الدولة كانت أكثر شراسة ودموية في دول إسلامية لم تحظ باهتمام وتغطية اعلامية كافية. فالعالم انشغل بهجمات فرنسا ولم يلتفت كثيراً الى ماحصل في في أفغانستان حيث قام مجهولون من تنظيم الدولة الإسلاميّة بإطلاق النّار في جامعة كابول وهي أكبر جامعة في أفغانستان وقد لقي ما لا يقلّ عن 19 شخصاً حتفهم وهذه  هي المرّة الثانية خلال أسبوع التي تتعرّض فيها أفغانستان لهجمة إرهابيّة على مركزٍ تربويّ.

بالعودة إلى جريمة فيينا، سارعت دول لاستنكار الجريمة، وكان موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الأبرز فصرّح أن أوروبا يجب ألّا “تستسلم” في مواجهة الهجمات مضيفاً “نحن، الشعب الفرنسي، نشارك الشعب النمساوي الصدمة والحزن الذي أصابه بهجوم في قلب عاصمته فيينا. هذه أوروبا لنا. يجب أن يعرف أعداؤنا مع من يتعاملون”. أمّا تركيا فاستنكرت العمليّة الإرهابيّة استنكاراً شديداً وأعلنت دعمها للشعب النمساوي. ومثلها فعلت المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة والأزهر  وطبعاً سائر الدول حول العالم.

المصدر : موقع درج

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى