هل عاد نشاط تنظيم “داعش” إلى سوريا؟

فايز الأسمر

لا شك أن عام 2019 كان العام الذي أعلن فيه التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب هزيمة تنظيم “داعش” في سوريا بعد معركة الباغوز، ولكن هناك حقيقة واضحة وواقع لا يمكننا تجاهله أو إنكاره؛ تقول إن السنوات التي تلت هذا الإعلان، وحتى وقتنا الحالي، تُثبت أن التنظيم لا يزال نشطًا وخطرًا، وموجودًا بأيديولوجيته وأفكاره المتطرفة، ومريديه وأتباعه، وخلاياه الكامنة المنتشرة في كلٍّ من سوريا والعراق، وكثير من بلدان العالم.
وعليه، فالتنظيم ـ باعتقادي ومن خلال سلوكه العنيف الذي لا يزال ينتهجه ـ يريد إرسال رسائل يثبت من خلالها للجميع، أتباعًا وأعداءً، أنه لا يزال الرقم الصعب المقلق في المعادلة السورية، والقادر على القيام باختراق الحواجز والعقبات الأمنية الكبيرة، والوصول إلى أهدافه، وتنفيذ عمليات نوعية دامية ضدها، وأنه لا يزال قادرًا على بعثرة وخلط الأوراق، وإرباك الحسابات، وإقناع الجميع بأن خطره الداهم وتهديداته الإرهابية المباشرة لا تزال قائمة، حتى بعد ما أسمته “واشنطن” بهزيمته النكراء، وخسارته لدولته المزعومة، وفقدانه السيطرة المكانية على أهم معاقله في كلٍّ من سوريا والعراق.
داعش والتحديات والتداعيات الأمنية على “دمشق”
حقيقةُ الوقائع والأحداث الدامية المحلية والعالمية (عملية تدمر وسقوط 3 قتلى أمريكيين، عملية “معرة النعمان” وسقوط 4 شهداء من الأمن السوري، شاطئ “سيدني” بأستراليا وسقوط 16 قتيلًا يهوديًا) كلها تسلط الضوء على حقيقة مفادها أن عمليات تنظيم “داعش”، ورغم تراجعها النسبي، لا تزال قائمة وموجودة، وقادرة على إحداث اضطرابات وتداعيات أمنية كبيرة، لا سيما خلال الفترة الانتقالية الحساسة التي تمر بها سوريا بعيد انتهاء حقبة النظام البائد، وما في هذه المرحلة من تحديات وأخطار أمنية خارجية وداخلية مربكة كثيرة (إسرائيل، ميليشيات “قسد”، ميليشيات “الهجري”، فلول النظام، وغيرها)، ناهيك عن التحديات الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي تثقل إلى حد كبير كاهل القيادة السورية الجديدة، وتشغلها عن مسائل إعادة الإعمار والكثير من الملفات الداخلية الهامة والمعقدة.
في الواقع، وبينما تقوم الحكومة السورية وأجهزتها المختصة بعمليات أمنية متواصلة لملاحقة خلايا تنظيم “داعش” وعناصره، فالملاحظ أن التنظيم، بعد تحرره من “عقدة” السيطرة المكانية التي كلفته سابقًا الكثير من الخسائر، بدأ ـ وخاصة في الفترة القريبة التي تلت سقوط النظام البائد ـ بإجراء تغييرات واضحة على صعيد إعادة الانتشار (من البادية إلى الحواضر والمدن) والعمليات النوعية والأهداف، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية التي أصبحت عليها الدولة السورية الجديدة.
انضمام دمشق لتحالف مكافحة الإرهاب والثمن
عمليًا، ومن خلال قراءة الواقع السياسي والميداني واستقراء القادم، فإني أتصور أن تنظيم “داعش” في الفترات الأخيرة قد زاد من وتيرة عملياته الإرهابية، وأعتقد ـ وربما بشيء من الجزم ـ أنه سيزيد أكثر من نشاطاته واستهدافاته الدامية والتخريبية بشكل متصاعد وملحوظ، مع قادمات الأيام، على أهداف متنوعة وفي أماكن متفرقة من الجغرافيا السورية؛ وذلك لأسباب جديدة أخرى تتعلق بانضمام “دمشق” للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب لتصبح الدولة رقم 90 فيه، ووضع يديها بيد “واشنطن”، وتنفيذها في الفترات الأخيرة لعدة عمليات أمنية خاصة مشتركة مع القوات الأمريكية، استهدفت من خلالها خلايا وعناصر نائمة للتنظيم، سواء في منطقة “الضمير” قرب دمشق، أو في أرياف “حلب” و“إدلب”.
ناهيك عن أن التنظيم بات يعتبر الحكومة السورية الجديدة “مرتدة”، ويصفها ـ مع الرئيس “أحمد الشرع” ـ بأنهم “خارجون عن الملة”، لانضمامهم لتحالف محاربة الإرهاب وتعاونهم الواضح والوثيق مع الولايات المتحدة. ولا شك أن هذا التصنيف التكفيري يأتي في إطار فكر واستراتيجية “داعش” التي تقول إن أي سلطة أو حكومة أو فصيل يقبل بالتعاون مع أطراف دولية أجنبية هو خارج عن نهج “الجهاد”، وستحاربه بكل الوسائل المتاحة.
دمشق وقدراتها على مواجهة “داعش”
في الواقع، أجد أن الدولة السورية ـ من الناحية البشرية والعتاد والتدريب ـ قادرة على مواجهة خلايا وفلول التنظيم عسكريًا وميدانيًا، وخاصة أنها في أوقات سابقة خاضت ضده معارك دامية كثيرة في أرياف “حلب” و“إدلب” و“حماة” و“درعا”. ولكن المشكلة الأساسية لدى الأجهزة الأمنية المختصة، باعتقادي، هي تلك المتعلقة بالنقص والضعف في قاعدة المعلومات والبيانات الاستخباراتية المتنوعة عن نشاطات التنظيم وتحركاته وتمويله، ولا سيما أن تلك النشاطات غالبًا ما باتت تعتمد على أساليب الذئاب المنفردة، والكمائن الطرقية المزدوجة، والمفخخات، والإغارات الخاطفة، وأعمال الكر والفر، وعلى أهداف منعزلة، بمجموعات صغيرة سريعة الظهور والاختفاء.
ولا شك أن التنظيم استغل الإرباك والفراغ الأمني الذي حصل ببداية عمليات التحرير، وسعي الدولة الجديدة للسيطرة الأمنية السريعة على المساحات الكبيرة التي وجدت نفسها فجأة مسؤولة عنها، وحاجتها الماسة لمنتسبين جدد في الجيش والأجهزة الأمنية ـ وللأسف ـ من دون شروط قاسية ودراسات سلوكية كافية أو تحريات أمنية حقيقية. وعليه، فربما ساعد هذا الأمر التنظيم على استثمار هذه الفوضى، والزج بالعديد من عناصره وأتباعه ومريديه المتطرفين فكريًا ودينيًا في تلك الأجهزة، لاستغلالهم في تنفيذ أية عمليات إرهابية مستقبلية.
ولذلك أجد أن الدولة السورية وجهاتها المسؤولة بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في تقييم عناصر الجيش والمؤسسات الأمنية الذين انخرطوا في صفوفها خلال الفترات الماضية، واستبعاد غير اللائقين منهم سلوكيًا وفكريًا ونفسيًا وأخلاقيًا وبدنيًا، وعلى وجه السرعة. كما تبرز وجوبُ وأهميةُ التركيز على التنسيق العملياتي والاستخباراتي مع دول الجوار والتحالف الدولي، بهدف تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتسهيل أساليب ملاحقة خلايا “داعش” الكامنة ورصدها ومتابعتها، والتعامل معها وفق العمليات الجراحية الاستباقية.
أهمية الدور الأميركي
برأيي، بعد انضمام “دمشق” لتحالف محاربة الإرهاب ومن أجل لجم وردع التنظيم، ينبغي على الحكومة السورية الضغط على الولايات المتحدة للاحتفاظ بوجود عسكري في “سوريا” لفترات إضافية قادمة؛ بمعنى أن وجود عدة مئات من الجنود الأمريكيين سيكون ـ حتمًا ـ ضروريًا جدًا، خاصة في هذه الأوقات التي تحتاج فيها قوات الأمن السورية الجديدة إلى التدريب والتسليح والدعم الاستخباراتي، وإلى عمليات المراقبة والرصد والاستطلاع.
وسيكون الوجود الأمريكي فرصة مثالية تساعد في بناء قدرات الدولة السورية العسكرية والأمنية، التي تستطيع من خلالها مواجهة كافة العقبات والصعوبات التي تعيق توحيد واستقرار البلاد، ومنع عودة “داعش”. وخاصة أنه إذا تمكن التنظيم من استعادة زخمه في “سوريا”، فسيتجه حتمًا إلى تنفيذ هجمات في أنحاء المنطقة وخارجها. لذا يجدر بـ “واشنطن” أن تساعد الدولة السورية في منع تنظيم “داعش” من إعادة بناء وإنتاج نفسه، وزعزعة استقرار بلاد الشام، بل العالم بأكمله مرة ثانية.
ختامًا
لا يزال تنظيم “داعش” يلملم أوراقه وينظم خلاياه ليزيد من وتيرة هجماته الإرهابية على أكثر من صعيد، ما يعني أن حلم العودة ما زال يراوده من جديد. وبالتالي لن تأمن بلادنا من مكره وشره ودمويته. إن الانتصار عليه وإنهاء وجوده جذريًا لا يمكن أن يتم من دون تجفيف موارده، والقضاء على البيئة الفكرية الخصبة للتطرف والعنف المجتمعي، ووجود دولة وحكومة سورية قوية قادرة على معالجة الأزمات وتضميد الجراح، وضم أبنائها بين جنباتها، وتعزيز لحمة مكوناتها الوطنية، وزيادة وتطوير علاقاتها الإقليمية والدولية في كافة المجالات، بما يحقق أمن واستقرار سوريا وتقدمها.
المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى