ملامح الفترة الانتقالية بعد حرب الإبادة

محمود سمير الرنتيسي     

تساءل موقع إخباري في دولة الاحتلال الإسرائيلي حول الكيفية التي ستتصرف بها حركة حماس للحفاظ على سيطرتها على القطاع بعد انتهاء حرب الإبادة الجماعية، وخصوصاً بعد القدرات الأمنية للحكومة الفلسطينية في غزة التي ظهرت في الأيام الأولى بعد تطبيق وقف إطلاق النار، من خلال ملاحقة كل من خرج عن القانون خلال العامين الماضيين وشارك في أعمال السلب والنهب والجريمة المنظمة أو التعاون مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.

يُقدّر مسؤولون إسرائيليون كبار أن الحركة قد تحاول اتباع نموذج حزب الله في لبنان، أي السيطرة غير المباشرة على مراكز القوة من خلال تأسيس حزب سياسي جديد، وذلك للحفاظ على نفوذها على الجمهور ومواصلة العمل خلف الكواليس. ولكن في الحقيقة هناك اختلافات موضوعية بين ظروف حماس وحزب الله، ومن المرجّح أن تكون حركة حماس أكثر مرونة في كل ما من شأنه تسهيل عمليات إغاثة الشعب الفلسطيني وإعادة إعمار قطاع غزة، بما في ذلك أركان الإدارة الجديدة التي تتابع الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين، وبالتالي لن تكون معنيّة بالسيطرة على مراكز القوة في إدارة الأعمال البيروقراطية الجديدة لقطاع غزة.

إن ما يسمى “مجلس السلام” أو ما يتبعه من إدارة مؤقتة لشؤون غزة وقوة الاستقرار الدولية التي جرى الحديث عنها في الإعلام لا تزال في طور التبلور.

ومن جهة أخرى، فإن ملامح الفترة القادمة لا تزال غير واضحة، فهناك عدة قضايا رئيسية بحاجة إلى تحديد، أهمها شكل وطبيعة الإدارة الجديدة لقطاع غزة ومرجعياتها. وصحيح أن الفصائل الفلسطينية مستعدة لعدم التدخل في عمل الإدارة الجديدة خلال الفترة الانتقالية، إلا أن هذا الموقف لن يكون قابلاً للاستمرار، إذ ستكون قدرة الفصائل الفلسطينية على التدخل كبيرة، خاصة في حال استُخدمت الإدارة الجديدة لتنفيذ سياسات ومصالح الاحتلال الإسرائيلي.

حصلت دولة الاحتلال الإسرائيلي على عشرين أسيراً حياً، وكان هذا هدفاً جوهرياً لها، وعلى الأغلب ستنتهي هذه المرحلة أيضاً بتسليم الجثث، مع احتمال وجود استثناءات بسبب صعوبة العثور على بعض الجثث بعد عامين من الحرب. غير أن هذه المرحلة ستمر بتعقيداتها، لأن المرحلة الأخطر والأهم هي مرحلة الواقع السياسي والأمني في غزة، وفكرة نزع السلاح ومستقبل دور الفصائل الفلسطينية، إذ ما تزال دولة الاحتلال تصر على نزع السلاح وتدمير الأنفاق وكل ما يُعدّ عدائياً لها، لكنها تصطدم برفض حماس أولاً، ثم بسؤال الجهة التي ستتولى تنفيذ عملية نزع السلاح.

لا نزال في المرحلة الأولى من الاتفاق، وسيحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء هذه المرحلة وفق رؤيته، غير أن القضايا التي جرى تأجيلها ليست قضايا غزة وحدها، بل هي متعلقة بمستقبل القضية الفلسطينية التي لطالما انحازت الولايات المتحدة بشأنها إلى الاحتلال الإسرائيلي ورؤاه، بل وحتى إلى اليمين الإسرائيلي نفسه.

يعتقد صناع القرار في دولة الاحتلال أن هناك تناقضاً بين مقولة “انتهاء الحرب” ومقولة “نزع سلاح حماس بالقوة”، وهما عبارتان صادرتان عن الشخص نفسه، الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويرى هؤلاء أن هذا التناقض قد يشكّل فرصة لحماس للعودة بقوة وترميم قدراتها. ففي حين يوجد بدلاء لأعداء دولة الاحتلال في ساحات أخرى مثل لبنان، حيث يمكن أن يحلّ آخرون مكان حزب الله، فإن غزة لا تملك بديلاً لحماس، وحتى في حال توفر بديل، فسيبقى ضعيفاً مقارنة بحماس، رغم ما تعرضت له من استهداف مباشر على مدى عامين. كما أن الاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن حتى الآن من فرض رؤيته في لبنان.

وعلى كل الأحوال، فإن ما يسمى “مجلس السلام” أو ما يتبعه من إدارة مؤقتة لشؤون غزة وقوة الاستقرار الدولية التي جرى الحديث عنها في الإعلام ما تزال في طور التبلور، وفي حال جرى التفاهم على شكلها، فسيكون ذلك نتيجة مفاوضات مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية. وحتى بعد التفاهم، فإن دخول هذه الجهات سيكون قائماً على عملية التفاوض مع الحركة.

وقد جرت لقاءات عدة بين حماس ومسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من بينهم آدم بوهلر مبعوث ترامب لشؤون الشرق الأوسط. وذكرت مصادر أن ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر التقيا بقيادة حماس في شرم الشيخ ضمن جولة المفاوضات الأخيرة التي أدت إلى وقف إطلاق النار الحالي.

وقد أثار تسامح ترامب مع فكرة بقاء حماس كفاعل في الفترة الانتقالية غضب أطراف عدة في دولة الاحتلال الإسرائيلي وغيرها، إذ يرون أن بقاء الحركة في الفترة الانتقالية، حتى كقوة أمن مؤقتة، سيمنحها مزيداً من الشرعية في المرحلة القادمة، بل قد يجعلها جزءاً أساسياً أو شريكاً رسمياً في حكم قطاع غزة لاحقاً.

إن أي معادلة تقوم على تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني وانتهاك سيادته، وتراعي فقط مصالح الاحتلال الأمنية على حساب هذه الحقوق، ستكون وصفة جديدة لاستمرار التوتر والعودة إلى الحروب بعد فترة قصيرة.

ستظل إسرائيل تعتمد سياسة المماطلة رغم أنظار الأميركيين والأطراف الإقليمية والدول العشرين التي شاركت في الاتفاق، فهذه طبيعتها الدائمة، إذ تعيق حالياً دخول المساعدات الإنسانية وتتباطأ في فتح معبر رفح، وعلى الأرجح ستستمر في هذا النهج الذي لطالما اتبعته في تعاملها مع قطاع غزة قبل الحرب وخلالها وبعدها.

سيبقى التعقيد السمة الأبرز لملامح المرحلة المقبلة في غزة، فحماس ستسعى إلى ترميم ذاتها وإمكاناتها، والسلطة الفلسطينية ستعمل على إيجاد موطئ قدم لها في إدارة غزة، بينما ستواصل دولة الاحتلال الإسرائيلي إعاقة مراحل الانسحاب والإعمار قدر الإمكان. ورغم ما يبدو من مرونة في ملف إدارة غزة وتواجد الأطراف الدولية، فإن الخلاف سيبقى قائماً حول مسألة نزع السلاح. ومجدداً، فإن أي معادلة تقوم على تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني وانتهاك سيادته، وتراعي فقط مصالح الاحتلال الأمنية على حساب هذه الحقوق، ستكون وصفة جديدة لاستمرار التوتر والعودة إلى الحروب بعد فترة قصيرة. وربما يسعى الاحتلال الإسرائيلي واليمين الحاكم فيه إلى استئناف هذا المسار بعد استراحة وجيزة أو بعد تغييرات في المعادلة التي فرضت الذهاب إلى الاتفاق الأخير بشروطه ومكاسبه وإكراهاته.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى