بوتين “تسوّل” زيارة الشرع!

بسام مقداد

أسبوعان فصلا بين السنوية العاشرة لتدخل روسيا العسكري في سوريا وزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو. ولعل بشار الأسد المقيم في أحد أبراج موسكو القريب جداً من الكرملين، كان أكثر المتابعين لمجريات الزيارة. ولم يكن يتحسس عنقه، إذ أنه يثق كلياً بأن بوتين لن يسلمه للشرع، ليس خوفاً عليه، بل لأنه يعتبرها إهانة شخصية له. ولم يسبق أن سلّم بوتين رئيس قيرغيزيا عسكر أكاييف والرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، واللذين فرا إلى روسيا أيضاً بعد انتصار الثورة على نظامهما.

وصل الشرع إلى موسكو في اليوم الذي كان يجب أن تنعقد فيه القمة العربية الروسية ورفض القادة العرب حضورها. وكان بوتين قد نسب لنفسه المبادرة إلى تأجيل القمة، “لأنني لا أريد التدخل” في عملية إنهاء الحرب غزة التي يقودها ترامب. وكان نفسه قد أعلن قبل قرار التأجيل بأنه تحدث هاتفياً مع رئيس القمة العربية الحالي، رئيس وزراء العراق، الذي أبلغه بأن القادة العرب منهمكون الآن بقمة شرم الشيخ، ولن يتمكنوا من حضور قمة موسكو.

تعددت الآراء وتباينت كثيرا في الإعلام الناطق بالروسية بشأن زيارة الشرع، والتي اعتبرتها النيويورك تايمز “حدثاً ملفتاً”. الإعلام الدائر في فلك الكرملين والمحللون التابعون له، صوروا الأمر وكأن الشرع جاء يستجدي موسكو تعزيز شرعيته الدولية ليقيم توازناً في علاقات سوريا الخارجية. كما صوروا الزيارة بأنها انتصار لبوتين والدبلوماسية الروسية وترسيخ مواقع روسيا في الشرق الأوسط، والتي استبعدت مع إيران عن التسوية في غزة. ولم يأت أحد على ذكر رفض القادة العرب لحضور قمة موسكو، بل أعلن الكرملين أن بوتين اتفق مع رئيس الوزراء العراقي على تأجيل القمة إلى موعد آخر، قد يكون الشهر المقبل.

أما الإعلام الغربي الناطق بالروسية، فقد صور الأمر عكس ذلك تماماً، وأن روسيا هي التي “تسولت” زيارة الشرع، و”أن المنتصر تكرم بزيارة المهزوم”.

المعلق السياسي الأسبوعي في موقع الخدمة الروسية في دويتشه فيله DW كونستانتين إيغرت (Konstantin Eggert)، نشر في 16 الجاري نصاً عنونه بالقول “بوتين في المرتبة الثانية بالنسبة للسلطات السورية الحالية”.

استهل الكاتب نصه بالقول أنه خطر على باله فوراً لدى مشاهدة فيديوهات موكب الشرع وهو يعبر شوارع موسكو بأن “المنتصر تكرم بزيارة المهزوم”. ورسخت في ذاكرته صورة بدلة الشرع “متقنة التصميم”، وبدا له أن الرجل يتأقلم بسرعة مع دور “رئيس الدولة المحترم”.

يسارع الكاتب إلى النفي المطلق لأي إمكانية بتسليم الشرع الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي يبقى “نصف ضيف ونصف أسير”. ويرى أنه بالنسبة لروسيا كانت قضية الاحتفاظ بقواعدها في سوريا، هي القضية الأهم التي طرحت على طاولة المفاوضات. “ويبدو أن بوتين قد حصل على ما يريد”. وتشير نتائج المفاوضات إلى أن الشرع قد أكد على بقاء الاتفاقيات  الروسية السورية السابقة سارية المفعول، على أن تخضع لمفاوضات لاحقة التفاصيل المتعلقة بالقواعد، من حيث مهامها وعدد عسكرييها. فبالنسبة لبوتين، تعد اللاذقية وحميميم مهمتين كنقطتي إمداد لحليف الكرملين في ليبيا، المشير خليفة حفتر، وما يسمى بـ”فيلق أفريقيا” التابع لوزارة الدفاع الروسية (المعروف سابقًا باسم شركة فاغنر/ العسكرية الخاصة) في أفريقيا الاستوائية.

أما بالنسبة للشرع، فإن تقليص الوجود العسكري الروسي يعتبر جزءاً من اللعبة الإقليمية الكبيرة. وهو يسعى لحماية سوريا وحكومتها الجديدة من الاضطرابات المستقبلية المحتملة. فالمدافع الرئيسي عن سوريا اليوم هو الرئيس التركي الذي يعتبر السلطة الجديدة في سوريا توسعاً كبيراً للنفوذ التركي في المنطقة، والذي يجعل تركيا لاعباً إقليمياً رئيسياً إلى جانب السعودية وإسرائيل. ولهذا السبب بالذات، تتمتع سوريا بأهمية كبيرة بالنسبة لإسرائيل التي تعتبر أنها في حالة “حرب باردة” مع تركيا. ومن مصلحة إسرائيل أيضاً بقاء القواعد الروسية في سوريا، إذ كلما تزايد وجود لاعبين آخرين غير تركيا في سوريا، كلما انخفض خطر المواجهة المباشرة مع تركيا. ولهذا، يقول الكاتب، أن الإعلام الإسرائيلي يبث يومياً أنباء اللقاءات بين ممثلي نتنياهو وممثلي السلطة السورية الجديدة.

يؤكد الكاتب أن الخبراء والدبلوماسيين الإسرائيليين أبلغوه منذ الربيع الماضي أن نتنياهو مرتاح لفكرة وجود عسكري روسي محدود في سوريا، وأطلع الشرع على ذلك عبر قنواته الخاصة. ونقل عن البروفسور في جامعة ستانفورد عميحاي ماجن (Amichai Magen) قوله له إنه يجب أن نتوقع قريباً، إن لم يكن اتفاقية إقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا وإسرائيل لا زالت تعرقلها مسأة الجولان، فاتفاقية أمنية تشتمل على ضمانات أمنية للدروز في السويداء.

الموقع الروسي URA.RU نشر في 15 الجاري نصاً رأى في عنوانه أن “بوتين تفوق على نتنياهو وأردوغان في سوريا”.

استهل الموقع نصه بالقول إن بوتين تغلب على كل من له مصلحة في إضعاف موقع روسيا في سوريا. ولم تتحقق التوقعات العديدة بأن روسيا سوف تضعف في الشرق الأوسط بعد الإطاحة “بزعيم البلاد بشار الأسد”، وأنها سوف تضطر إلى سحب قواعدها العسكرية. ويرى الخبراء أن لقاء بوتين بالرئيس السوري الجديد في الكرملين، يُظهر نجاحًا استراتيجيًا للدبلوماسية الروسية. فقد أدركت السلطات الجديدة في دمشق أنه من دون موسكو، يستحيل تحقيق توازن القوى في المنطقة. واقتطف الموقع إقتباساً من ترحيب بوتين بالشرع، حين قال إنه لم تكن لروسيا أي علاقة مع سوريا مرتبطة بأجندتها السياسية أو مصالحها الخاصة. و”لطالما استرشدنا بأمر واحد: مصالح الشعب السوري”.

نقل الموقع عن البوليتولغ الروسي ميخائيل كارياغين (Mikhail Karyagin) أنه رأى في المطالبة بتسليم الأسد رغبة من الشرع في تحقيق نصر رمزي آخر على الماضي على حساب الأسد. ومن غير المرجح أن تُقدم موسكو على خطوة كهذه. ويشير إلى أن أحداً لم يُقدّم أي ضمانات علنية بتسليم الأسد، ويعتبر هذا “مسألة حساسة” بالنسبة لسمعة روسيا. يؤكد كارياغين أن المسألة الأساسية بالنسبة لروسيا، هي وجودها العسكري في سوريا.

رئيس مركز الأبحاث الجيوسياسية دمتري روديونوف (Dmitry Rodionov) يوافق على الرأي السابق بالنسبة لأهمية الوجود العسكري في سوريا بالنسبة إلى روسيا. ويرى أن القواعد لا تقتصر أهميتها على سوريا والشرق الأوسط فقط، بل هي أيضًا بوابة إلى أفريقيا، “إذا فقدناها، فسنفقد فعليًا نفوذنا في أفريقيا”.

يقارن روديونوف بين سلطة الشرع وسلطة طالبان في أفغانستان. ويقول بأن روسيا بدأت تتعاون مع طالبان منذ تسلمهم السلطة في العام 2021، بينما لم ترفعهم عن قائمة المنظمات الإرهابية سوى في العام الحالي. ويشير إلى أن روسيا لم ترفع “هيئة تحرير الشام” عن القائمة المذكورة حتى الآن، يفترض أن ذلك سيجري في حال لم تغرق سوريا مجدداً في الحرب الأهلية ويحتفظ الشرع بالسلطة.

المحاضر في قسم النظرية السياسية في  جامعة MGIMO التابعة لوزارة الخارجية الروسية كيريل كوكتيش (Kirill Koktysh) رأى أن زيارة الشرع إلى موسكو تملك أهمية مبدئية ليس لموسكو فقط، بل وللزعيم السوري أيضاً. فالشرع، الذي يدرك مدى ضعفه أمام إسرائيل وتركيا، اللتين تتنافسان على النفوذ في سوريا، جاء من أجل المحاولة للحصول على وسيلة دعم لسلطته.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى