
تحويل الموقف من الدولة السورية من نقد الحكومة ومطالب الاصلاح بما في ذلك التحقيق المستقل بما جرى في السويداء وايقاع المحاسبة وجبر الضرر وإعادة المهجرين قسرا، أقول تحويل الموقف من النقد ومطالب الاصلاح مع الاعتراف بسيادة الدولة وحصر السلاح بيدها إلى موقف سياسي عدائي إلى حد مطلق ” إما نحن أو هم ” هو موقف بدون أساس واقعي على الاطلاق، وبالمفهوم السياسي هو موقف غبي تماما .
لماذا ؟
الدولة السورية الجديدة راسخة الأركان أكثر بكثير مما يتم تصويره في وسائط التواصل الاجتماعي , أي أنه لدينا عالم خيالي تبدو الدولة السورية فيه على وشك السقوط، يصرح فيه رجل مثل طارق الشوفي أن بإمكانه احتلال دمشق خلال ساعات , وفي المقابل لدينا عالم حقيقي حيث تتقاسم فيه العلاقات الدولية والاقليمية والدعم الشعبي الداخلي الاستناد الحقيقي للدولة السورية .
بخلاف تصور بعض النخب السورية يبدو الآن على درجة كافية من الوضوح أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وفي ظروف تراجع قواه على نطاق العالم وبداية أفول عصر الهيمنة الأمريكية العالمية أصبح يدرك عواقب انفلات الحروب المحلية خاصة في المناطق التي تتقاطع فيها المصالح والوجود العسكري مع أعدائه اليوم ( الصين وروسيا ) ولذا فهو يسعى لتهدئة النزاعات هناك وحلها بطرق سلمية فهو ليس مستعدا للتدخل العسكري سوى بأضيق الحدود ولفترة قصيرة للغاية وقد ظهر ذلك جليا في الاصطدام العسكري بين اسرائيل وايران , الولايات المتحدة ليست مستعدة أبدا لحرب واسعة ومديدة في المنطقة .
أما اسرائيل التي يعتمد عليها اليوم من يروجون لموقف العداء الصفري مع الدولة السورية فهي بخلاف الصورة التي يظهرها ناتنياهو في الواقع , فحرب غزة أظهرت مدى محدودية قدرتها العسكرية , وكونها أساسا تعتمد على سلاح الجو , مما اضطرها لنهج سياسية الأرض المحروقة تجاه غزة .
انكشاف محدودية القدرة العسكرية الاسرائيلية أنتج مراجعة شاملة للاستراتيجية الامريكية في المنطقة لصالح تقليل الاعتماد على اسرائيل واللجوء لمنح الدول الاقليمية كتركيا دورا أكبر من أجل حفظ التوازن في المنطقة , وهكذا فتركيا اليوم أصبحت قوة موازنة لاسرائيل في المنطقة خاصة في سورية , ويمكن القول أن السياسة العدوانية الاسرائيلية أصبحت مرتبطة إلى حد كبير بحكومة نتنياهو التي تواجه أزمة حادة في الداخل وسط مؤشرات قوية عن إنهاك المجتمع الاسرائيلي وعدم استعداده لمغامرات جديدة بمافي ذلك مؤسسة الجيش .
إضافة للدعم الغربي الحالي تتمتع الدولة السورية بدعم سياسي واقتصادي قوي من أقوى الدول الاقتصادية العربية ( المملكة العربية السعودية وقطر )
ودعم عسكري واقتصادي مطلق من أقوى الدول الاقليمية ( تركيا ) ودعم شعبي داخلي واسع النطاق لايتأثر بقليل أو كثير مما يكتب على صفحات الفيسبوك أو يظهر في التك توك وحتى في الأقنية الفضائية المسخرة للتشكيك في وضع الدولة السورية وبث الشائعات والأكاذيب .
وبالملخص فإن الموقف السياسي لتيار مثل تيار الهجري في تحويله المسألة لمسألة ” وجود أو لاوجود ” هو موقف صادق وحقيقي بالنسبة له فقط وليس للسويداء ولا لسورية , فهو قد أغلق على نفسه طريق العودة والتراجع , طريق الحوار مع الدولة السورية , وأي حل سياسي وطني للسويداء أصبح يمر خارجه , لكن من أجل السويداء نفسها فلايمكن تصور مستقبل واقعي بالاستناد لدولة مثل اسرائيل مكروهة من شعوب العالم ودوله ومعزولة وتعاني من انقسامات داخلية عميقة , غير مستعدة لخوض مغامرات عسكرية واسعة , ولا مواجهة استراتيجيات ومصالح الغرب الذي أوجدها والذي يرعاها حتى اليوم .