أولًا: ليس غريبًا أن تحتفل روسيا “بانتصاراتها” التي أحرزتها في سورية، فمنذ دخولها لدعم النظام المستبد السوري، اعادت السيطرة على أغلب الأراضي السورية التي حررتها الثورة السورية من سيطرة النظام، حصل ذلك بتناغم “غريب” بين الروس وداعش والإيرانيين وحزب الله والمرتزقة الطائفيين. والثمن لم يكن “ورودا” يهديها الروس وحلفاء النظام الاخرين للشعب السوري؛ بل قتل وتشريد واعتقال لأغلب الشعب السوري وتدمير لأغلب سورية. إن حصاد سنوات الاحتلال المرّة على الشعب السوري، ما يزيد عن مليون شهيد ومليون مصاب ومعاق، ما يزيد عن خمسة عشر مليون مشرد داخل سورية وخارجها، وأكثر من نصف بلدات ومدن سورية مدمرة وخاوية على عروشها. سورية اليوم بعضها تحت حكم النظام المستبد المجرم السوري، واهلنا في هذا الجزء يعيشون واقع القمع والخوف والاستغلال، الجوع وانهيار الاقتصاد وتدني قيمة العملة وغياب المقومات الأولية للحياة. وبعض سورية شرق الفرات والشمال الشرقي السوري، تحت هيمنة ال ب ي د فرع ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني، بتغطية من الأمريكان، ولا يخفي أجندته الانفصالية، واستيلائه على البترول والمنتجات الزراعية التي تمثل سلة غذاء سورية. وبعض الشمال السوري ادلب وريف حماه وحلب تحت سيطرة الجيش الحر، وبرعاية تركية، حيث يعتبرونها حزام أمان بمواجهة داعش والنظام وال ب ي د، ورغم ذلك تعتبر هذه المناطق الأفضل من حيث المعيشة وقربها من مطالب الشعب السوري بثورته.
ثانيا: هذه سورية التي يتبجح الأسد في مقابلته الصحفية مع قناة تلفزيونية روسية، بأنه استدعى الروس لحماية سورية من “الارهاب والتدخلات الدولية”، وهو على عادته بالانفصال عن الواقع، وصناعة واقع بديل يتحدث عن انتصارات واعادة سيطرة الدولة على الاراضي السورية. نعم سكت عن الطائرات التي ترمي براميلها المتفجرة، وتدمّر البيوت على رؤوس أهلها. لم يتحدث عن القصف، عن مئات آلاف الاسر التي قتل أبناؤها وأمّهاتها وآباؤها وعجائزها تحت القصف والقتل اليومي في كل المدن والبلدات المحررة. لم يتحدث عن نصر حصله عن طريق الروس والايرانيين والحلفاء الآخرين، بدماء السوريين، الذين أصبحوا عنوان المأساة الأسوأ في العصر الحديث.
ثالثا: وصلت المهزلة حد المسخرة، تستدعي الضحك والبكاء والألم، انهم يهنئون بعضهم على الأدوار التي قاموا بها، النظام والروس والايرانيين في سورية. يباركون لبعضهم بالرقص على جسد سورية الشعب والأرض والكرامة.
رابعا: وعند سؤال الأسد عن مستقبل العلاقة مع الروس سيجيب أن سورية تحتاج للتواجد الروسي والايراني طويل الأمد، لأنهم يساعدون بإعادة بناء سورية، التواجد الروسي في مرفأ طرطوس واللاذقية لخمسين عاما، يعني قواعد عسكرية ونفوذ ومصالح، وكذلك ارتهان الثروات الباطنية من نفط وغيره، في الساحل والداخل السوري، لكن غصة التواجد الامريكي في شرق الفرات لا تكمل فرحة الروس بغنيمتهم سورية جثة هامدة.
خامسا: بماذا يتبجح الأسد في مقابلته، هل بتقسيم سورية أسلاب حرب بعضها للإيرانيين، يعيثون فيها تغييرا عقائديا بالتشييع الإيراني والتبعية لولاية الفقيه، وهذا يعني استعمار ثقافي وتبعية للخارج، ويصبح هؤلاء خلايا الخراب المجتمعي القادم في سورية على نموذج حزب الله الذي استعبد لبنان أرضا وشعبا لوليّه ورب نعمته إيران، وجعل لبنان رهينة، تعاني ماتعاني منذ عقود. ام على نموذج العراق وحزب الدعوة والحشد الشعبي ونماذجه، الذين جلبوا المستعمرين الايراني والامريكي للعراق، وبعد ذلك حولوا العراق لغنيمة واسلاب وعاش شعبه بالفاقة، يبيعون التشيع بالمال، ويصنعون الولاء، يخلقون المزارات المتوهمة ويصنعون ماضيا مزيفا متألقا او خلاصيا لتغطية واقع مأساوي.
سادسا: بماذا تتبجح أيها…، بالفقر والموت واليتم الذي جلبته للسوريين، لبعضهم ممّن جعلته -بلعبة الموت- تابعا لك، حتى اغلب الطائفة العلوية، التي وعدتها بتحويل سورية شعبها وارضها وسماءها وخيراتها لهم وحدهم، ولم يحصلوا إلا سجلّا من الدم المهدور بأيدي شبيحتهم وامنهم وجيشهم، والقتل لأبنائهم، واليتم لعائلاتهم، وعدتهم بجنة الارض فحصلوا جحيمها. وزاد على ذلك خراب السلم الأهلي المجتمعي وزرعت ضغينة لن يتم تجاوزها، دون محاسبة ومحاكمة الظالم والقاتل، ولو مرّ على ذلك عشرات السنين. هل بهذا تعتز؟
سابعا: تعتز بأنك نجحت بمساعدة الروس والايرانيين وبقية المرتزقة بأنك طهّرت سورية من الارهابيين، وتزيد اعتزازك وترسّخه أنك منذ والدك تحاربون الارهاب، تعتز بعشرات الاف الضحايا من الشعب السوري منذ ثمانينات القرن الماضي للآن، وملايين الضحايا الذي جنته يداك وسياساتك، للحفاظ على مصالحكم كحكّام بمصالحكم العائلية والطائفية، في الماضي والآن، تعتز ببلد هدّمته وقتلت بعض أهله وشردّت اغلبه، وجعلتنا عبرة عالمية عن الشعوب المظلومة. وكنت نموذجًا للحاكم القاتل لشعبه والمخرب لبلده، ومعطيها لأعدائها غنيمة حرب؛ شهيدة. أبكلّ ذلك تعتز أيها الساكن أوهامه وخطاياه وعاره اليوم والى أبد الآبدين؟!
المصدر: تحالف قيصر للعدالة
لابد من الوقوف على مرحلة تمتد لأكثر من قرن حدث فيها الكثير من التغيرات، منها ما صمد واستوعبه الزمان والمكان، ومنها ما جنح خارج الزمان والمكان وكان مصيره المتوم الزوال، والذاكرة التاريخية تعتبر الكثير من الأحداث التي مرت خلال الزمن المذكور انها ولادات غير قابلة للحياة فانطفأت، ولكن سواء عاشت هذه الظواهر أم اندثرت فهي قدمت للبشرية الدروس عميقة الأثر، إذا ما أحسن قراءتها قد تساعد على عدم تكرارها لاحقاً، فالأحداث التي غمرت الأرض السورية خلال العقد الأخير من الزمن لن تكن بعيدة عن ذاكرة الزمان والمكان وسوف يسجلها كمرحلة أكثر ما يميزها الدمار والقتل والاعدامات والمحاكمات والاحتلالات، كانت ذروتها 2015 والدور الروسي في تثبيت هذا في تاريخ سورية الجريحة، فتحت ضربات مطرقة آلة القتل الروسي تغيرت اللوحة وانتعش الاستبداد من جديد وبانت جذور الوحل أكثر، وعليه نحتاج لمراجعة كل شيء وفي المقدمة مراجعة الذهنية التي بنينا عليها أوهام المولود القومي والاشتراكي والليبرالي دون خجل ووجل.