غادر الوفد الروسي دمشق مخلفاً وراءه الكثير من الأسئلة والتحليلات والتكهنات حول نتائج لقاءاته مع مسؤولي النظام السوري، خصوصاً على الصعيد السياسي، بعد أن سبق وصوله كثير من التوقعات أيضاً.
وبالنظر إلى تصريحات الجانبين في المؤتمر الصحافي الذي عُقد الاثنين، فإن معظم التوقعات التي استبقت وصول الوفد الروسي لم تكن صائبة، وخاصة تلك التي صدرت عن المعارضة، التي كانت تنتظر نتائج مغايرة تماماً لما تم الإعلان عنه في هذا المؤتمر.
فمع الإعلان المفاجئ عن توجه نائب رئيس الحكومة الروسية ووزير خارجيتها إلى دمشق، توقع الكثير من المعارضين أن يكون في جعبة الضيوف الروس رسائل حازمة ومطالب صريحة يضعونها أمام النظام، لجهة الانخراط الجدي في مفاوضات الحل السياسي، بما يتجاوز حتى اللجنة الدستورية إلى البدء بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.
اعتمد المعارضون الذين كانوا يتوقعون ذلك على ما رافق الجولة الثالثة من أعمال اللجنة الدستورية من أجواء ايجابية واهتمام روسي بالغ بها. كما منحت تصريحات المبعوثين الأميركيين على هامش جنيف، جرعة أمل إضافية للمعارضة.
وعليه، توقع جزء كبير من المعارضة أن يقول سيرغي لافروف للأسد في دمشق أنه لم يعد بالإمكان حمايته سياسياً أكثر من ذلك، وأن موسكو لن تستطيع انتشاله من أزمته الاقتصادية المتفاقمة .. لكن ما حدث أن الروس كانوا ملكيين أكثر من الملك، عندما باركوا للنظام فوز قائمته بانتخابات مجلس الشعب، وأكدوا على حق النظام بإجراء الانتخابات الرئاسية القادمة منتصف العام المقبل، مشددين على أنه لا يمكن وضع جدول زمني لانتهاء أعمال اللجنة الدستورية، التي اعتبرها لافروف بالنهاية بديلاً عن هيئة الحكم الانتقالي.
لكن الصدمة لم تتوقف هنا، بل امتدت لتشمل الملف الاقتصادي الذي كان حاضراً وبقوة على طاولة البحث بين النظام والوفد الروسي، وأنتج أربعين اتفاقية.
ورغم أن الطرفين اكتفيا بالكشف عن جانب وحيد منها، ويتعلق باستخراج واستثمار النفط والغاز من المياه الاقليمية السورية في البحر المتوسط، إلا أن الحديث يدور أيضاً عن حزمة مساعدات واسعة وسخية وعدت موسكو النظام بها لمساعدته على تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة.
لا يعرف أحد حتى الآن ما الذي طلبته روسيا مقابل ذلك، لكن ما يثق به الجميع أن النظام سيكون موافقاً على كل الشروط والمطالب الروسية، طالما أنها لا تشمل إلزامه بتقديم تنازلات سياسية للمعارضة، إذ يمكن لموسكو أن تستحوذ على الثروات الباطنية والموارد الطبيعية والمنشآت والبنى التحتية، من مطارات وموانئ ومنتجعات سياحية وامتيازات بلاحدود، هي في النهاية كل ما تريده روسيا من سوريا، ولا يمكن أن تتصور أن المعارضة ستقدم لها عرضاً أفضل لو تسلمت دفة الحكم في البلاد.
لكن هل تستطيع موسكو بالفعل ترجمة كل هذا المكاسب عملياً في ظل التشدد الأميركي الواضح في تطبيق “قانون قيصر” ومجمل العقوبات المفروضة على النظام؟
سؤال لا تبدو الإجابة عنه بهذه السهولة، وقد لا تكون هناك إجابة واحدة عليه، فمن المحتمل أن هناك جوانب يمكن للروس أن يستفيدوا منها بالفعل، وجوانب أخرى لن يكونوا قادرين على تجاوزها، خاصة مع سيطرة قوات التحالف الدولي التي تقودها أميركا على مساحات واسعة من الأراضي السورية، تضم موارد الطاقة والثروة الزراعية، وبيد واشنطن وحدها سيكون تقرير ما إذا كان بامكان الإدارة الذاتية التي تدير هذه المناطق تنفيذ اتفاقاتها المبدئية التي وقعتها مع الروس في موسكو الأسبوع الماضي، والتي لا يوجد شك في أنها كانت أحد أسباب الزيارة المفاجئة للوفد الروسي إلى دمشق.
لكن ما الذي جعل الكرملين يوفد وزير خارجيته إلى سوريا بعد انقطاع ل8 سنوات لولا أن هناك ما يستدعي ذلك؟
كل ما قيل في المؤتمر الصحافي الذي عقده مسؤولو النظام وضيوفهم الروس في دمشق لا يعني شيئاً مهماً، فالمهم هو ما لم يُقل في هذا المؤتمر، وزيارة رئيس الديبلوماسية الروسية الأولى إلى دمشق لا شك أنها تحمل رسالة واضحة للجميع مفادها أن المرحلة العسكرية في الملف السوري انتهت، وأنه الآن، وفقط الآن بدأت وبشكل جدي مرحلة العمل السياسي، وعليه يجب على المعارضة أن تعدّ نفسها لمفاوضات حقيقية قد تطول أو تقصر، لكنها في النهاية ستحمل ما هو جديد، حسب أصحاب هذه الرؤية.
المصدر: المدن