وحدة سورية.. طريق الاستقرار والأمان والتنمية

محمد شيخ يوسف

يؤمن السوريون داخل حدود الدولة وخارجها، أهمية المرحلة الحالية الانتقالية التي تسير بشكل جيد بعد سنوات الثورة والألم، وعقود من التخريب الممنهج من قبل النظام الاستبدادي، توجت بإسقاطه، وأن المرحلة الحالية هذه من المؤكد بحاجة إلى الوقت للعمل، ولديها محددات وعوامل ومراحل، تقود في النهاية إلى سوريا المنشودة في الحرية والعدالة والمساواة ودولة القانون والديمقراطية وحرية التعبير والفكر.

وتكشف التطورات المستمرة على الساحة السورية وخاصة في المناطق التي لا تزال خارج سيطرة الحكومة المركزية في دمشق، أهمية عودة البلد إلى الكل المتماسك الموحد، لما فيه من خير على السوريين أجمع، وبقاء بعض المناطق بحجج مختلفة خارج سيطرة الحكومة والدولة السورية، يفتح الطريق أمام أطماع أطراف لا تريد الخير لسوريا سواء، من بعض الأطراف الإقليمية أو قوى العالم المختلفة، من خلال أطراف ثبت تواصلها وعملها مع النظام في الفترات السابقة، فبات يعرف لدى السوريين مدى سعي هذه الأطراف لتمزيق وحدة البلاد ومنع فرض الأمان والاستقرار.

ويبدو أن هذه الأطراف الراغبة بنشر الفوضى في سوريا، في مختلف أنحاء البلاد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، تعمل في تناغم غريب فيما بينها، لتبقي على المشكلات التي يعاني منها المواطن من دون حلول، في مسعى لإعاقة عمليات الإصلاح في شبكات المياه والكهرباء، وتشتت ذهن المسؤولين عبر افتعال حرائق، واعتداءات على قوى الأمن، والاستنجاد بقوى معتدية محتلة خارجية، كلها تؤدي إلى تأخر الخدمات على المواطنين، وتعين طريق سوريا المزدهر وفق ما تقم لها في فترة قليلة من دعم إقليمي ودولي.

وفي هذا السياق والإطار، بات واضحا أن التطورات سواء في شمال شرقي سوريا، ومحافظة السويداء، وموقف الكيان الإسرائيلي المحتل، واعتدائه السافر على مؤسسات الدولة السورية في دمشق، وقواتها المسلحة وقوى الأمن، والحرائق التي شهدتها جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالية بفعل الفلول، كلها تهدف إلى خلق حالة استمرار عدم الاستقرار في سوريا، إذ تشغل المسؤولين والمعنيين في مختلف المحافظات بالتصدي والتعامل مع هذه الملفات، وتشويشها على مشاريع الإصلاح وإعادة البناء والتعمير.

وتقود مسألة بقاء مناطق سورية خارج سيطرة الحكومة المركزية إلى غياب الأمان عن سوريا والمنطقة والإقليم، وهو ما يدفع دول الجوار وخاصة تركيا والأردن والسعودية وقطر للتأكيد على أهمية الاستقرار وسيطرة الحكومة على كامل التراب السوري لما يوفره من أمان واستقرار ويمنع الفوضى والتوترات المستمرة نتيجة لوجود قوى أمر الواقع وأطراف لها ارتباطات وعلاقات مع بقايا النظام ودول ساعية لاستمرار الفوضى في سوريا.

حصول الاستقرار وفرض الأمان في عموم البلاد من المؤكد أن سينعكس بالشكل الإيجابي على السوريين والمواطنين، وهو ما سيقود إلى انطلاق مزيد من مشاريع التنمية وإعادة الإعمار، واختصار الوقت في تقديم الخدمات، وبناء المدن وترسيخ البنية التحتية، وبالتالي الوصول إلى هدف الدولة المنشود من قبل السوريين والذي ضحى من أجله الملايين بمختلف الأشكال، منهم من ضحى بحياته، ومنهم من جرح وتعرض لإصابات وإعاقات، وآخرين فقدوا أحبابهم وغيبوا بالسجون، وسوريون نزحوا وهجروا ولجأوا وركبوا البحار وعانوا من الغربة، فجميع السوريين بحاجة للاستقرار والأمان والتنمية، ولا يمكن أن يصبح ذلك بوجود ملفات تؤرق الحكومة، وكذلك دول المنطقة والإقليم، وتؤدي لمشكلات لا يمكن حصرها، ليس أقلها فقد مزيد من الأرواح من شباب سوريا، واستشهاد المواطنين وقوى الأمن والجيش.

التطورات الأخيرة في الجنوب السوري تظهر إلى حد كبير مدى خطوة بقاء هذه الثغرات في خاصرة سوريا النازفة، إذ إن المحتل الإسرائيلي وجد في هذه الخاصرة فرصة للاعتداء السافر على سوريا، وعمليات القصف التي جرت أمام مرأى ومشهد العالم من دون مراعاة لحرمة البلاد، تظهر جدية الأطراف الداعمة لهذه القوى، وإضمارها الشر لمستقبل سوريا، وتسعى لاستمرار الفوضى والخراب والدمار، فلا يمكن بناء الدولة في ظل وجود هكذا مخاطر كبيرة لن تستثني أي سوري.

وكذا الأمر ينطبق على شرق الفرات، فقوى الأمر الواقع هناك الرافضة حتى الآن الدخول في الدولة، وترغب بوضع خاص، هي أيضا ستكن ألعوبة ومدخل قوى لا ترغب وتريد الخير لسوريا مستقبلا، ولهذا من الضروري التوصل إلى حلول سريعة بمختلف الوسائل لضمان عودة تلك المناطق إلى سيطرة الحكومة المركزية، وبالتالي تهدئة جميع الجبهات وانتهائها لتكون الجبهة الوحيدة للعمل مستقبلا هي مرحلة البناء وإعادة الإعمار، واستكمال المراحل الانتقالية.

ومما لا شك فيه أن الدول الداعمة لسوريا وخاصة تركيا والسعودية وقطر والأردن والإمارات وغيرها تشدد بوضوح رافضة التدخلات الخارجية وإدانة العدوان الإسرائيلي، وبنفس الوقت تشدد وترغب بأن يعود التراب السوري كله موحدا، لأن التمزقات والتفرقات مصيرها الفوضى وعدم الاستقرار، والمنطقة تعاني من الاضطراب منذ عقود، حيث إن الاستقرار في سوريا سينعكس إيجابا على سوريا ودول المنطقة جميعا بالرفاه والتقدم، ومن هنا يجب استثمار الدعم الإقليمي والدولي في هذا الصدد وعلى الأطراف السورية أن تكون واعية ومدركة لأهمية هذه المواقف في قيادة البلاد إلى الوحدة والاستقرار.

ومن المؤكد أن كثيرا من مشاريع التنمية وإعادة البناء والاستثمارات تنتظر استقرار البلاد، ويعد ملف التجارة واحدا من هذه الملفات، ومع عودة سوريا الموحدة ستكون هناك مشاريع استراتيجية كبرى تتعلق بخطوط النقل والتجارة، سواء بالسلع أو المنتجات أو الطاقة، خاصة أن دول العالم كانت تبحث عن خطوط تجارية بديلة عن الخطوط البحرية، وبرزت مشاريع من دول المنطقة والعالم ترى في تأسيس طرق تجارة بديلة من وسط آسيا إلى أوروبا، فهناك مشاريع صينية وهندية وخليجية وأوروبية مختلفة، ومع سقوط النظام وعودة الدولة السورية إلى موقعها الدولي وبدء توافد وعودة السوريين إلى بلادهم، لا بد أن تنشط عمليات التنمية والتجارة، وخطوط النقل الموجودة أو التي سيتم إنشاؤها لاحقا ستنعكس إيجابا على السوريين بالدرجة الأولى، وعلى اقتصاد البلاد، وعلى جميع الميادين الحيوية في البلاد، وفتحت المرحلة الحالية أفقا في خطوط ومشاريع خطوط نقل وتجارة جديدة عبر سوريا.

ومع الحراك الدبلوماسي الكبير الذي رافق تولي الإدارة الجديدة مقاليد الحكم في سوريا، سواء من مستوى الزيارات الرفيعة إلى دمشق، أو تلك التي أجرتها القيادة السورية ممثلة بالرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، يدرك السوريون أن ثمة نافذة أمام سوريا مفتوحة على مصراعيها من قبل إخوة التاريخ المشترك، تشدد على استقرار وأمان وتنمية تنعكس على شعوب المنطقة بما فيها السوريين، ومقابل ذلك هناك أطراف تضررت من سقوط النظام تسعى لتخريب كل ما يتم بناءه وإغلاق النافذة المفتوحة بشتى الوسائل ولهذا تمر سوريا بمرحلة حرجة وحساسة تطلب وعيا ومسؤولية كبيرة من قبل جميع أبناء الوطن.

ومما سبق يجد السوريون جميعا أنفسهم أمام مسؤولية تاريخية كبرى، والتاريخ لا يرحم أحدا وبات التوثيق أكثر سهولة أعلى مصداقية من قبل، في أن يشارك الجميع في مرحلة البناء من دون تفرقة وتمييز، من دون أن تكون هناك مصالح ضيقة تقود إلى العمالة لأطراف راغبة بالفوضى، وهذا يضع الأطياف السورية وخاصة شرق الفرات وجنوبي البلاد، أمام استحقاق واختبار هام، ودور تاريخي يقود بالبلاد إلى بر الأمان، فلا يمكن لأي طرف أن يقود العملية الانتقالية منفردا، ومن دون تشاركية لن ينجح أي مشروع في فرض الاستقرار والأمن والتنمية.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى