
مع تواصل الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي، برزت في الشهور الأخيرة تصريحات وتسريبات مختلفة عن مفاوضات “غير مباشرة” وفقًا للمصادر السورية، أو مباشرة وفقًا للمصادر الإسرائيلية، تشير إلى وجود اتصالات بين الجانبين بشأن الترتيبات الأمنية، وإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام في نهاية المطاف.
وترافق ذلك مع صعود وعي أهلي متزايد بين سكان المنطقة من أبناء الجولان المحتل في معظمه، تجلّى خاصة في مطالبة الأهالي للحكومة في دمشق بمنح مناطقهم مزيدا من الاهتمام ومقومات الصمود في وجه الاعتداءات والمطامع الإسرائيلية، وهو ما دفع الرئيس أحمد الشرع إلى استقبال وفدٍ منهم، وسمعوا منه موقف الحكومة وتبريراتها لقلة حيلتها حيال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.
الواقع أن كل من يقرأ هذا البيان لا بد أن يلاحظ أنه يشوبه قدرٌ من التوتر، وعدم الانضباط السياسي وحتى اللغوي، برغم أنه يتطرّق عمومًا إلى قضايا محقّة
وترافق ذلك مع صدور بيانٍ عمّا سُمِّي “التجمُّع المدني لأبناء الجولان” يشير إلى معاناة أهالي محافظة القنيطرة من الاعتداءات الإسرائيلية. وإذ يؤكّد البيان على الوقوف إلى جانب القيادة السورية والرئيس الشرع، يشدّد على رفض “أي مفاوضات أو تفاهمات أو اتفاقات” قد تُفضي إلى التهاون أو التساهل في استعادة الأرض المحتلة.
كما يرفضون “المساس بهويتهم الجولانية” أو “التنازل عن تبعيتهم لمحافظتهم، محافظة القنيطرة”. ويوضح البيان أن المقصود هو رفض “مشروع الاندماج الإداري والخدمي في مناطق تجمعاتنا، والذي سيؤدي حتما إلى إلغاء هوية أبناء الجولان.. ويسهِّل على إسرائيل إقفال ملف الجولان.. ويسهم في إلغاء محافظة سورية هي محافظة القنيطرة”.
ويطالب البيان الحكومة السورية بـ”حقنا في التمثيل الكامل في السلطة التشريعية في مجلس الشعب، تمثيلًا يتوافق مع عدد أبناء الجولان النازحين الذين تجاوز عددهم المليون نسمة”.
كما يطالبها بحقوق “أبناء الجولان المشروعة والقانونية المترتبة على النزوح قبل 57 سنة، كحقوق عامة لكل نازحي العالم”، مثل تأمين السكن والعمل، وإصدار قانون دائم يضمن حقوق نازحي الجولان.
والواقع أن كل من يقرأ هذا البيان لا بد أن يلاحظ أنه يشوبه قدرٌ من التوتر، وعدم الانضباط السياسي وحتى اللغوي، برغم أنه يتطرّق عمومًا إلى قضايا محقّة، ويشير إلى الإهمال الحكومي لهذه المنطقة الحيوية في البلاد، الممتدّ من حقبة نظام الأسد، الأب والابن، واللذين تركا محافظة القنيطرة مهدّمة منذ عام 1973، بينما يعيش أكثر من 600 ألف نازح من أبنائها ومن الجولان المحتل، عيشةً ضنكة، على هوامش المدن، خاصة في ريفَي دمشق ودرعا.
ويرى كاتب هذه السطور، وهو أحد أبناء الجولان، أن المتحدثين باسم أهالي الجولان يجب أن يتمتّعوا بقدرٍ كافٍ من الواقعية والوعي السياسي، حيث يُلاحظ أن البيان المُسمى “وثيقة العهد لأهل الجولان” يتضمّن بعض الأخطاء أو المغالطات، أو على الأقل عدم الدقة في التعبير.
وعلى سبيل المثال، من غير الواضح ما هو المقصود بالحديث عن رفض “مشروع الاندماج الإداري والخدمي في مناطق تجمعاتنا”، ولم يُطرح أحد، على حدّ علمي، مثل هذا المشروع، إلا إذا كان المقصود رفض اندماج أهالي الجولان في مجتمعاتهم الحالية في ريفَي دمشق ودرعا، والتمسك بمخيمات النازحين، باعتبار ذلك يمثل حفاظًا على “الهوية الجولانية”، كما يرى من كتب هذا البيان الصادر عن “التجمع المدني لأبناء الجولان”، حيث تتلقى صفحة هذا “التجمع” يوميًّا رسائل تأييد ومباركة من شخصيات وعشائر الجولان تثني على ما جاء في البيان. وهي رسائل، إن صحّت، تدلّ -في اعتقادي- على مجرّد تأييد لفكرة “مظلومية” أهالي الجولان، وضرورة وجود متحدثين باسمهم، ولا تعني بالضرورة التأييد الحرفي لمضمون البيان.
بالنسبة لمطلب توسيع تمثيل أبناء الجولان في إدارة مؤسسات الدولة المختلفة، فهو مطلب حق، ويجب عدم الكف عن التذكير به، والسعي لتكريسه عبر كل الوسائل القانونية المتاحة.
كيف يمكن أن يؤدي اندماج أهالي الجولان في محيطهم اليوم إلى “إلغاء هوية أبناء الجولان، وإلغاء الخصوصية الجولانية، والتفريط بحق الانتماء إلى أرض آبائنا وأجدادنا..”؟ هل المطلوب أن يعيش أبناء الجولان في “غيتوات” منعزلة ضمن بيوت مخالفات تعاني التهميش وقلة الخدمات؟ هل هذه الظروف تساعد على ولادة أجيال من أبناء الجولان تحظى بحقها في التعليم ولديها الوعي بحقوقها، والتي هي في المحصلة حقوق وطنية لكل البلاد؟ فالجولان لا يخص أبنائه فقط، بل سوريا كلها.
وأيضًا، المطلب الذي ينص على مطالبة الحكومة السورية بحقوق السكن وفرص العمل لأبناء الجولان! وهل أبناء بقية المناطق لا يحتاجون إلى سكن وفرص عمل؟
كما أنه من غير المعروف ما هو المقصود بالمطالبة باستصدار مادة في الدستور أو قانون يضمن “الحقوق المشروعة لأبناء الجولان”. هل يطالب كاتبه مثلًا باسترجاع “بطاقة النازح” التي وُزّعت على نازحي الجولان بعد نكسة 1967 للحصول على معونات غذائية؟
وفي اعتقادي، أن مطالب أهالي الجولان، سواء في الشق المحتل أو أهالي القنيطرة، يجب أن تتمثل أساسًا في تخديم تجمعاتهم المهملة في محيط دمشق ودرعا.. في الحجر الأسود والسبينة والبويضة وحجيرة والسيدة زينب.. إلخ، حيث تعمّد نظام الأسد إهمالها وعدم دمجها في المجتمع السوري الأوسع. إضافةً إلى إعادة إعمار مدينة القنيطرة لتستوعب مئات الآلاف من أبناء الجولان الذين ما زالوا يعيشون في مناطق مخالفات على أطراف دمشق، خاصةً أن ضعف الكثافة السكانية في محافظة القنيطرة، يشجّع إسرائيل على التمادي في اعتداءاتها ويُغريها بالتمدد في هذه المنطقة التي تنظر إليها كمنطقة مليئة بالخيرات وفقيرة بالسكان.
وبالنسبة لمطلب توسيع تمثيل أبناء الجولان في إدارة مؤسسات الدولة المختلفة، فهو مطلب حق، ويجب عدم الكف عن التذكير به، والسعي لتكريسه عبر كل الوسائل القانونية المتاحة.
المصدر: تلفزيون سوريا