هل تسرّع أحداث السّويداء التسوية بين سوريا وإسرائيل؟

وليد صافي

الدروس المستقاة من التاريخ علّمتنا أنّ التداعيات السياسية للأحداث التي تقع في جبل العرب لا تبقى على حافته. وإذا كان لأحقاد الماضي وتصفية الحسابات بين الدروز والبدو نصيبٌ وافٍ في هذه الأحداث، فإنّ حقائق الجغرافيا السياسية للجبل وتاريخه تؤكّد أنّ المواجهة التي اندلعت على أرض السويداء هي بالدرجة الأولى نتاج الصراع على مستقبل سوريا.

على الجانب الإسرائيلي، صارت واضحة الأهداف التي سعى إليها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال ما تقوم به أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من تركيب الأحداث وتغذيتها واستثمارها لإعادة رسم المشهد الجيوسياسي في جنوب سوريا ليكون رأس جسر يجعل منه لاعباً أساسيّاً في تقرير مستقبل سوريا وتحديد طبيعة نظامها السياسي الجديد.

على الجانب السوري، وجد الرئيس أحمد الشرع، المُغطّى أميركيّاً والمدعوم من تركيا ودول الخليج العربي لإقامة دولة مركزية، في الصدام الذي بدأ بين الدروز والبدو على خلفيّة خطف تاجر من السويداء فرصةً لفرض سيطرته بالقوّة على الجبل، من دون أن يكون مضطرّاً إلى دفع أيّ ثمن سياسي يرى فيه تهديداً لسلطته المركزية وأجندته لبناء سوريا الجديدة.

جاء التدخّل الإسرائيلي المسموم في هذه المواجهة بحجّة حماية الدروز ليترك تداعيات على علاقة الجبل بالنظام الجديد والمحيط الإسلامي السنّي بشكل عامّ، الأمر الذي استنفر وليد جنبلاط لمنع الفتنة وانتقالها إلى لبنان، وقد نجح في ذلك، وليطرح هذا التدخّل أيضاً انعكاساته على المسار الذي كانت تسلكه المفاوضات بين دمشق وتل أبيب في أذربيجان.

الدروس المستقاة من التاريخ علّمتنا أنّ التداعيات السياسية للأحداث التي تقع في جبل العرب لا تبقى على حافته

مراجعة للمواقف والاستراتيجية

تدلّ كلّ المؤشّرات على أنّ طرفَي المعادلة في دمشق وتل أبيب يراجعان حالياً مواقفهما واستراتيجيتهما للتعامل مع نتائج المواجهة في السويداء.

لقاء باريس مساء الخميس بين وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني والوزير الإسرائيلي رون ديرمر، المقرّب من بنيامين نتنياهو، برعاية أميركية- فرنسية، والتفاؤل الذي عبّر عنه توم بارّاك ووزير خارجية فرنسا جان نويل بارو اللذان رعيا هذا الاجتماع، يدفعان إلى الاعتقاد بأنّ الجميع تهيّب تداعيات أحداث السويداء التي دقّت جرس الإنذار على أبواب جميع المؤثّرين في الميدان السوري.

السّويداء تغيّر المعطى الجيوسياسيّ

أحداث السويداء والنتائج التي تمخّضت عنها بدّلت بسرعة المشهد الجيوسياسي الذي كان يُرسم بين سوريا وإسرائيل. إذ فرملت الزخم الذي كان يدفع قُدماً المفاوضات بين البلدين.

قبل هذه المواجهة الدمويّة، كانت المفاوضات قد قطعت شوطاً كبيراً، بهدف التوصّل إلى اتّفاق عنوانه الترتيبات الأمنيّة، ولكنّ بُعده السياسي يرمي إلى تعبيد الطريق نحو التطبيع بين البلدين حين تتوافر الشروط الداخلية والإقليمية لنظام الرئيس الشرع.

في المقارنة مع تداعيات أحداث الساحل التي كانت تريد منها إيران زرع الفوضى في سوريا، وفشلها في صناعة أيّة أوراق تمكّنها من التأثير في المسرح السوري، فإنّ إسرائيل التي سعت لمراكمة الأوراق التي تمكّنها من اللعب بحرّية أكبر، والتأثير في تحديد الوضع الجيوسياسي والأمنيّ للجنوب السوري، تواجه حقائق قد تعقّد الاحتفاظ بهذه الأوراق وصرفها في المصالح التي تسعى إلى تحقيقها.

حقائق الجغرافيا السياسية للجبل وتاريخه تؤكّد أنّ المواجهة التي اندلعت على أرض السويداء هي بالدرجة الأولى نتاج الصراع على مستقبل سوريا

إسرائيل أمام معضلات معقّدة

لم يتوقّف الإسرائيليون منذ سقوط نظام الأسد عن التفكير وكتابة السيناريوهات المفضّلة لهم بالنسبة لسوريا ونظامها. وتراوحت هذه السيناريوهات بين تشجيع الدروز والأكراد على الحكم الذاتي، أو تقسيم سوريا إلى أربع دويلات، أو التشجيع على الفدرالية في مواجهة النظام المركزي الذي يعمل الشرع على بنائه.

لقاء الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، الذي دفع ببوصلة أميركية جديدة في سوريا بمسعى رئيسيّ من وليّ عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، خلق لإسرائيل معضلة استراتيجيّة.

فرضت هذه المعضلة على قادة تل أبيب التفكير في كيفية التعامل مع القرار الأميركي بدعم قيام دولة مركزية في سوريا، وإعطاء شرعية دوليّة لنظام الشرع، الذي تعتبره إسرائيل حتّى هذه اللحظة نظاماً يرتكز على خلفيّة جهادية ودعم تركي هويّته عثمانية.

لذلك انقادت إسرائيل إلى المفاوضات المباشرة مع نظام الشرع في أذربيجان، من دون أن تحسم من الناحية الاستراتيجية الموقف من الرؤية الأميركية والسعودية لسوريا.

أعادت أحداث السويداء طرح المعضلة نفسها على إسرائيل، لكن من باب استغلالها أوضاع الأقليّات. فهل تتمّ التضحية بهذه الأقليّات مقابل عدم خسارة الفرصة المفتوحة لها مع نظام الشرع؟

إسرائيل بين فرصة التّسوية مع الشّرع وحماية الأقلّيّات

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مقالة لكرميت فالنسي بعنوان: “الأزمة في جنوب سورية تتفاقم وتضع إسرائيل أمام معضلات استراتيجيّة معقّدة”.

طرحت المقالة مسؤولية الشرع عمّا حدث في السويداء وتساءلت: “هل من المعقول أن يُجازف الشرع، بدافع الرغبة في تصفية حسابات طائفية أو فرض السيطرة على جنوب سورية، بكلّ ما حقّقه من إنجازات دبلوماسية واقتصادية خلال الأشهر السبعة الماضية، بما في ذلك الاعتراف والدعم الإقليميّان له، والثقة التي منحه إيّاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والقرار الأميركي التاريخي برفع العقوبات الخانقة عن الاقتصاد السوري؟”.

أمّا الأسئلة ذات الطابع الجيوسياسي فكانت: المقارنة بين “الواجب الأخلاقي” في حماية الدروز والمخاطرة في فقدان الفرصة بعقد تسوية مع نظام الشرع، والتساؤل عمّا إذا كانت الغارات الجوّية على دمشق قد شكّلت استعراضاً للقوّة أم إطلاق النار على الذات، في إشارة إلى التداعيات السلبية على صورة دولة إسرائيل التي تحاول ضرب النظام واستقراره في الوقت الذي يلقى فيه هذا النظام دعماً أميركياً وخليجيّاً كبيراً.

أمّا التساؤل الأهمّ فكان بين انهيار المفاوضات أو العودة إلى الطاولة. إذ خلصت الكاتبة إلى أنّ “إسرائيل تسعى لتجنّب التورّط في صراع عسكري طويل الأمد في سورية، وتُدرك أنّ هناك مصلحة مشتركة تجمعها بالنظام في منع إيران وأذرعها من إعادة ترسيخ وجودها على الأراضي السورية. لذلك يمكن أن يسعى الطرفان إلى التوصّل إلى تفاهمات، سواء سرّية أم علنيّة، من أجل تثبيت الوضع القائم”.

إقرأ أيضاً: “بائع خرضوات” أقنع ترومان بدولة إسرائيل؟

لن تتوضّح الردود على هذه الأسئلة قبل أن يتّضح موقف نتنياهو من أيّ سوريا يريد: هل يريد الفوضى أم سوريا المُجزّأة؟ أم يتعامل بواقعيّة مع سوريا المركزية بقيادة الشرع مقابل ضمان مصالحه؟

إصراره على الاستمرار في تقديم نفسه حامياً للأقليّات يُشتمّ منه أنّه لا يزال يراهن على تغيير الموقف الأميركي من وحدة سوريا.

على المقلب الآخر، هل الشرع جاهز لتقديم حلّ سياسي شامل لاندماج المكوّنات السورية كافّة وسدّ نوافذ التدخّلات الإسرائيلية؟ وفي الجبل، هل يتبصّر من يجب أن يتبصّر في المقارنة التي يجريها نتنياهو بين الفوائد التي يجنيها من حماية الدروز في سوريا، والفوائد من التسوية مع نظام الشرع؟ ماذا لو مالت كفّة الميزان عنده للتسوية مع نظام الشرع، وهذا هو المتوقّع، فماذا ستكون التداعيات؟

إنّ غداً لناظره قريب.

المصدر: أساس ميديا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى