
لا يمكن الجزم بما إذا كان “السباق” بين الدبلوماسية ومواصلة الحرب الإسرائيلية على إيران أمراً واقعاً أو جدّياً. لا يبدو أن التحرك الدبلوماسي حتى الآن، قادر على تحقيق نتيجة، خصوصاً في ظل مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يتحدث عن حرب طويلة وعن تحقيق أهداف استراتيجية ليس من المعروف ما إذا كانت تل أبيب قادرة على تحقيقها بمفردها أم أنها ستبقى مصرّة على استدراج الولايات المتحدة الأميركية للانخراط في هذه الحرب.
دول الاتحاد الأوروبي، روسيا والصين، ودول عربية عديدة لا ترى في مصلحتها اتساع رقعة الحرب ولا انخراط الولايات المتحدة فيها. ولكن في مقابل المساعي تبقى هناك مواقف سياسية أوروبية، خصوصاً، تنظر إلى ما يجري باعتباره حرباً بين الغرب والشرق، ولذلك تدعم إسرائيل، وفي حال استمرت الحرب قد تجد نفسها أكثر انخراطاً في دعمها.
لا يزال عدم حسم الموقف الأميركي يفتح الباب أمام الكثير من المساعي الدبلوماسية، والتي لا تبدو أنها مجدية بالنسبة إلى الإسرائيليين حالياً. أما بالنسبة للإيرانيين فإن الخيار الأوحد لديهم حالياً هو القدرة على تحقيق أكبر قدر من الخسائر في الداخل الإسرائيلي لعلّ ذلك يدفع تل أبيب إلى التراجع وتخفيض سقف الطموحات والتوقعات.
وأمام كل هذا المشهد تبقى خيوط اللعبة كامنة بين يدي الإدارة الأميركية وتحديداً الرئيس الاميركي دونالد ترامب. الأكيد أن هناك دعماً أميركياً مطلقاً لإسرائيل وهذا لا نقاش فيه، ولكن الصخب قائم داخل الإدارة الأميركية، إذ إن الكثير من مراكز القرار تعترض على الانخراط في الحرب، من دون إغفال اتجاهات الكثير من أصحاب التأثير الذين يدفعون باتجاه الانخراط في هذه الحرب أو اعتماد مبدأ مساندة إسرائيل في توجيه ضربات عسكرية قاسية ومن شأنها أن تحدث تحولاً كبيراً في مجريات الصراع.
موقف روسيا
مما لا شك فيه أن دخول الولايات المتحدة الأميركية في الحرب إلى جانب إسرائيل سيكون له تداعيات على الوضع الإقليمي والدولي، اقتصادياً، نفطياً وليس فقط عسكرياً أو على مستوى الموازين السياسية. لا سيما في ضوء المواقف الروسية المتتالية التي تدعو واشنطن إلى الامتناع عن الانخراط، إذ أن موسكو تنظر إلى ما يجري بعين أوسع، وهي ستعتبر أن أي اسقاط للنظام في إيران سيعني تقدم الحلف الأطلسي إلى حدودها، وهي ستصبح مطوقة من اتجاهات متعددة خصوصاً في ضوء الحرب المستعرة في أوكرانيا.
أما تركيا، التي استفادت في مكان ما من تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، وعززت نفوذها منذ عشر سنوات إلى اليوم في البلقان، أو القوقاز أو سوريا والعراق، فهي تنظر إلى المشروع الإسرائيلي بوصفه خطراً يتهددها، لا سيما أنه في حال خرجت إسرائيل منتصرة بهذه الحرب فهي حتماً لن تقف عند حدود طهران، وسيكون مشروعها توسيع نفوذها أكثر على مستوى المنطقة انطلاقاً مما فعلته في سوريا، وهو ما سيوصل إلى تصادم مع أنقرة، وكان واضحاً مدى التصادم في سوريا عندما أطاحت إسرائيل باتفاقية فض الاشتباك واجتاحت الجنوب السوري، بينما قررت تركيا في المقابل بناء قواعد عسكرية في وسط سوريا لمنع الإسرائيليين من مواصلة التقدم.
فوز إيران أفضل من هزيمتها
هنا وعلى الرغم من مخاصمة الكثيرين لإيران ومشروعها لكنهم ينظرون إلى ما يجري بوصفه تهديداً لهم، ويعتبرون أنه في حال لم تُهزم إيران وانتهت الحرب على قاعدة التفاوض ووقف إطلاق النار، ستكون الصورة بالنسبة إليهم أفضل من هزيمتها، خصوصاً أن ذلك سيحتم تعزيز جسور التواصل مع الدول العربية والقوى الإقليمية، لمنع جعل إسرائيل هي القوة المتفوقة الوحيدة. أما في حال ربحت إسرائيل هذه الحرب فذلك سيجعلها الطرف الذي سيمارس تفوقه وصلافته على كل دول المنطقة.
أميركياً، من الواضح أن واشنطن تريد الاتجاه إلى مسار جديد في منطقة الشرق الأوسط ككل، وهذا المسار له شروطه وفروضه على كل الدول ومن ضمنها إيران. هدف أميركا هو تحقيق هذا المسار وشروطه بغض النظر إذا كان من خلال الحرب الإسرائيلية التي تدعمها او من خلال المفاوضات، وهو ما عبر عنه ترامب بوضوح حين قال إنه على الإيرانيين القبول بالتفاوض من دون أي شرط، ما يعني الاستسلام، الأمر الذي رفضته طهران بالكامل، وهي تشترط وقف الحرب كي تستأنف المفاوضات.
وهذه الشروط الأميركية تشبه ما هو معروض على سوريا ولبنان أيضاً، لجهة الالتزام بالمسار الجديد الذي يصفه الأميركيون بمسار السلام.
المصدر: المدن