ما خطة القوى الأمنية السورية لمواجهة هجمات “داعش” المتزايدة؟

أحمد العكلة

ألقت قيادة الأمن الداخلي في محافظة إدلب، بالتعاون مع إدارة مكافحة الإرهاب بجهاز الاستخبارات العامة، خلال عملية أمنية، القبض على خلية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، مسؤولة عن تنفيذ عمليات متفرقة أودت بحياة 7 عناصر من الجيش والأمن السوريين.
وقبل أيام، استهدف مسلحو التنظيم دورية “أمن الطرق” في معرة النعمان جنوب إدلب، وقتلوا 4 عناصر وأصابوا آخر بجروح خطرة، حيث أطلق المسلحون النار على عناصر الأمن وهم داخل المركبة العسكرية ثم لاذوا بالفرار.
وكانت وحدات وزارة الداخلية نفّذت، قبل أسبوعين عملية أمنية في تدمر، واعتقلت 5 أشخاص مشتبه بهم، بعد هجوم أدى لمقتل 3 جنود أميركيين.
وتعمل وزارة الداخلية على تكثيف حملاتها بهدف القضاء على خلايا التنظيم الذي نشط في الآونة الأخيرة وتمكن من قتل عدد من عناصر الجيش السوري والأمن العام والضابطة الجمركية.
وقال مصدر خاص في قيادة الأمن الداخلي، في حديثه لموقع “الترا سوريا”، إن الخطة الأمنية المعتمدة لمواجهة تهديدات تنظيم “داعش” تقوم على العمل الاستباقي، وتعزيز الجهد الاستخباراتي، وتكثيف المراقبة الميدانية في المناطق التي يُشتبه بوجود خلايا نائمة فيها.
وأوضح أن الأجهزة الأمنية تعمل وفق آلية تنسيق مشتركة بين قيادة الأمن الداخلي، وإدارة مكافحة الإرهاب، وجهاز الاستخبارات العامة، بما يضمن سرعة تبادل المعلومات والاستجابة الفورية لأي تهديد محتمل، مؤكدًا أن “المرحلة الحالية تتطلب رفع مستوى الجاهزية ومنع التنظيم من إعادة ترتيب صفوفه”.
وأشار المصدر إلى أن الخطة تشمل توسيع نطاق الحملات الأمنية الدقيقة بدل العمليات الواسعة، بهدف تقليل المخاطر على المدنيين، مع الاعتماد على معلومات استخباراتية موثوقة ناتجة عن الرصد التقني والمتابعة البشرية، إضافة إلى نتائج التحقيق مع العناصر الموقوفة.
وأضاف أن القوات الأمنية شرعت خلال الأسابيع الماضية في تعزيز نقاط التفتيش المتحركة، وتكثيف الدوريات الليلية، ولا سيما في محيط الطرق الدولية والمناطق التي شهدت نشاطًا سابقًا للتنظيم، لافتًا إلى أن هذه الإجراءات ساهمت في إحباط محاولات استهداف جديدة.
وأكد المصدر أن الأجهزة الأمنية تولي اهتمامًا خاصًا لتجفيف مصادر الدعم اللوجستي لخلايا التنظيم، سواء عبر ملاحقة المموّلين أو تفكيك شبكات الإمداد بالسلاح والمتفجرات، موضحًا أن “الضربات الأخيرة أضعفت قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات نوعية”.
وختم المصدر بالتأكيد على أن “القوات الأمنية لن تكتفي بردّ الفعل على الهجمات، بل ستواصل تنفيذ عمليات استباقية واسعة النطاق”، مشددًا على أن المرحلة المقبلة ستشهد تصعيدًا في الجهد الأمني والاستخباراتي لمنع التنظيم من استغلال أي فراغ أمني أو جغرافي.
وخلال الشهر الماضي، قالت وزارة الداخلية السورية -في بيان- إن وحداتها نفّذت عملية أمنية واسعة استهدفت خلايا تابعة لتنظيم الدولة في عدد من المحافظات. وأضافت الوزارة أن عملياتها، التي جرت بالتعاون مع جهاز المخابرات العامة ضد التنظيم، أدت لتفكيك عدة خلايا وإلقاء القبض على مطلوبين.
قال الكاتب والباحث د. باسل معراوي، في تصريح خاص لموقع “الترا سوريا”، إنه عندما تحول تنظيم “داعش” من حالة السيطرة المكانية إلى حالة أشبه بحرب العصابات بدون وجود ملاذ آمن له أو بيئة سكانية حاضنة وخاضعة لحكمه، تغيرت كل خطط التنظيم وخطط من يحاربه.
وأضاف معراوي أنه لم يعد هناك أهداف ثابتة يمكن ضربها، ولا حاضنة سكانية يمكن تأليبها عليه بالضغط عليها، ولكي يتكيف “داعش” مع الوضع الجديد، ترك لأمراء المناطق حرية الحركة واتخاذ القرار وعدم الرجوع إلى المركز إلا للضرورة القصوى.
وأوضح أن التنظيم امتنع عن أي عمل عسكري طيلة الأشهر الأحد عشر من عمر العهد الجديد في مناطق سيطرته، بينما كان في مناطق سيطرة “قسد” يسير بنفس تواتر منوال العمليات، ولجأ إلى أسلوب يجعل 30% من قواه الفعالة في حالة جهوزية كاملة والباقي خلايا نائمة يمكن زجها في أي معركة أو عملية عند الطلب.
ويرى معراوي أن سبب انتظار “داعش” كل تلك الأشهر دون تصعيد عملياته – باستثناء تفجير كنيسة الدويلعة في دمشق ومحاولة تفجير في مقام السيدة زينب تم إحباطها – يعود إلى رهان التنظيم على فشل حكومة الرئيس الشرع وانفضاض الكثير من أتباعه عنه، مما يتيح استقطابهم وضمهم بسهولة، خاصة مع توقع توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل وفشل الحكومة في تطبيق أحكام الشريعة مثل إجبار الناس على ارتداء الحجاب وغيرها من الأحكام التي يراها “داعش” ضرورية.
وأشار إلى أن الأيام مرت دون حدوث الفشل الذي راهنت عليه “داعش”، بل شعر الرئيس السوري بقوته وإخلاص حلقاته العسكرية له على كل المستويات، مما مكنه من الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وهي النقطة الفاصلة التي أقنعت “داعش” بأن رهانها خاسر، فانتقلت إلى نقل الكثير من عديدها وعتادها من شرق الفرات وانتشارهم في المحافظات الخمسة مع تكثيف العمليات ضد قوى الأمن الحكومية.
وبخصوص انضمام سوريا إلى التحالف الدولي، قال الدكتور معراوي إنه لم يكن وليد اللحظة بل استراتيجية عميقة بدأ تنفيذها بين دمشق وواشنطن، ويدرك الطرفان صعوبة المهمة، لكن القرار استراتيجي لا يتأثر باختراق تدمر أو غيره.
وأضاف أن حادثة تدمر ستزيد من عمق التنسيق، مع معالجة الثغرات وتغيير طبيعة عمل القوات الأمريكية نحو تقليل الانتشار الأرضي وزيادة الدعم الجوي واللوجستي والاستخباري، كما ستكتسب القوى الأمنية السورية المزيد من الخبرة والتسليح والمعلومات الاستخباراتية، وقد تنضم قوات نخبة موثوقة من “قسد” إلى قوات وزارة الداخلية.
وأكد معراوي أن طريقة عمل “داعش” تغيرت مع تغير الظروف، فلم تعد بحاجة إلى أسلحة ثقيلة بل إلى ذئاب منفردة أو مجموعات صغيرة بأسلحة خفيفة، مستفيدة من البادية السورية ثم المدن وضواحيها.
وسجل اختلافًا مهمًا في أسلوب التنظيم بعدم استهداف مناطق الأقليات أو أهداف رخوة تثير الذعر، وركز على القوى الأمنية مثل دوريات الطرق والضابطة الجمركية وعسكريين في الجيش، رغبة في عدم استفزاز المجتمعات لتجنيد بعض أفرادها.
وفي حديث لموقع “الترا سوريا”، أكد الصحفي السوري أحمد مظهر سعدو أن العلاقات الأميركية السورية تشهد تطورًا ملحوظًا، مشيرًا إلى غياب أي آثار سلبية عليها رغم التحديات الأمنية في المنطقة.
وقال سعدو إن هناك تعاونًا حقيقيًا بين الطرفين لملاحقة تنظيم “داعش” والقضاء على التواجد الإرهابي برمته.
وبحسب سعدو، فإن التواجد الداعشي في سوريا ليس كبيرًا، ولا يملك حاضنة اجتماعية تسمح له بالتوسع أو تشكيل تهديد مباشر على الواقع الداخلي السوري.
وأضاف أن الاستقرار في البلاد يسير نحو الأفضل، رغم بعض التحركات الإرهابية من بقايا “داعش” وبعض فلول النظام الأسدي المدعومين من إيران. وأكد أن هذه العمليات ستظل موجودة، لكنها لن تؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي أو الأمني.
كما شدد سعدو على وجود دعم حقيقي تركي ــ خليجي للحكومة السورية، يهدف إلى مكافحة “داعش” وتعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تحسين أوضاع السوريين وإعادة رسم ملامح وطن سوري موحد ومستقر. وختم حديثه بالقول إنه لا يرى أي تغيير في التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، وفقًا لتصوره.
المصدر: ألترا سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى